حقق حزب العمال بزعامة كير ستارمر فوزاً ساحقاً في الانتخابات العامة البريطانية رغم فقدانه أصواتاً لصالح المرشحين المؤيدين للفلسطينيين، والذين حقق العديد منهم انتصارات مفاجئة.
وبعد فوز حزبه بـ 412 من أصل 650 مقعداً برلمانياً في الانتخابات العامة التي أجريت في المملكة المتحدة يوم الخميس، تم تعيين ستارمر رسمياً رئيساً للوزراء من قبل الملك تشارلز في اجتماع في قصر باكنغهام يوم الجمعة.
وانخفض عدد مقاعد المحافظين المنتهية ولايتهم، بقيادة ريشي سوناك، إلى 121 نائباً فقط، بينما حصل الديمقراطيون الليبراليون الوسطيون على 71 مقعداً.
وكانت استطلاعات الرأي قد توقعت مع إغلاق صناديق الاقتراع أن يقدم حزب الإصلاح البريطاني المناهض للهجرة بزعامة نايجل فاراج أداءً أفضل من المتوقع.
لكن الواقع لم يكن كذلك، بعدما حصل الحزب على أربعة مقاعد فقط وهي أقل من عدد المقاعد التي حققها النواب المستقلون الذين دعت برامجهم الانتخابية بشكل واضح لمناهضة عدوان الاحتلال على غزة.
كما حققت الأحزاب اليسارية نجاحات كبيرة، حيث رفعت حصتها من مقعد واحد إلى أربعة مقاعد في البرلمان بعد أن خاضت حملات مكثفة في عدة مناطق لدعم وقف إطلاق النار في غزة وتعليق مبيعات الأسلحة للاحتلال.
وفي اسكتلندا، احتفظ الحزب الوطني الاسكتلندي، الذي قاد الدعوات في البرلمان لدعم وقف إطلاق النار في غزة في الأشهر الأخيرة، بتسعة مقاعد فقط، بانخفاض عن 48 مقعداً، مع ارتفاع الدعم لحزب العمال في جميع أنحاء البلاد.
وفي بيان صدر يوم الجمعة، رحبت زارا محمد، الأمين العام للمجلس الإسلامي في بريطانيا، بتغيير الحكومة، لكنها قالت إن العديد من الناخبين المسلمين البريطانيين، وغيرهم، كانوا يشعرون “بشعور ساحق بالعجز إزاء الوضع في غزة” وعدم رغبة حكومة المملكة المتحدة في الدعوة إلى وقف إطلاق النار.
“كانت فلسطين على ورقة الاقتراع، وأعد بالبقاء على وفائي لتعهدي بالدفاع عن الشعب الفلسطيني وحقه في تقرير المصير” – جيريمي كوربين، رئيس حزب العمال السابق والفائز الحالي بمقعد مستقل في البرلمان البريطاني
وقالت محمد: “لقد رأينا هذا يتجلى بشكل أفضل في المقاعد التي فاز فيها المستقلون الآن أو حصلوا على حصة كبيرة من الأصوات، وهو ما يشير إلى أنه لا ينبغي اعتبار أي تصويت أمراً محسوماً سلفاً”.
وأكدت محمد أن المسلمين في المملكة المتحدة واجهوا ارتفاعاً في منسوب معاداة الإسلام والتشهير لأكثر من عقد من الزمن، ودعت إلى “حوار هادف” لتعزيز الثقة في المجتمعات الإسلامية.
وأشارت إلى أنه “يجب أن تتم معالجة القضايا الحرجة مثل الحرب في فلسطين، وتكلفة المعيشة، وحالة الخدمة الصحية الوطنية وجرائم الكراهية في طليعة أجندة هذه الإدارة الجديدة”.
كما حثت الناشطة المسلمة الحكومة الجديدة “على القضاء على الخطاب المناهض للهجرة والعمل على توحيد البلاد”.
وخلال الأشهر الماضية، أعرب العديد من الناخبين في جميع أنحاء المملكة المتحدة عن استيائهم من حزب العمال، وخاصة بشأن موقفه المبكر عندما دعا إلى “وقف دائم للقتال” في غزة بدلاً من وقف إطلاق النار الفوري والشامل.
كما أبدى ستارمر التأييد لقرار الاحتلال بقطع الكهرباء والمياه وغيرها من الضروريات عن غزة، على الرغم من إدانة الخبراء القانونيين لهذه الخطوة باعتبارها جريمة حرب.
وعلى الرغم من أن الحزب غير موقفه لاحقاً ونفى حزب العمال أن يكون ستارمر قد دعم الحصار الخانق على غزة، إلا أن جزءاً كبيراً من الجمهور البريطاني قالوا إنهم شعروا بأنهم ملزمون بالتصويت لصالح مرشح وحزب مؤيدين لوقف إطلاق النار بشكل ثابت.
ويمثل فوز شوكت آدم واحداً من الانتصارات المفاجئة التي حققها المستقلون بعدما أطاح بجون آشورث، العضو البارز في حكومة الظل لحزب العمال، في دائرة ليستر ساوث في إيست ميدلاندز.
وفي مدينة بلاكبيرن الصناعية في الشمال الغربي، أطاح المحامي عدنان حسين بكايت هوليرن من حزب العمال، في حين خسر جورج غالواي نفسه مقعده في روشدايل في شمال غرب إنجلترا.
وترشح جيريمي كوربين، الذي طُرد من حزب العمال بسبب موقفه من مزاعم معاداة السامية، كمستقل في إزلنجتون نورث في لندن، مطالباً بوقف إطلاق النار الفوري في غزة.
وعلى الرغم من الجهود الضخمة التي بذلها حزب العمال لإزاحته، تغلب كوربين على حزبه السابق بأكثر من 7000 صوت.
وفي بيان صدر بعد تأكيد إعادة انتخابه، قال كوربين إن انتصارات المرشحين المستقلين كانت بمثابة تحذير لحكومة ستارمر القادمة “بأن المعارضة لا يمكن سحقها دون عواقب”.
وفي برمنغهام بيري بار، حقق المستقل أيوب خان فوزاً مفاجئاً على النائب البرلماني عن حزب العمال خالد محمود.
ومثل العديد من المستقلين، فاز خان بدعم جزء كبير من الناخبين المسلمين في الدائرة، فضلاً عن آخرين ينتقدون عدوان الاحتلال على غزة وسياسات حزب العمال في معالجة الفقر.
على صعيد آخر خسرت المرشحة البريطانية من أصل فلسطيني ليان محمد في منطقة إلفورد الشمالية بفارق يقل بـ 500 صوت فقط من منافسها ويس ستريتنج، وهو من حزب العمال، والذي من المتوقع أن يصبح وزيراً للصحة.
هذا وأشاد ستارمر بالنتائج ووصفها بقوله “لقد أشرقت شمس الأمل”، معلناً أن أغلبية حزبه التي بلغت 170 مقعداً هي الأكبر منذ فوز توني بلير في عام 1997.
وبدا أن نتائج هذه الانتخابات تعكس استياء الناخبين من المحافظين أكثر مما تعكس التأييد الجماعي لحزب العمال وسياساته.
بقي المحافظون يمسكون بزمام السلطة لمدة 14 عاماً مارسوا خلالها سياسة فوضوية شهدت التدهور الاقتصادي وخروج بريطانيا المثير للجدل من الاتحاد الأوروبي.
وبلغت حصة حزب العمال من الأصوات 35% فقط، بزيادة 1.4% عن عام 2019، عندما عانى من خسارة ساحقة أمام حزب المحافظين بزعامة بوريس جونسون، وأقل بنسبة 5% من فوز حزب العمال بزعامة جيريمي كوربين في عام 2017.
وانخفضت أصوات زعيم حزب العمال البالغ عددها 18884 صوتاً في هولبورن وسانت بانكراس بنسبة 17% عن الانتخابات الأخيرة، فيما حلت الناشطة المناهضة للفصل العنصري فينشتاين في المرتبة الثانية بـ 7312 صوتاً.
واعترف ريشي سوناك، رئيس الوزراء المحافظ المنتهية ولايته، بالهزيمة في وقت مبكر من يوم الجمعة، وتحمل المسؤولية عن أسوأ نتيجة انتخابية لحزبه على الإطلاق وقال إنها كانت “ليلة صعبة”.
وفي وقت لاحق قبل استقالته الرسمية من الحكومة، أكد سوناك أنه سيتنحى أيضاً عن منصب زعيم حزب المحافظين بمجرد اختيار خليفته.
وقال “لقد سمعت غضبكم وخيبة أملكم، وأنا أتحمل المسؤولية عن هذه الخسارة”.
وفقد العديد من النواب المحافظين البارزين مقاعدهم، بمن فيهم رئيسة الوزراء السابقة ليز تروس، والوزراء بيني موردونت وغرانت شابس، والمؤيد الرئيسي للخروج البريطاني من الانحاد الأوروبي جاكوب ريس موغ.