بقلم جنان عبده
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
أدخلت الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو منذ تنصيبها في ديسمبر الماضي تغييرات عميقة على القانون الإسرائيلي.
ولأشهر عدة، خرج اليهود الإسرائيليون إلى الشوارع للاحتجاج على هذه الإصلاحات القضائية، التي من شأنها أن تقوض بشدة سلطات المحكمة العليا والرقابة على السلطتين التشريعية والتنفيذية.
وركزت الحكومة الإسرائيلية السابعة والثلاثون توجيهاتها السياسية على مجالات ثلاثة متداخلة لا يمكن فصلها عن بعضها البعض وهي السيادة، والأمن القومي، والتوسع الاستيطاني.
وتشير هذه التوجهات إلى مسعى الحكومة لزيادة ترسيخ السيادة اليهودية غير الديمقراطية التي تميل إلى الفاشية العنصرية الاستيطانية ولا تعترف بالشعب الفلسطيني أو حقوقه.
التدابير الاستبدادية
ووفقًا لمسؤولين حكوميين، تسعى المبادئ التوجيهية الجديدة التي وضعها قادة الائتلاف الإسرائيلي إلى استعادة التوازن بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية.
وكان وزير العدل الإسرائيلي ياريف ليفين قد أعلن في كانون الثاني (يناير) عن الإصلاحات القضائية والخطة الشاملة لتنفيذها على مراحل.
ويمكن تقسيم هذه التغييرات إلى أربع فئات هي أولاً سلسلة من القوانين التي تزيل سلطة الرقابة القضائية، ثانياً تعديل القانون الأساسي الإسرائيلي الذي يحدد شروط إلغاء القوانين ونقل السلطة إلى البرلمان الإسرائيلي (الكنيست)، ثالثاَ تشديد الرقابة الحكومية على اختيار القضاة، رابعاً تعديل طريقة تعيين النائب العام والوزراء وغيرهم من المسؤولين الحكوميين.
سيسمح التغيير لأعضاء البرلمان بالالتفاف على قرارات المحكمة العليا وإعادة العمل بالقوانين التي تم إلغاؤها في السابق.
سيسمح القانون المقترح، في حال إقراره، لأعضاء البرلمان الإسرائيلي بإضافة “بند تجاوز” لكل مشروع قانون مستقبلي، مما يحميه من أي إشراف أو انتقاد قضائي لاحق.
وينص تعديل مقترح آخر على أنه لا يمكن اتخاذ أي قرار بتغيير أو إلغاء أو تقييد صلاحية أي قانون يتم تمريره من خلال بند الإلغاء في البرلمان.
ترسيخ سيطرة الحكومة الإسرائيلية
ينص القانون الأساسي لإسرائيل على أن قرار تغيير أو إلغاء أي قانون يجب أن يُتخذ بالإجماع من قبل هيئة قضائية من جميع قضاة المحكمة العليا.
لكن الحكومة الإسرائيلية تعمل على تغيير تشكيل لجنة اختيار القضاة بما يضمن سيطرة الائتلاف الحاكم عليها وبالتالي تسييسها.
كما تشمل التعديلات إلغاء معيار “معقولية” القانون وهي استراتيجية تمكّن المحكمة العليا من إلغاء أمر إداري صادر عن الحكومة بسبب “عدم منطقيته”.
وقد استخدمت المحكمة العليا هذا المعيار لإلغاء القرارات “غير المعقولة” وجعلها غير قانونية في حالات عدة سابقاً.
من الناحية العملية، فإن إلغاء اختبار المعقولية يقوض بشكل كبير قدرة المحكمة العليا على التدخل في قرارات الحكومة، وسيتيح للحكومة فعل ما تشاء دون أي رقابة قانونية.
قانون الحوكمة المقترح
ولتفادي تنحية وزير معين، ينص قانون مقترح جديد على عدم إمكانية فرض الرقابة القانونية من قبل أي جهة قضائية فيما يتعلق بأهلية تعيين وزير أو نقله من منصبه، باستثناء حالات محددة.
سيضع هذا التغيير كل السلطات في أيدي رئيس الوزراء الذي سيكون حراً في تعيين أعضاء الحكومة بموافقة البرلمان وبدون إشراف قضائي.
وفي السابق، حددت الكنيست شروط الاستحقاق لكنها كانت تخضع لأحكام ومعايير قضائية.
وقد جاء هذا التغيير المقترح استجابة لتدخل المحكمة العليا بإلغاء تعيين الوزير أرييه درعي، الذي كان قد تعهد أمام المحكمة في ملفه السابق بأنه لن يترشح مرة أخرى لمنصب سياسي وسيبتعد عن الحياة السياسية، وهو الأمر الذي انتهكه عندما ترشح مرة أخرى وعينه نتنياهو وزيرا في الحكومة الحالية.
وينص تعديل آخر على أنه لا يحق للمحاكم بما فيها المحكمة العليا مناقشة طلب تنحية أي وزير أو المصادقة عليه، ما يعني تعطيل إمكانية إقالة رئيس الوزراء في قضايا الجرائم الجنائية المشتبه بها، كما يحدث مع نتنياهو الذي يحاكم بتهم الفساد وخيانة الأمانة.
أي سلطة
ويؤكد القانون الحالي أن سلطة إلغاء القانون أو التشكيك في صلاحيته أو تأجيله لفترة مؤقتة من اختصاص المحكمة العليا بشرط اجتماع المحكمة بكامل قضاتها وإصدار قرار بشأن ذلك بأغلبية أربعة من خمسة من القضاة.
لكن التغيير المقترح يسحب هذه الصلاحية من المحكمة إذا قررت الكنيست صلاحية القانون، على الرغم مما ورد في القانون الأساسي، الأمر الذي يقيد المحكمة العليا ويلغي فعليًا سلطتها لإلغاء أي قانون مهما كان عنصريًا أو ديكتاتوريًا أو غير معقول.
تعيين القضاة
ووفقًا للاقتراح الجديد، سيتم زيادة عدد أعضاء لجنة الاختيار القضائي من تسعة إلى 11 ويتم تقسيمهم إلى لجنتين: واحدة لاختيار قضاة المحكمة العليا والأخرى لاختيار القضاة في المحاكم الأخرى.
وستتألف لجنة اختيار قضاة المحكمة العليا من ثلاثة وزراء، وثلاثة أعضاء كنيست من الائتلاف الحاكم، واثنين من أعضاء الكنيست من المعارضة، وثلاثة قضاة في المحكمة العليا، بما في ذلك رئيس المحكمة العليا، الأمر الذي يمنح الائتلاف الحاكم أغلبية 6 أعضاء.
كما ستتغير القواعد المتعلقة بتعيين النائب العام والمستشارين القضائيين للكنيست والوزارات المختلفة إذا تم تمرير هذه الإصلاحات.
وفي نهاية المطاف، يسعى التعديل إلى تسييس منصب النائب العام ووزارة العدل، مع إضعاف مكانة المستشارين القانونيين في الوزارات الحكومية في بحيث تتحول آراءهم المهنية إلى مجرد توصيات غير ملزمة.
الفاشية المقننة
أثارت هذه الإصلاحات قلق الكثير من الإسرائيليين، حيث قدم الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ مقترح تسوية جديد بخصوص الأزمة لكن الائتلاف الحاكم رفض عرضه.
ويتمتع الائتلاف الحاكم بأغلبية تمكنه من تمرير جميع هذه القوانين غير الديمقراطية.
ستخلق هذه القوانين والمقترحات والتعديلات عند إقرارها نظاماً ديكتاتورياً فاشياً يخلو من فصل السلطات وستضع الجيش والشرطة والمحاكم كلها في أيدي الحكومة اليمينية.