بقلم فيحاء شلش
ترجمة وتحرير مريم الحمد
قبل شهرين، تلقت طالبة الطب الفلسطينية، براءة فقها، قراراً إسرائيلياً بإيقافها عن الدراسة الجامعية 6 أشهر، وكانت آنذاك في السنة الثالثة في كلية الطب في جامعة القدس في بلدة أبو ديس شرقي القدس، وهو قرار يماثل ما حصلت عليه الطالبة بتول أبو عاصي، التي تتخصص في التصوير الطبي في نفس الجامعة، بإيقافها مدة 4 أشهر.
“الأمر في النهاية تقييد حركتي ومحاولة عرقلة دخولي إلى الجامعة وإكمال دراستي”- براءة فقها – طالبة فلسطينية
كشفت فقها أنها تلقت اتصالاً من الشرطة الإسرائيلية بتاريخ 25 يونيو، لاستدعائها إلى مركز شرطة معاليه أدوميم شرقي القدس، حيث تم استجوابها حول نشاطها الطلابي في الجامعة، فقالت “كانت الأسئلة حول مشاركتي في أنشطة اتحاد الطلاب، وبعد أن انتهوا من الاستجواب، سلموني ورقة تحتوي على أمر الإيقاف”.
"حتى الطلاب يخيفونهم"… الاحتلال يبعد الطالبة الفلسطينية في كلية الطب براءة فقها عن جامعة القدس أبو ديس، حارماً إيّاها من مواصلة مسيرتها التعليمية بصورتها الطبيعية pic.twitter.com/Co9uDOAe5s
— القسطل الاخباري | القدس (@AlQastalps) August 29, 2023
لا تعد هذه السياسة الإسرائيلية جديدة، ففي عامي 2018-2019، أصدر الجيش الإسرائيلي قرارات مماثلة بإيقاف عدد من الطلاب في الجامعات الفلسطينية في الضفة الغربية لعدة أشهر، الأمر الذي أعاق استكمال دراستهم والتخرج مع زملائهم.
سياسة إيقاف الطلاب عن الدراسة في الجامعات الفلسطينية تصاعدت منذ عام 2013، حين تلقى من 10 طلاب قراراً بطردهم من جامعاتهم من مناطق مختلفة من الضفة آنذاك دفعة واحدة، بحجة أن النشاط الطلابي “يشكل تهديداً لأمن إسرائيل”!
الحقيقة أنه رغم إنكار الشرطة الإسرائيلية، إلا أن القرار ضد فقها قد تم اتخاذه بالفعل قبل استجوابها، حتى أن براءة استعانت بمحامٍ للطعن في القرار أمام محكمة عوفر العسكرية، لكن تم رفض الطعن، وبعده أصدرت المحكمة قراراً لتأكيد الإيقاف.
تعليقاً على القرار الإسرائيلي، قال المحامي صالح محاميد أنه طلب من المحكمة تجميد القرار حتى جلسة أخرى، في محاولة لتقليص المدة، ولكن الأمر لم ينجح، حيث أشار المحاميد أن القرار عسكري، وهو جزء من قائمة طويلة من القرارات الإدارية الإسرائيلية التي تدمر حياة الفلسطينيين، مثل الاعتقال الإداري والإبعاد وأوامر الهدم.
وفقاً لقوانين الطوارئ، فإن المواد 108 و109 و110 تمنح الحاكم العسكري الإسرائيلي سلطة تنفيذ إجراءات معينة ضد أي شخص، أو منع دخوله لمكان معين أو إلزامه بالبقاء في مكان معين، وحتى مرات الاستجواب في مقر الشرطة أو تحديد مكان الاقامة أو الترحيل من مكان الإقامة، موضحاً أنه “في هذه الحالة، تعتبر الاتهامات ملفات سرية لا يمكن لأحد الاطلاع عليها، ولا يوجد أي دليل قانوني عليها، كما يحدث في الاعتقال الإداري، وهو قرار عسكري بامتياز وجزء من التعسف الإسرائيلي القائم”.
في حال تطبيق القرار، فالإيقاف يجب أن ينتهي في 25 ديسمبر 2023، ما يعني حرمان برا من فصل دراسي كامل، تقول براءة، التي تعيش في قرية كفر اللبد قرب طولكرم، “أخشى الآن أن يراقبني الجيش للتأكد من عدم دخولي إلى الجامعة، وأن يتم إيقافي والتحقق من هويتي عند حواجز إسرائيلية مفاجئة إذا حاولت الذهاب إلى بلدة أبو ديس، الأمر في النهاية تقييد حركتي ومحاولة عرقلة دخولي إلى الجامعة وإكمال دراستي”، وأضافت أنها لن تتمكن من دخول بلدة أبو ديس إلا بعد إلغاء القرار، وهو أمر “مستبعد في ظل تصاعد الإجراءات العقابية الإسرائيلية في الضفة والقدس ضد الفلسطينيين”.
سياسة عنصرية
أصدرت رئاسة محافظة القدس الفلسطينية بياناً وصفت فيه قرار الإيقاف بحق الطالبتين بأنه “سياسة عنصرية ممنهجة ضد التعليم ومؤسساته في القدس، وجاء في البيان أن “هذا القرار عنصري وتدخل سافر وغير مقبول في جامعاتنا الوطنية، حيث نفتخر بممارسة العمل الاتحادي الطلابي الذي كفله الدستور الفلسطيني، وتحرص عليه مؤسساتنا التعليمية الوطنية”.
يذكر أن سياسة إيقاف الطلاب عن الدراسة في الجامعات الفلسطينية تصاعدت منذ عام 2013، حين تلقى من 10 طلاب قراراً بطردهم من جامعاتهم من مناطق مختلفة من الضفة آنذاك دفعة واحدة، بحجة أن النشاط الطلابي “يشكل تهديداً لأمن إسرائيل”!
كما تعرضت طالبة الصحافة، سعيدة الزعارير، إلى نفس السياسة عام 2019، عندما كانت على وشك التخرج من جامعة بيرزيت، حين صدر قرار بإيقافها عن الجامعة ومنعها من الدخول بشكل كامل إلى مدينة بيرزيت نفسها!
في رواية ما حدث معها آنذاك، قالت “اتصل ضابط إسرائيلي بوالدي و استدعاني لإجراء مقابلة في مركز تحقيق عوفر غرب رام الله، ولمدة ساعتين، تم استجوابي حول عملي الطلابي، حيث كنت عضوًا في مجلس الطلاب”.
“هذه السياسة تهدف إلى إضعاف الحركة الطلابية، عبر إفراغها من بعض قياداتها عن التأثير في الوسط الجامعي” – إسراء لافي- ناشطة طلابية
وتسكن الزعارير في جنوب الخليل، ومع ذلك فوصولها إلى رام الله يستغرق منها ساعتين في الطريق، يمكن خلالها اعتقالها عند أي حاجز عسكري، لذلك اضطرت للالتزام بقرار الإيقاف، تقول “طوال فترة الاستجواب، هددني الضابط بشأن مستقبلي، قال لي إنني سأمنع من السفر ولن أعمل في وظيفة جيدة، كل ذلك بسبب نشاطي الطلابي، حتى منعتني إسرائيل من حضور حفل تخرجي”.
قرار الإيقاف وقتها شمل سعيدة وصديقة لها تدعى علا توتا من القدس، وقبل ذلك بعام، تم إيقاف الطالبة أسماء قداح من جامعة بيرزيت ثم اعتقالها أثناء محاولتها الوصول للجامعة لاحقاً!
أشارت منسقة حملة “الحق في التعليم”، سندس حماد، إلى أن “بعض قرارات الإيقاف بحق طلاب الجامعة كانت مصحوبة بأوامر الإقامة الجبرية والحجز في منطقة سكنية محددة”، فيما أكدت الناشطة الطلابية السابقة، إسراء لافي، أن “هذه السياسة استخدمتها إسرائيل سابقًا كوسيلة لقمع الحركة الطلابية خلال الانتفاضة الأولى عام 1987، وهو حق يمنح للحاكم العسكري الإسرائيلي في كل منطقة منذ عام 1967”.
أضافت لافي أن هذه السياسة “تهدف إلى إضعاف الحركة الطلابية، عبر إفراغها من بعض قياداتها عن التأثير في الوسط الجامعي، كما أن إسرائيل تحاول بعزل هؤلاء الطلاب عن المحيط الطلابي الذي أحبوه و اعتادوا عليه ثنيهم عن مواصلة حياتهم ونشاطهم، حيث يتعرضون للاحتجاز لفترات مختلفة”.
لمواجهة السياسة الإسرائيلية، ترى إسراء لافي أنه من الضروري تعاون الكلية مع الطلاب المفصولين وتوفير بدائل لمنع تأخرهم عن الدراسة، فما لم يكن ممكناً بظروف الاعتقال، يمكن أن ينجح في حالة الإيقاف عن طريق التعليم عن بعد، على حد قولها.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)