باب العمود: أهمية ودلالة عظيمة عند الفلسطينيين

باب العمود: أهمية ودلالة عظيمة عند الفلسطينيين

سلط تقرير لموقع “ميدل إيست آي” الضوء على الخلفية التاريخية والمكانة الرمزية لمنطقة “باب العمود” الذي أصبح خلال السنوات الأخيرة عنوانا لصراع الفلسطينيين المتواصل مع مشاريع الاستيطان والتهويد في مدينة القدس.

وتناول التقرير جغرافيا المكان وما ألم به من أحداث تاريخية وخلفية إصرار الجمعيات الاستيطانية على تهويده ودوافع الفلسطينيين للتشبث بهوية المكان.

وفيما يلي نص التقرير:

تعد أسوار بوابة دمشق، ذات الأبراج الشبيهة بالتاج معلمًا مهمًا في مدينة القدس، يطلق عليه الفلسطينيون اسم “باب العمود” بينما يُسمى في العبرية “باب نابلس”، للمبنى أهمية سياسية وثقافية ورمزية لسكان المدينة وخارجها، عادة ما يستخدمه الفلسطينيون لدخول البلدة القديمة، وتمثل تلك المنطقة نقطة محورية في حياة الفلسطينيين بالقدس.

في الشوارع الضيقة المنتشرة كالشعيرات الدقيقة الخارجة من الباب، يرتشف الرجال الفلسطينيون القهوة في الأمسيات الرائقة، بينما يسير الباعة الجائلون بعرباتهم، وتتجمع الحشود لغناء الأغاني التقليدية أو الاحتجاج حسب الوضع السياسي حينها.

تعج المنطقة بالسياح الذين يزورون القدس التاريخية ومواقعها الدينية الكثيرة، بالإضافة إلى الفلسطينيين والحجاج المسلمين الذين يزورون موقعًا من أهم الرموز الروحية والوطنية، المسجد الأقصى.

وبينما تدّعي جماعات المستوطنين اليهود ملكيتهم للمسجد وأنه الأرض الموعودة لهيكلهم المستقبلي، أصبحت المناطق المحيطة مثل باب العمود موقعًا للاحتجاجات والعنف حيث تقمع قوات الاحتلال الإسرائيلي تظاهرات الفلسطينيين.

أين يقع باب العمود وإلام يرمز اسمه؟

يقع باب العمود في الناحية الشمالية للبلدة القديمة باتجاه منتصف الجدار الذي كان يحيط بها تاريخيًا، وهو يقع في القدس الشرقية، ما يجعله رسميًا موقعًا فلسطينيًا لكن “إسرائيل” تحتله عسكريًا.

أبواب البلدة القديمة

بعبور الباب تصبح في قلب المدينة التاريخية حيث متاهة من محال التذكارات والمطاعم والمقاهي، سُمي الباب “باب العمود” نسبة إلى العمود الذي كان يميز تمثال الإمبراطور هادريان الذي وقف وسط فنائه في أثناء العصر الروماني البيزنطي، أما اسم باب دمشق فيشير إلى دوره كنقطة خروج المسافرين إلى العاصمة السورية قبل تأسيس دولة الاحتلال الإسرائيلي.

أطلق الصليبيون على الباب اسم “باب القديس إستفانوس” لقرب موقعه من المكان الذي يعتقدون أن القديس إستفانوس استشهد فيه (أول شهيد في المسيحية).

حصل باب العمود على اسمه منذ نحو القرن العاشر بما يميزه عن بقية الأبواب المحيطة بالبلدة القديمة، وقد أُطلق عليه تاريخيًا أيضًا اسم باب النصر.

اليوم، تحرس الشرطة الإسرائيلية البوابة باستمرار، فنشاهدهم أحيانًا على ظهور الخيل أو واقفين قرب الحواجز المعدنية، يستخدم المصلون اليهود الباب أيضًا حيث يؤدي إلى الحائط الغربي (حائط البراق أو حائط المبكى لدى اليهود)، بالإضافة إلى محطة سكة حديد خفيفة قريبة تربط المنطقة ببقية القدس.

بالنسبة لليهود، فهم يعتقدون أن الحائط الغربي من بقايا المعبد الثاني الذي دُمر في أثناء العصر الروماني، ويعد المكان من أهم المناطق للحجاج اليهود، وفي كل عام يتجمع عشرات الآلاف لتلاوة الصلوات ووضع الأدعية المكتوبة بين فتحات الحوائط.

متى بُني باب العمود؟

تشير السجلات التاريخية إلى أن الباب بناه في الأصل الملك هيرودس أغريباس الأول عام 41 ميلاديًا ثم أعاد بناءه الإمبراطور هادريان في أثناء حكمه، أُعيد ترميم البناء مرة أخرى عام 1537 في أثناء حكم السلطان العثماني سليمان القانوني.

بنى الرومان الباب في البداية ليصل المكان بالطريق الشمالي الجنوبي الذي يمر عبر القدس، كان الهيكل الأصلي عبارة عن باب نصر بثلاثة أقواس قائم بذاته، لكن اليوم لم يبق إلا القوس الشرقي الأصغر.

يؤدي باب العمود إلى الحي الإسلامي حيث توجد العديد من المحال والمقاهي.

ما الملامح الرئيسية للباب؟

يتميز الباب بأسواره المثلثة ذات الفتحات، ما يمنحه المظهر التاجي من القمة، وبخلاف بقية الأبواب المؤدية للبلدة القديمة، يتميز باب العمود بالسلالم المنحدرة من أعلى إلى أسفل ويضم بناؤه الداخلي أقواس بارزة بُنيت على الطراز العثماني.

قبل عام 1967، ضم الباب برجًا حربيًا في أعلاه، لكنه دُمر في أثناء حرب 67، وصفت اليونسكو البلدة القديمة للقدس وأسوارها بموقع مهم للأديان الإبراهيمية الثلاثة.

لكن “إسرائيل” تواصل تعزيز بنيتها التحتية الأمنية العسكرية حول الباب رغم أهميته التاريخية، يتضمن ذلك بناء برج مراقبة عند الباب، هذا البرج معزز بأجهزة كشف الصوت، ما يتطلب اقتلاع الأشجار القريبة من البناء.

ما الدلالة الرمزية للباب؟

عبر السنين، أصبح الباب أيقونة ثقافية للفلسطينيين، ليس فقط بسبب دوره كنقطة لدخول المنطقة المحيطة بالمسجد الأقصى، لكن أيضًا كنقطة محورية للتوترات مع الاحتلال الإسرائيلي.

يمثل باب العمود نقطة تجمع مهمة للفلسطينيين، حيث يرى الفلسطينيون الباب كمكان يستطيعون التجمع فيه وتنظيم أنفسهم ضد القيود المفروضة على حياتهم في القدس وضد الاحتلال الإسرائيلي بشكل عام، أصبح باب العمود خلفية للعديد من الصور والرسومات الخاصة بالقدس ومعلمًا بارزًا في الأدب الفلسطيني والفلكلور.

تعد صور الأسواق الصاخبة قرب الحائط والرجال الذين يسيرون حوله مرتدين الكوفية الفلسطينية ذات قيمة عاطفية للعديد من الفلسطينيين.

في شهر رمضان، يشهد الباب إقبالًا ضخمًا حيث يأتي الآلاف إلى المنطقة للصلاة في المسجد الأقصى وزيارة عائلاتهم، واليوم يدخل معظم المسلمين المتوجهين إلى المسجد الأقصى من أحياء القدس الشرقية أو من الضفة الغربية عبر باب العمود.

ما طبيعة التوترات التي تحدث هناك؟

يتعرض الفلسطينيون لقيود بشكل منتظم في أثناء محاولتهم دخول البلدة القديمة، وهناك قيود وفقًا للعمر والجنس تفرضها قوات الاحتلال الإسرائيلي على من يريدون الدخول خاصة في أثناء احتدام المواقف السياسية.

أدت هذه القيود إلى احتجاجات الفلسطينيين التي قمعها الإسرائيليون بعنف باستخدام الرصاص المطاطي وقنابل الغاز المسيل للدموع، وما يثير غضب الفلسطينيين أيضًا التفتيش الذي يتعرضون له عند مرورهم بالباب.

في عام 2020، غيرت الشرطة الإسرائيلية اسم سلالم باب العمود إلى سلالم “هادار وهاداس” بعد ذبح الشرطيتين هادار كوهين وهاداس مالكا، تلك الخطوة التي رآها الفلسطينيون محاولةً لمحو التراث الفلسطيني في القدس.

 

يقول المؤرخ المعماري في جامعة القدس يوسف نتشه: “تسمية سلالم باب العمود باسم مختلف هي محاولة لفصل معلم باب العمود عن فضائه المعماري، هذه هي الروح وهذا هو المكان وهذه حدود باب العمود، فكيف تفصلون الروح عن الجسد؟”.

 

مقالات ذات صلة