بقلم ديفيد هيرست
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
على مدى الشهور الأربعة الماضية تابع الغرب تدمير مباني غزة بناية تلو الأخرى، حيث هُدمت الأحياء السكنية والجامعات والمستشفيات والمكتبات، و أبيدت العائلات التي تشكل العماد الرئيسي للمجتمع داخل المنازل التي حوت العديد من الأهالي الذين تجمعوا بأعداد كبيرة.
لقد أهلكت الحرب الطبقة الوسطى من الأطباء والصحفيين والأكاديميين ورجال الأعمال، وقصفت قوافل المساعدات، فيما يعدم رصاص القناصة طوابير الجياع الذين يصطفون للحصول على الطعام وأولئك الذين يحاولون النزوح سيرًا على الأقدام حيث تذكرنا مشاهد الدمار هذه بأسوأ جرائم الحرب العالمية الثانية.
كما رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عرض حركة حماس بوقف القتال وتحرير ما تبقى من الرهائن أحياء، متعهداً ،هذا الأسبوع، بمواصلة الحرب حتى النهاية المريرة.
ومن المتوقع أن تصبح رفح، وهي ملجأ النازحين الأخير، الهدف التالي للحرب التي يتضاءل التأييد لها، بعد مرور أربعة أشهر على اندلاعها، في صفوف من يصنفون أنفسهم بأنهم ليبراليين.
تبرير الحرب
بعد تنظيم حفل وطني لتكريم الضحايا الفرنسيين الذين سقطوا في هجوم حماس في 7 تشرين الأول / أكتوبر، سُئل الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند عما إذا كان الضحايا الفرنسيون الذين سقطوا في العدوان الإسرائيلي على غزة لا يستحقون نفس الشيء.
رد هولاند ” لا يمكن أن يكون هناك نفس التكريم، الحياة هي الحياة وكل حياة تعادل حياة أخرى، ولكن هناك ضحايا للإرهاب وضحايا للحرب، أن تكون ضحية للإرهاب يعني أن تتعرض للهجوم كشخص فرنسي أو كمدافع عن أسلوب حياة ما لا كضحية جانبية في حرب، إنها ليست من نفس الطبيعة”.
برر كاتب العمود توماس فريدمان، الحائز على جائزة بوليتزر ثلاث مرات، قيام الولايات المتحدة وإسرائيل بإضرام النار في “الغابة” بالكلمات التالية.
“تمثل إيران بالنسبة للجغرافيا السياسية ما يمثله نوع من الدبابير الطفيلية المكتشفة مؤخراً بالنسبة للطبيعة، ماذا يفعل هذا الدبور الطفيلي؟ وفقاً لصحيفة ساينس ديلي، فإن الدبور يحقن بيوضه داخل اليرقات الحية فتبدأ يرقاته بالتهام اليرقات المضيفة ببطء من من الداخل إلى الخارج ثم تنفجر وتخرج للحياة حين تصل إلى الشبع”.
لا يرى بايدن ولا ستارمر الخطر الذي يواجهونه بشأن غزة، لكن بوش وبلير أيضاً لم يفعلا ذلك عندما قررا غزو العراق
“هل هناك وصف أفضل للبنان واليمن وسوريا والعراق اليوم من القول أنها اليرقات؟ أما الحرس الثوري الإسلامي فهو الدبور”
وأضاف فريدمان: ” الحوثيين وحزب الله وحماس وكتائب حزب الله هم البيض الذي يفقس داخل المضيف، لبنان واليمن وسوريا والعراق، ويأكلونه من الداخل إلى الخارج، ليس لدينا استراتيجية مضادة تقتل الدبور بأمان وكفاءة دون القضاء عليه عبر إضرام النار في الغابة بأكملها”.
تعود أصول فكرة اعتبار اليهود طفيليين إلى عصر التنوير، ولكن تم تركيز الفكرة من قبل النازيين في ألمانيا والنمسا، حيث يُعرض ملصق نازي يشبه اليهود بالقمل الذي يسبب التيفوس في متحف الهولوكوست في واشنطن، ومن الأفضل لفريدمان أن يقوم بزيارة المتحف، كما فعل محرر صحيفة نيويورك تايمز الذي نشر مقالته.
لقد وصل هولاند وفريدمان إلى نهاية حياتهما المهنية، لكن الرئيس الأمريكي جو بايدن وزعيم حزب العمال كير ستارمر ليسا كذلك، وكلاهما يخوض الانتخابات هذا العام.
مسؤولية انتخابية
إن لامبالاة بايدن وستارمر بشأن المخاطر التي يمكن أن يخلقها دعمهما للحملة الإسرائيلية في غزة أمر غريب لأن كل من يضع السلطة فوق المبدأ يتنكر بوقاحة لتعهداته.
وربما كان المرء يتوقع منهم أن يكونوا أكثر حذراً قبل أن يتبعوا إسرائيل في طريق العار التاريخي، ففي كل يوم تستمر فيه هذه الحرب، يبدو نتنياهو أقل شبهاً بالرجل الذي يمكنك أن تراهن عليه.
لقد تحولت الحملة الإسرائيلية في غزة إلى عبء انتخابي لأنها دخلت الآن شهرها الخامس دون ظهور أي إشارة على إمكانية توقفها.
منذ اللحظة التي انطلقت فيها المقاومة العراقية لم تعد الإطاحة بصدام حسين استعراضاً سهلاً للقوة بالنسبة للجيش الأميركي، وبعد مرور عقدين من الزمن على ارتكاب جورج بوش وتوني بلير الخطأ الذي حدد مسارهما المهني المتمثل في غزو العراق، والذي ألقى بظلاله على ما لم يتمكن أي من الرجلين من الابتعاد عنه، يقدم بايدن وستارمر أداءً مشابهاً.
إذا كانت اللحظة التي ضحى فيها بلير بثقة الأمة هي التي ادعى فيها امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل غير الموجودة لدى صدام حسين، فإن نهاية سمعة ستارمر بين المسلمين البريطانيين جاءت فيما كان ينبغي أن يكون مقابلة روتينية مع قناة إل بي سي.
سأل نيك فيراري ستارمر عما إذا كان لإسرائيل الحق في قطع الكهرباء والمياه عن غزة فأجاب: ” أعتقد أن إسرائيل لديها هذا الحق، إنه وضع مستمر، من الواضح أن كل شيء يجب أن يتم في إطار القانون الدولي لكنني لا أريد الابتعاد عن المبادئ الأساسية التي تقول أن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها وتحميل المسؤولية لحماس”.
ورغم أن ستارمر سرعان ما تراجع عن هذه الأقوال، لكن تلك اللحظة كانت الفاصلة.
أما بالنسبة لبايدن، فقد جاءت اللحظة الفاصلة عندما شكك في عدد القتلى الذي أعلنته وزارة الصحة الفلسطينية قائلاً: ” ليس لدي أدنى فكرة أن الفلسطينيين يقولون الحقيقة بشأن عدد القتلى”، وهو ما يتناقض بشكل مباشر مع تقييم الأمم المتحدة ووكالات حقوق الإنسان الدولية بأن أرقام الفلسطينيين موثوقة.
وقال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في بيان أرسل إلى رويترز: ” نواصل إدراج بياناتهم في تقاريرنا ونذكرها ضمن المصادر”.
كلا التصريحين قلبا ميزان الرأي العام وكان لهما تأثير مدمر على الناخبين المسلمين على جانبي المحيط الأطلسي.
خسارة أصوات المسلمين
فقد أظهر استطلاع للرأي نشر يوم الأثنين تراجعاً كبيراً في تأييد حزب العمال بين المسلمين البريطانيين.
وأظهرت البيانات التي جمعتها منظمة Survation، بتكليف من شبكة العمال المسلمين (LMN)، أن 60% من المسلمين البريطانيين الذين شاركوا في الاستطلاع قالوا إنهم سيصوتون لحزب العمال.
ويمثل ذلك انخفاضًا بنسبة 26% من المسلمين الذين تم استطلاع آرائهم سابقًا في عام 2019، حيث ذكر 43% فقط إنهم سيصوتون بالتأكيد لحزب العمال مرة أخرى، بينما لم يقرر 23% الأمر بعد.
وتراجعت نسبة الانتماء إلى حزب العمال من 72% في عام 2021 إلى 49% في عام 2024، حيث ذكر 38% من المسلمين البريطانيين أن لديهم وجهة نظر أكثر سلبية تجاه حزب العمال بعد الـ 12 شهرًا الماضية، فيما بلغت نسبة التقييم الشخصي لستارمر -11%.
لقد انخفض الدعم لحزب العمال بين المسلمين بشكل مضطرد منذ انتخابات عام 2019، لكن نقطة التحول إلى الانخفاض السريع جاءت في تشرين الثاني / نوفمبر، بعد شهر من حرب غزة، وفي غضون أربعة أشهر، انخفض الدعم للحزب من 70% إلى 40% .
وبعد وقت قصير من زلته في قناة إل بي سي، حذر ستارمر جميع الممثلين المنتخبين من المشاركة في الاحتجاجات الداعية إلى وقف إطلاق النار، وعندما تم طرح رفض ستارمر الدعوة إلى وقف إطلاق النار للتصويت، استقال العديد من أعضاء حكومة الظل التابعة له.
ومنذ ذلك الحين، استقال أكثر من 70 من أعضاء المجالس العمالية في مناطق مثل أكسفورد وبيرنلي وهاستينغز ونورويتش، والآن تقود استقالة اليسار المناهض للصهيونية وطرده من الحزب إلى نتائج عكسية.
لقد باتت المقاعد الهامشية لاثنين من المرشحين الرئيسيين وهما ويس ستريتنج، وزير الصحة في حكومة الظل، وروشنارا علي، وزيرة الظل للاستثمار مهددة، فضلا عن مقاعد جون أشوورث في ليستر ومقعد الراحل توني لويدز في روتشديل، حيث تجري انتخابات فرعية في وقت لاحق هذا الشهر، ومن الممكن أن تنقلب جميع هذه المقاعد بتصويت المسلمين الذي عادة ما يتجاوز أغلبية حزب العمال.
ولا يتوهم أحد أن أصوات المسلمين يمكن أن تمنع ستارمر من الوصول إلى السلطة، ولكنها قد تشكل الفارق بين حكومة بأغلبية ساحقة على طريقة بلير وحكومة أقلية
ومن الممكن تحويل ستة وثلاثين مقعدًا آخر، بما فيها مقعد مارغريت هودج، التي وصفت زعيم حزب العمال السابق جيريمي كوربين بأنه “معادي للسامية وعنصري”، إلى مقاعد هامشية في ظل انتشار المجموعات الشعبية في كل مكان مع آلاف المتطوعين المستعدين لدعم المرشحين المستقلين.
وقالت إحدى المجموعات التي تدعى “صوت المسلمين” (TMV) إنها ستدعم المرشحين المستقلين بالموارد والشبكات والمتطوعين والتمويل في الدوائر الانتخابية التي تعتقد أن لديها جمهورًا فيها.
ومن الممكن أن يترشح مستقل في دائرة ستارمر الانتخابية، حيث تم الإعلان عن المرشحة البريطانية الفلسطينية الشابة ليان محمد لمنافسة ستريتنج في إلفورد نورث.
وتعهدت منظمة “Redbridge Community Action Group” الشعبية بطرح مرشح لديه استراتيجية قوية فيما يتعلق بفلسطين والخدمات الصحية الوطنية والعنصرية وكراهية الإسلام وأزمة تكلفة المعيشة.
ويمثل هذا اندماجًا كبيراً بين غزة وأجندة حزب العمال ما قبل ستارمر، حيث أن جميع الأعضاء الطموحين للغاية مثل ستريتنج معرضون للخطر الذي أدركه ستريتنج نفسه فبدأ في التلفظ بعبارات مبتذلة حول أهمية الدولة الفلسطينية ورفض الشارع الدعوة إلى وقف إطلاق النار.
“حملة التخلي عن بايدن”
أما بالنسبة لبايدن، فهو الأكثر ضعفا في ميشيغان، وعندما واجه فريق حملته الغضب المتزايد من جانب عدد كبير من السكان العرب والمسلمين، كان رد فعل فريق حملته مشابهًا جدًا لرد ستارمر.
فقد ذكرت صحيفة بوليتيكو أن: “دعم بايدن لإسرائيل أضر بشدة بحملته مع العرب الأمريكيين في ميشيغان، ويسعى فريقه الآن جاهداً لإيجاد طرق أخرى لتحقيق النصر في الولاية التي تمثل ساحة المعركة، وفقًا لاثنين من مستشاري الحملة الذين لم يفصحا عن هويتهما”.
لقد أصبحت ديربورن التي تعد الأعلى تركيزاً في نسبة العرب الأميركيين مركزًا لحملة وطنية ضد إعادة انتخاب بايدن، حيث أطلق مقال رأي في صحيفة وول ستريت جورنال على المدينة لقب “عاصمة الجهاد الأمريكية” الأمر الذي استدعى تكثيف تواجد الشرطة المحلية ويمكننا أن نتوقع ظهور نفس التشهير في وسائل الإعلام اليمينية البريطانية.
لقد أطلق نشطاء من ميشيغان ومينيسوتا وأريزونا وويسكونسن وفلوريدا وجورجيا ونيفادا وبنسلفانيا حملة للتخلي عن بايدن، منها ست ولايات قادرة على حسم نتيجة السباق الانتخابي.
وقال حسن عبد السلام، الأستاذ في جامعة مينيسوتا وعضو الائتلاف الوطني لحملة #AbandonBiden: ” :”نحن نبحث عن إيجاد طرق لبناء آلية للتنسيق بين جميع الولايات المتأرجحة، بحيث نعمل باستمرار معًا لضمان عدم تصويت الأمريكيين المسلمين في كل هذه الولايات للسيد بايدن وخسارته لها. ما يجب أن يراه السيد بايدن أن كل ولاية منها لديها 111 صوتًا انتخابيًا ،وقد فاز المرة الأخيرة بـ 74صوت”.
ولكن السؤال هو هل يتطلع المسلمون إلى التخلي عن بايدن حتى لو كان المنتصر في تلك الحملة هو دونالد ترامب، عدو المسلمين؟
حسناً، الجواب على ما يبدو نعم، فهنا جيل جديد في طريقه لتغيير وجه الحزب الديمقراطي إلى الأبد، حيث قال جيلاني حسين، مدير فرع مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (CAIR)، في مينيسوتا ديربورن بولاية ميشيغان، عندما سُئل عن بدائل لبايدن: “ليس لدينا خياران، بل لدينا خيارات كثيرة”.
لا يتوقع المسلمون الأمريكيون أن يتلقوا معاملة أفضل من الازدراء- ربما عدم الاحترام كلمة أفضل- الذي كانوا يتعرضون له في عهد بايدن، ولكن إذا ما أعيد انتخاب بايدن، فإن التصويت في تشرين الثاني/ نوفمبر هو فرصتهم الوحيدة لإعادة تشكيل السياسة الأمريكية.
وفاز بايدن بولاية ميشيغان بنسبة 2.8%، حيث يشكل العرب 5% من هذه الأصوات، وكان عبد الله حمود، أول عمدة عربي لمدينة ديربورن واضحاً للغاية بشأن ما يريد من بايدن أن يفعله.
قال حمود: ” لم يشهد التاريخ حرباً تم فيها تدمير 80% من البلاد بشكل كامل، وتشريد 100% من السكان، وكان 50% من مجمل ضحاياها من الأطفال، فهذا لم يحدث قط”.
وأضاف ” بالنسبة لنا، نريد أفعالاً لا كلاماً، إذا أراد الرئيس بايدن اتخاذ موقف حازم، فيمكنه أن يبدأ بتقييد المساعدات العسكرية لإسرائيل، ويمكنه أن يبدأ بالدعوة إلى وقف إطلاق النار لأنه في الوقت الحالي يقتل ما يقرب من 200 مدني كل يوم، هذه خطوات ملموسة يمكن اتخاذها لأن ما نفهمه هو أن الجهود الدبلوماسية وحدها هي التي يمكن أن تؤدي إلى السلام العادل والدائم”.
يمكننا أن نكون متأكدين من شيء واحد، هو أن حكم التاريخ سيكون أشد قسوة على هؤلاء القادة السياسيين الذين برروا وتسامحوا مع التطهير العرقي الجاري الآن في غزة.
إن رفض بايدن وستارمر الدعوة إلى وقف إطلاق النار ورفضهما دعم حكم محكمة العدل الدولية بأن على إسرائيل أن تتخذ خطوات للامتثال لاتفاقية منع الإبادة الجماعية، سوف يلحق بحياتهما المهنية وصمة عار لا تمحى.
يعجز كلا الرجلين عن رؤية المخاطر الناجمة عن دعمهما حرب إسرائيل في غزة تماماً، كما فعل جورج بوش وتوني بلير عندما قرَّرا غزو العراق.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)