خيّم شعور بخيبة الأمل على الفلسطينيين في قطاع غزة بعد أن أصدرت محكمة العدل الدولية قرارها المؤقت في قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل.
وكانت المحكمة التي تتخذ من لاهاي مقراً لها قد أمرت إسرائيل يوم الجمعة باتخاذ جميع الإجراءات الممكنة لمنع ارتكاب الإبادة الجماعية في غزة، وكذلك للسماح بدخول المساعدات إلى القطاع.
لكن قرارات المحكمة لم تصل إلى حد دعوة إسرائيل إلى وقف عملياتها العسكرية في القطاع، وهو الأمر الذي كان يأمل الكثيرون أن يحدث.
ووفقاً لصحفيين من قطاع غزة، فإنه على الرغم من أن القضية بدت في البداية تاريخية وهامة، إلا أن الحكم المؤقت جاء أقل من توقعات العديد من الفلسطينيين.
وقالت الصحفية أسيل موسى المقيمة في غزة: “إن قرار محكمة العدل الدولية هو قرار غير مرض لأي فلسطيني”.
وأضافت: ” المحكمة أمهلت إسرائيل شهراً آخر لمواصلة قتلنا وتهجيرنا وتجويعنا، وبما أنها وافقت على دخول المساعدات الإنسانية، فهي بذلك تمنح إسرائيل فرصة لمواصلة إبادتنا مع إمدادنا بفتات الغذاء والدواء والمساعدات الإنسانية وضروريات الحياة الأساسية التي نحتاجها”.
وأشارت موسى إلى أن الفلسطينيين الذين تحدثت معهم في غزة كانوا يأملون في أن تأمر المحكمة “بوقف فوري وعاجل لإطلاق النار”.
من ناحيتها ذكرت الصحفية رويدا عامر أن النازحين في غزة شعروا بالإحباط بعد القرار.
وأردفت: ” خلق تحرك جنوب أفريقيا دولياً ضد الإبادة الجماعية في غزة شعوراً بالأمل، لكن للأسف ومع استمرار الحرب فقدنا في غزة كل أمل في العالم بعد صمته أمام الجرائم المستمرة منذ أكثر من ثلاثة أشهر”.
وأوضحت إن الناس في غزة فقدوا ” أرواحهم وشغفهم بالحياة” بسبب “الأهوال” التي شهدوها وعاشوها.
ورغم أن قرار محكمة العدل الدولية ملزمٌ قانونًا، إلا أنه لا يوجد الكثير مما يمكن للمحكمة أن تفعله لإجبار إسرائيل على الامتثال له.
إذ يمكن للدول الداعمة للقرار أن تدعو مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى فرض عقوبات منفصلة على إسرائيل إذا لم تمتثل لأوامر المحكمة لكن الاحتمال يظل قائماً من إمكانية أن تستخدم الولايات المتحدة حق النقض لإجهاض هذه الخطوة.
من ناحيتها، وصفت مراسلة موقع ميدل إيست آي في غزة، مها الحسيني، يوم صدور قرار المحكمة بأنه كان يومًا تاريخيًا بالنسبة للفلسطينيين من ضحايا الجرائم الإسرائيلية، ولا سيما الصحفيين الذين تم استهدافهم وقتلهم.
وقالت: ” للمرة الأولى يعترف المجتمع الدولي عملياً بأن إسرائيل متهمة بارتكاب إبادة جماعية وهو ما يمثل علامة بارزة للغاية”.
وقال الحسيني: ” يشعر العديد من الفلسطينيين بفشل المجتمع الدولي مجدداً لأن المحكمة لم تطالب بوقف فوري لإطلاق النار”.
وتابعت: ” إن منع أعمال الإبادة الجماعية يعني بالضرورة وقف الهجمات العشوائية على واحدة من أكثر المناطق كثافة سكانية على وجه الأرض”.
بدورها أوضحت ولاء صباح، وهي صحفية أخرى في موقع ميدل إيست آي من غزة، أن قرار المحكمة لم يذهب بتطلعات الفلسطينيين بعيداً.
وقالت: ” بينما نشعر بالتفاؤل إزاء إعلان محكمة العدل الدولية رسميا اختصاصها القضائي في القضية التي تضع إسرائيل كمتهمة بارتكاب جرائم إبادة جماعية، فإن الإجراءات المؤقتة المتخذة ضئيلة ومحدودة”.
وذكرت صباح أن الحكم يشبه إخبار إسرائيل بأنها تستطيع “قتل الفلسطينيين، دون أن تنشر ذلك على تيك توك”.
وأضافت: ” الأحكام كلها توصيات ولا يحمل أي منها صفة الإلزام والأمر متروك لواشنطن وإسرائيل وحلفائهما إن شاءوا اتخاذ إجراء”.
وبينما أصيب الكثيرون بخيبة الأمل، شعر البعض في غزة بالأمل بعد أن أمرت المحكمة إسرائيل باتخاذ إجراءات لمنع الإبادة الجماعية.
ووصف صحفي فلسطيني في غزة، فضل عدم ذكر اسمه القرار بالمهم للغاية، قائلاً: ” حصانة إسرائيل انتهت، وهذه هي البداية”.
وأضاف أنه يجب ألا يتم تقييم القرار من منظور عدم طلب وقف إطلاق النار فقط، لأن المحكمة اعتمدت على أن أحد الطرفين هو دولة والآخر حركة، والمحكمة لديها القدرة على الحكم على الدول فقط”.
وتتمتع محكمة العدل الدولية بسلطة قضائية على الدول فقط، وبالتالي يمكنها إصدار الأوامر لإسرائيل، دون سلطة لفعل ذلك مع حماس.
وقال الصحفي أحمد السماك: ” الإجماع العالمي ضد الجرائم الإسرائيلية التي شهدناها غير مسبوق”.
وأضاف أن ” إسرائيل لم تستمع إلى أي دعوات لوقف إطلاق النار أو إنهاء المجاعة، إذن ما الذي يمكن أن يجبرهم الآن على التوقف؟”
وتابع: ” آمل أن يمثل هذا الحكم خطوة مهمة للمجتمع الدولي في وضع حد لإفلات إسرائيل من العقاب عندما ترتكب جرائم ضد فلسطين”.
أما محمد الحجار، مراسل ميدل إيست آي في غزة، فأشار إلى أن ” هناك علامات استفهام حول ما إذا كانت إسرائيل ستلتزم بالحكم رغم أنه مهم جداً للفلسطينيين”..
وتابع بالقول أن الفلسطينيين وعلى الرغم من ذلك ممتنون للإجراء الذي اتخذته جنوب أفريقيا.
وختم بالقول: “نشكر جنوب أفريقيا كثيراً على شجاعتها ووقوفها معنا، وخاصة ضد إسرائيل والولايات المتحدة لأن إسرائيل لا تتصرف بمفردها، ونأمل أيضًا أن تدفع الولايات المتحدة في المستقبل ثمن تشجيعها ودعمها لإسرائيل في هذه الحرب”.