كشفت وثائق حصل عليها موقع ميدل إيست آي من مصدر ليبي مقرب من دائرة حفتر، أن الملحق العسكري الروسي في المملكة العربية السعودية كان الرجل الرئيسي للمحادثات بين خليفة حفتر وموسكو في الفترة التي سبقت زيارة القائد الليبي إلى حاملة طائرات روسية في العام 2017.
وتبين أن البرقيات الدبلوماسية المخبأة بين السفارة الروسية في المملكة العربية السعودية وممثل حفتر، تظهر كيف عملت بعثة روسيا في الرياض كحلقة وصل إقليمية بين قائد شرق ليبيا ومبعوثيه وموسكو، لعقد اجتماعات رفيعة المستوى وطلبات مبيعات الأسلحة وجمع المعلومات الاستخباراتية.
وتفصل البرقيات كيف تم تسهيل زيارة حفتر إلى حاملة طائرات روسية في يناير 2017 لمناقشة قضايا التعاون في مجال مكافحة الجماعات الإرهابية في ليبيا، وتزويد القوات المسلحة العربية الليبية بالإمدادات الطبية.
وفي أعقاب الاجتماع، تم نقل حوالي 70 جنديا جريحا من القوات المسلحة العربية الليبية بقيادة حفتر، وهي مجموعة من الميليشيات المعروفة أيضا باسم الجيش الوطني الليبي، إلى روسيا عبر مصر لتلقي العلاج الطبي.
وجاءت المراسلات والرحلة إلى الأدميرال كوزنيتسوف، حاملة الطائرات الروسية الوحيدة، في وقت كانت فيه روسيا تكثف دعمها لحفتر، وكما هو الحال الآن، تم تقسيم ليبيا من قبل الحكومات المتنافسة في الشرق والغرب، وكان لدى حفتر خطط ليصبح زعيم الدولة الغنية بالنفط في شمال إفريقيا، وهي طموحات أسفرت عن محاولة فاشلة لغزو غرب ليبيا في 2019-2020.
وكانت روسيا تنتهك بالفعل حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة في ذلك الوقت من خلال توجيه الأسلحة إلى حفتر، وكانت موسكو تطبع أيضا ما قيمته مليارات الدولارات من الأوراق النقدية الليبية للحكومة المتحالفة مع حفتر في شرق ليبيا، وفي عام 2016، زار حفتر موسكو مرتين، حيث خاضت قواته معركة شاقة للسيطرة على بنغازي.
ويذكر أن روسيا وافقت على تعزيز دعمها العسكري للقائد بالتنسيق مع الجزائر، بعد زيارة حاملة الطائرات، التي تحدث خلالها حفتر إلى وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو على خط هاتف آمن.
وفي 4 يناير 2017، كتب حفتر شخصيا إلى شويغو، وقبل دعوة مررتها إليه روسيا عبر سفارتها في المملكة العربية السعودية للحضور على متن الأدميرال كوزنيتسوف.
وكتب حفتر “تقبل منا امتناننا العميق ودعمنا الشجاع للشعب الليبي في كفاحه ضد الإرهاب، من أجل أن يسود الأمن والسلام في ليبيا والبحر الأبيض المتوسط بأكمله”.
كان المنسق الروسي مع حفتر في ذلك الوقت هو العقيد فلاديمير كيريشينكو، الملحق العسكري في السفارة الروسية في المملكة العربية السعودية.
وبعد ثلاثة أيام من رسالة حفتر إلى شويجو كتب كيريشينكو إلى سفير ليبيا آنذاك في المملكة العربية السعودية، عبد الباسط البدري، محذرا إياه من إبقاء خطط اجتماع حاملة الطائرات سرية وفي إطار العلاقات الليبية الروسية الثنائية فقط.
كان ينظر إلى بدري على أنه حليف مقرب من حفتر وسافر كثيرا إلى موسكو للقاء كبار المسؤولين الروس، وبحسب ما ورد ضغطت روسيا من أجل تعيينه وزيرا للدفاع الليبي في عام 2015 ومنذ عام 2021 شغل منصب سفير في الأردن.
وقال البدري إنه “قطع العلاقات مع حفتر في عام 2017 وأنه لم يكن لديه أي اتصال مع الروس لسنوات”.
وذكرت السفارة الروسية إن “حفتر يجب أن يصل إلى حاملة الطائرات على متن قارب وقدمت له رقم هاتف بحري للاتصال به، كما طلبوا من مسؤول الاتصال الذي ينسق الرحلة على الجانب الليبي التحدث باللغة الإنجليزية أو الروسية”.
وكتب كيريشينكو إلى بدري قبل يوم واحد من الموعد المقرر لعقد الاجتماع، وأجل عقده لمدة يومين إلى 11 يناير بسبب سوء الأحوال الجوية، كما طلب من الليبيين تقديم قائمة بالموضوعات لمناقشتها.
اهتمام طويل الأمد
في السنوات الأخيرة، كان ينظر إلى الاهتمام الروسي بليبيا في الغالب من خلال أنشطة مجموعة فاجنر، وهي مجموعة شبه عسكرية خاصة غامضة اكتسبت سمعة سيئة في صراعات مثل أوكرانيا وسوريا ويقودها يفغيني بريغوجين، أحد المقربين من فلاديمير بوتين.
ويعتقد أن مقاتلات فاجنر، التي تم نشرها بموافقة موسكو في عام 2019، قد تم تمويلها من قبل الإمارات، على الأقل في البداية.
ومع ذلك، وكما تظهر البرقيات، كان للجيش الروسي اهتمام كبير بليبيا قبل وقت طويل من وصول فاجنر إلى شواطئها.
وقال جلال حرشاوي، الخبير الليبي في المعهد الملكي للخدمات المتحدة للدراسات الدفاعية والأمنية: “نتخيل جميعا أن فاغنر كان مهووسا بليبيا منذ البداية، لكن الدولة الروسية وبوتين كانت مهووسة، عندما رأت الدولة الروسية لأول مرة أن ليبيا مهمة استراتيجيا، بالكاد كانت فاجنر موجودة”.
وقبل الإطاحة بمعمر القذافي من قبل انتفاضة مدعومة من حلف شمال الأطلسي في عام 2011، وقعت حكومة بوتين صفقات بناء وأسلحة بقيمة 4 مليارات دولار مع ليبيا، وهو استثمار سعت روسيا منذ ذلك الحين إلى استعادته من خلال التعامل مع مختلف الأطراف الليبية المتنافسة، بما في ذلك نجل القذافي سيف الإسلام، وحتى الحكومة التي تتخذ من طرابلس مقرا لها، والتي خاضت حربا مع حفتر.
ومع ذلك، برز حفتر، الذي لا يزال يسيطر فعليا على شرق ليبيا ويتمتع بدعم كبير من الإمارات ومصر بالإضافة إلى غطاء دبلوماسي من فرنسا، كشريك رئيسي لروسيا في البلاد.
على الرغم من أن المملكة العربية السعودية استضافت حفتر وأن الاتصالات بين القائد وروسيا أجريت على أراضيها، إلا أن الحكومة السعودية لم يتم ذكرها في البرقيات، ومع ذلك، دعمت الرياض القائد من خلال توفير الأموال لهجومه على طرابلس، بما في ذلك دفع أموال لمقاتلي فاغنر والضغط من أجله في واشنطن.
ويعتقد أن روسيا زودت حفتر بالأسلحة والمستشارين والمال.
في وقت لاحق، خلال حرب حفتر 2019-2020 على طرابلس، والتي أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 2500 شخص وتشريد 150 ألف آخرين، قدم مقاتلو فاجنر التدريب، وساعدوا وحدات المدفعية، ووفروا الأمن لأعضاء رفيعي المستوى في الجيش الوطني الليبي، وأصلحوا وخدموا المعدات، وشغلوا أنظمة بانتسير المضادة للطائرات، ومع تقدم الصراع، قاموا بدور هجومي متزايد، حيث زرعوا الألغام الأرضية والشراك الخداعية واتخذوا مواقع القناصة.
وقال حرشاوي “لكي تكون ليبيا منطقية من منظور تجاري لفاجنر، تحتاج إلى الوصول إلى عام 2018، عندما تزيد الإمارات من تمويل حفتر لمهاجمة طرابلس، ثم لديك سوق وإذا كنت بريجوزين، فهناك كل أنواع الأسباب للاعتقاد بأنك ستحصل على النقد الذي تحتاجه”.
اليوم، لا يزال بعض مقاتلي فاجنر المنتشرين في ليبيا والبالغ عددهم 1000 مقاتل في شرق البلاد ووسطها، على الرغم من أن المجموعة وسعت عملياتها في أماكن أخرى من إفريقيا ولعبت دورا رائدا في الغزو الروسي لأوكرانيا.
وقد تم إرسال مرتزقتها إلى مالي والسودان وجمهورية أفريقيا الوسطى، حيث يسيطرون على مناجم الذهب والماس المربحة، وكان موقع ميدل إيست آي قد نشر في وقت سابق تقارير عن المذابح التي ارتكبها مقاتلو فاجنر حول مناجم الذهب في جمهورية إفريقيا الوسطى.
يقول صموئيل راماني، وهو زميل في المعهد الملكي للخدمات المتحدة ومؤلف كتاب جديد عن روسيا في أفريقيا، إن “ليبيا هي محور طموحات روسيا في القارة”.
وأضاف “ليبيا هي صلة الكرملين بالساحل، لطالما نظرت روسيا إلى ليبيا ومالي كمسرح متكامل، لقد ازدادت أهمية ليبيا بالنسبة للكرملين، حيث تتطلع إلى إبراز قوتها في غرب إفريقيا، في أعقاب حرب أوكرانيا”.