بريطانيا تندد لفظيًا وتدعم فعليًا: لماذا ترفض لندن تعليق تصدير السلاح رغم مجازر غزة؟

بقلم آنا ستافرياناكيس

ترجمة وتحرير نجاح خاطر 

ما يحدث في غزة “خطأ أخلاقي لا يمكن تبريره”، و”إهانة لقيم الشعب البريطاني”، و”لا يُطاق”، لم تكن هذه مجرد كلمات لناشط متضامن مع الفلسطينيين، بل تصريح رسمي من وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي. 

فرغم تعليق لندن محادثات اتفاقية التجارة الحرة مع دولة الاحتلال وتعهدها بمراجعة التعاون ضمن “خارطة الطريق لعام 2030″، إلا أنها ترفض اتخاذ الخطوة الوحيدة التي قد يكون لها تأثير حقيقي وهي وقف كامل للتعاون العسكري وبيع الأسلحة للاحتلال.

ادعاءات مضلّلة

زعم لامي أمام البرلمان أن “الأسلحة التي يمكن استخدامها في غزة لا تصل إلى إسرائيل”، وهذا الادعاء خاطئ، فالحكومة البريطانية لم تعلق سوى عدد محدود من تراخيص تصدير الأسلحة وبنسبة 10% تقريباً فقط، فيما أبقت على مشاركتها في برنامج الطائرة المقاتلة F-35، التي تمثل حجر الأساس في غارات الاحتلال على غزة.

والأكثر من ذلك أن وثائق رسمية من بريطانيا والدولة العبرية تكشف أن لندن لم تكتفِ بعدم وقف المساهمة في تصنيع F-35، بل واصلت تصدير مكونات تُركّب لاحقاً في الولايات المتحدة ثم تُرسل إلى تل أبيب، حيث تسهم الشركات البريطانية بنسبة 15% في كل طائرة من هذا الطراز، وتُستخدم هذه الطائرات الآن بشكل ممنهج في القصف على غزة.

ثغرات قاتلة

ولم يشمل قرار الحكومة بتعليق بعض التراخيص المكونات التي تمر عبر “مخزون عالمي لقطع الغيار” تديره وزارة الدفاع الأميركية وشركتا لوكهيد مارتن وبرات آند ويتني. 

ولا توجد آلية بريطانية لمراقبة حركة هذه القطع، ما يجعل المزاعم الحكومية بعدم قدرة لندن على منع وصول المكونات إلى الدولة العبرية أقرب إلى العبث.

فهل من المعقول أن شركات تصنيع عملاقة غير قادرة على تتبع مصدر قطعة غيار؟ الجواب واضح، ويكمن في غياب الإرادة السياسية لا في غياب القدرة الفنية، فالحكومة البريطانية لا ترى ضرورة لتتبع هذه القطع ما دامت تُستخدم في إبادة جماعية تجري في العلن.

دور F-35 في حرب الإبادة

لقد نفّذ جيش الاحتلال أكثر من 8000 غارة جوية و15 ألف ساعة طيران فوق غزة منذ 7 أكتوبر 2023، حيث تُستخدم F-35 في القصف، والمراقبة، وتقديم الدعم للقوات البرية، وفرض الحصار الجوي.

وفي مارس/آذار الماضي، استخدمت هذه الطائرات لخرق وقف إطلاق النار، ما أسفر عن استشهاد أكثر من 400 فلسطيني في يوم واحد.

وتشير بيانات الحكومة البريطانية إلى أن تصاريح F-35 تضاعفت 14 مرة في 2023 في أوج ارتكاب المجازر مقارنة بأي عام سابق.

ومع علم الحكومة بوجود “خطر واضح” من أن تُستخدم هذه المكونات في ارتكاب جرائم حرب، تصرّ لندن على أن وقفها “قد يُعرّض الأمن الدولي لخطر جسيم ووشيك”، لكن، ما طبيعة هذا الخطر المزعوم؟

أمن من؟

تخفي الحكومة معظم هذه المزاعم خلف وثائق قضائية محجوبة وتعللها بـ”سرية الأمن القومي”، وما أُفرج عنه لا يتعدى تلميحات حول “تهديد خطط الناتو” و”احتمال تراجع السيطرة على المجال الجوي العالمي”. 

باختصار، يجري تفضيل مصالح عسكرية غامضة وغير خاضعة للمساءلة على حياة آلاف المدنيين الفلسطينيين.

ادعاءات مفضوحة

في مارس/آذار 2025، كشفت منظمات بريطانية وفلسطينية، من ضمنها “حركة الشباب الفلسطيني” و”عمال من أجل فلسطين حرة”، بالاستناد إلى بيانات هيئة الضرائب الإسرائيلية، أن المملكة المتحدة استمرت في شحن مكونات F-35 مباشرة إلى دولة الاحتلال حتى بعد إعلان التعليق.

 ورغم إثارة النائبة زارا سلطانة وأكثر من 40 نائباً لهذه الفضيحة، لم تقدّم الحكومة أي ردّ، والأسوأ من ذلك أن بريطانيا منحت الاحتلال تراخيص تصدير أسلحة بقيمة 127.6 مليون جنيه إسترليني (172 مليون دولار) بين أكتوبر/تشرين الأول  وديسمبر/كانون الأول 2024 أي بعد بدء الحملة على غزة. 

وتتجاوز قيمة هذه التراخيص مجموع التراخيص الممنوحة بين 2020 و2023، وهي تشمل أجهزة رادار، برمجيات عسكرية، ومعدات استهداف، جميعها قابلة للاستخدام في المذبحة الجارية.

وبينما تُقصف غزة بلا هوادة، تخوض الحكومة البريطانية معركة قضائية ضد منظمات حقوقية تطعن في قانونية استمرار تصدير الأسلحة. 

لكن حكومة ريشي سوناك لا تحاول الدفاع عن أخلاقية موقفها، بل تدعي أن المحاكم لا تملك اختصاص النظر في القضية، فإذا قُبل هذا الادعاء، سينهار كل نظام الرقابة على صادرات الأسلحة في المملكة المتحدة.

ازدواجية قاتلة

وحتى تعليق المحادثات التجارية مع دولة الاحتلال لم يدم طويلاً، فعد وقت قصير من تصريحات لامي “الغاضبة”، أقلعت طائرة استطلاع بريطانية جديدة نحو غزة لتقديم الدعم الاستخباراتي لجيش الاحتلال، وبعد أيام، زار المبعوث التجاري البريطاني لورد أوستن تل أبيب “لتنشيط الأعمال البريطانية”.

في الداخل، تستخدم الحكومة تشريعات مكافحة الإرهاب لتجريم النشطاء الفلسطينيين، وتواصل قمع التضامن الشعبي المتزايد، أما في البرلمان، فيزداد الضغط على الحكومة من النواب، بينما يستمر الغضب الشعبي مع اتساع الفجوة بين الموقف الرسمي والمجازر المنقولة على الهواء مباشرة.

وتتهرّب الحكومة البريطانية من الخطوة الوحيدة التي يمكن أن تُجبر الاحتلال على وقف عدوانه وهي تعليق جميع صادرات الأسلحة، ووقف كل أشكال التعاون العسكري.

والواقع أن مثل هذا الإجراء سيكون له أثر مباشر وفوري على قدرة دولة الاحتلال على مواصلة هجماتها واحتلالها، لكن ذلك يتطلب إرادة سياسية  وإرادة الحكومة البريطانية اليوم منحازة للسلاح، لا للعدالة.

للاطلاع على المقال الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة