بريطانيا وشركة إسرائيلية تتبادلان أراض فلسطينية لنقل السفارة البريطانية للقدس

بريطانيا وشركة إسرائيلية تتبادلان أراض فلسطينية لنقل السفارة البريطانية للقدس

كشفت وثيقة حكومية مؤخرًا أن بريطانيا استحوذت على قطعة أرض في القدس، تأهبًا لنقل سفارتها إليها، وحصلت بريطانيا على قطعة الأرض عن طريق شركة إسرائيلية تستولي على أراضي الفلسطينيين وتمنحها للمهاجرين اليهود.

وقدمت بريطانيا مقابل قطعة الأرض في القدس، قطعة أرض في جباليا بيافا في عملية تبادل بين الحكومة البريطانية والشركة الإسرائيلية.

وكشف تحقيق أجراه موقع “ميدل إيست آي”، أن الحكومة البريطانية استحوذت على قطعة أرض في منطقة تلبيوت المجاورة للقدس الغربية بمساحة 6950 مترًا مربعًا عُرِفت باسم الأرض البرتقالية، وأظهرت وثائق من الأرشيف الوطني البريطاني تعود لخمسينيات القرن الماضي أن المسؤولين البريطانيين ناقشوا المواقع المحتملة لنقل السفارة البريطانية إلى القدس، وبحسَب الوثائق فقد اعتبر المسؤولون أن نقل السفارة إلى القدس في المستقبل أمر لا مفر منه.

وورد في الوثيقة نقلًا عن مسؤول الانتداب البريطاني عام 1939: “أعتقد ان السلطات العسكرية تحاول إقناع المفوض المسؤول عن المنطقة بإساءة استخدام الصلاحيات الممنوحة له بموجب المادة الثانية من قانون وزارة الدفاع رقم 4”.

وحصلت مجموعة “عدالة” المناصرة لحقوق الفلسطينيين من حيفا على بعض السجلات من أرشيف الدولة الإسرائيلية، وأظهرت السجلات أن الحكومة البريطانية استحوذت على بعض الأملاك في القدس في شهر نيسان/ إبريل عام 1933، بعد مضي عقد من الاحتلال البريطاني لفلسطين بموجب حق الانتداب الذي منحته عصبة الأمم المتحدة لبريطانيا على فلسطين في أعقاب الحرب العالمية الأولى.

وأظهرت الرسائل المتبادلة بين مسؤولي الانتداب البريطاني أن الحكومة الفلسطينية التي عُرِفت آنذاك باسم الإدارة البريطانية استبدلت الأراضي في منطقة الكثبان الرملية ضمن جباليا في يافا بقطعة أرض في القدس اشترتها شركة تطوير الأراضي الفلسطينية.

يُذكَر أن شركة تطوير الأراضي الفلسطينية أسستها المنظمة الصهيونية العالمية في عام 1908، وبدأت العمل في بريطانيا للاستيلاء على مزيد من الأراضي الفلسطينية ومنحها للمهاجرين اليهود.

وأرفقت مع الرسائل صورة توضح أن الشركة المذكورة اشترت الأرض في القدس عام 1921 بنحو 13 قرشًا (وهي العملة النقدية السائدة في العهد العثماني)، ولم تذكر الوثيقة هُوية المشتري.

وورد في الوثيقة: “لقد ناقشت هذا الأمر مع شركة تطوير الأراضي الفلسطينية، ووافقت الشركة على منح الأرض للحكومة البريطانية شريطة موافقة الحكومة على منح الشركة ثلاث أراضٍ في منطقة الكثبان الرملية في جباليا”، كتب هذه الرسالة ج.ن. ستابس مدير الأراضي في شركة تطوير الأراضي الفلسطينية، وأرسلها إلى الأمين العام للإدارة البريطانية في آذار/مارس 1933.

 

“الأرض البرتقالية”…كيف خططت بريطانيا لنقل سفارتها إلى القدس؟

وأشار ستابس في الرسالة إلى أن مساحة الأراضي الحكومية في منطقة الكثبان الرملية في جباليا تبلغ 105 دونمات، أي نحو 105 ألف متر مربع، وهذا يساوي نحو 12.5 ضعف مساحة قطعة الأرض في القدس التي بادلتها الشركة مع الحكومة البريطانية مقابل أراضي جباليا.

وأضاف ستابس: “أقترح أن تحصل الشركة على جميع الأراضي المستوية بدل الحصول على نسبة من الأراضي المستوية والمنحدرة. إن قيمة هذه الكثبان الرملية تعتمد على الأنشطة التي تمارسها الشركة في المناطق المجاورة”.

ولم يعرف موقع “ميدل إيست آي” غايات شركة التطوير الفلسطينية من شراء أراضي جباليا، لكن الرسالة التي وردت في الوثيقة تشير إلى أن الأراضي كانت تُستخدَم لمشاريع التطوير المستقبلي.

وكتب القائم بأعمال المفوض المسؤول عن المنطقة الجنوبية عام 1932 أن الأراضي تحتاج إلى مزيد من التأجير، وقدَّر ثمنها بـ 10 جنيهات فلسطينية للدونم، وأضاف: “بمجرد بدء التطوير والاستثمارات في تلك المنطقة سيرتفع سعر الدونم، وقد يتراوح بين 70 و120 جنيه فلسطيني للدونم الواحد خلال وقت قصير”.

وعُرِفت المنطقة بجباليا آنذاك، وتقع الآن في الضاحية الجنوبية لتل أبيب-يافا، على بعد نحو ثلاث كيلومترات جنوب ميناء يافا القديم.

وأشارت الوثائق إلى أن قطعة الأرض في القدس التي عُرِفت حينها باسم الأرض البرتقالية كانت تستهدف الحصول على أرض في القدس، لإيواء ضباط بريطانيين متزوجين فيما كان يُعرَف آنذاك بمخيم تالافيرا.

تقدم الوثائق لمحة عن استيلاء بريطانيا على العديد من الأراضي الفلسطينية لعدة سنوات، وأن ذلك سينتهي بتحويل مخيم تالافيرا (الأراضي التي صادرتها بريطانيا) إلى ثكنات اللنبي، التي سُمِّيت تبعًا للجنرال إدموند اللنبي الذي قاد الحملة البريطانية في فلسطين ضد الإمبراطورية العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى.

ويبدو أن الوثائق التي عثر عليها موقع “ميدل إيست آي” تصور واقع الانتداب البريطاني في ذلك الوقت، حيث عملت بريطانيا على بناء مزيد من الثكنات العسكرية، لمواجهة المقاومة المتزايدة للانتداب، والتي بلغت ذروتها عند اندلاع الثورة العربية الكبرى عام 1936، مع علم بريطانيا بأنها ستنسحب ذات يوم من فلسطين وتتنازل عن السلطة للحكم الصهيوني!

 

التوتر مع لندن

كشفت الوثائق أنه مع مرور الوقت تصاعد التوتر بين حكومة الانتداب في القدس ووزارة الحرب في لندن، وكان الخلاف بين الطرفين بشأن تحديد الجهة التي ستدفع ثمن الأراضي، وما إذا كان يجب الإبقاء على العديد من الأملاك الفلسطينية مصادرة بموجب قوانين الانتداب.

وقد استولى الجنرال أندوني وإسحاق حلبي على إحدى الأراضي، ما أثار مخاوف إدارة الانتداب، ومن ثم استولى الجيش البريطاني على الأرض عام 1936 بموجب قانون الطوارئ، بحسَب ما ورد في الرسالة الصادرة عن مسؤول الانتداب إلى السكرتير الأول للانتداب.

وقد أعرب المسؤول عن المنطقة عام 1939 عن قلقه من إبرام اتفاق إيجار بين عائلة الحلبي ومفوض الإدارة البريطانية عام 1937، بعد مصادرة الإدارة للعقار، ما أدى إلى انخفاض قيمته بشكل كبير.

وكتب المسؤول: “أعتقد أن السلطات العسكرية تحاول إقناع مفوض المنطقة بإساءة استخدام الصلاحيات الممنوحة له بموجب المادة الثانية من قانون الدفاع رقم 4”.

وكان آل الحلبي قد بدأوا تقسيم أراضيهم؛ تمهيدًا لاستثمارها وتطويرها، وأشار المسؤول عن المنطقة إلى أن الجيش البريطاني لم يكن ليسمح بذلك، ومن جانب آخر لم يستطع مسؤول المنطقة التفاوض مع آل الحلبي في ظل عدم تحديد حكومة الانتداب لموعد شراء الأرض.

وأضاف المسؤول عن المنطقة: “لقد صدرت قوانين الدفاع للاستيلاء على الأراضي بشكل عاجل في حالة الطوارئ وتقديم تعويض مقابلها”.

“لكن يبدو لي أن من الصعب تطبيق المادة الثانية من القانون رقم 2؛ لأن هذه الأرض كانت محتلة لفترة طويلة بوصفها جزءًا من ثكنة اللنبي التي تمركزت فيها قوات الجيش لسنوات عديدة”.

لكن الاستيلاء على الأراضي البرتقالية يبدو أكثر وضوحًا في النص الذي كتبه سكرتير مفوض الانتداب البريطاني الذي قال: “حصل الانتداب البريطاني (الذي عُرِف حينها بالحكومة الفلسطينية) على هذه الأراضي بعد استيفاء جميع النفقات المالية المتعلقة بإقامة القوات البريطانية على هذه الأرض”.

كما أشار السكرتير البريطاني إلى استيلاء حكومة الانتداب على أرض أخرى تسمى الأرض السوداء بالطريقة نفسها.

وقد أُنشِئت على هذه الأراضي معسكرات لإقامة الجنود البريطانيين، وهي الأراضي ذاتها التي اقترحت الولايات المتحدة بناء سفارة ومجمع دبلوماسي جديد عليها، رغم اعتراض ورثة مُلَّاك الأراضي من الفلسطينيين الأصليين الذين صادرت إسرائيل أراضيهم عام 1950.

ووضعت حكومة الانتداب مِلكية الأراضي تحت تصرف وزارة الحرب البريطانية في تشرين الثاني/نوفمبر عام 1942 دون قيد أو شرط وفقًا لمذكرة محفوظة في الأرشيف الوطني البريطاني منذ عام 1947.

وبحسَب الوثائق فقد حصلت حكومة الانتداب على ثمن الأراضي بعد بيعها باستثناء قطعة الأرض البرتقالية. ثم باعت الحكومة البريطانية معظم الأراضي التي أُنشِئت عليها ثكنات اللنبي، ويشمل ذلك قطعة الأرض السوداء للحكومة الإسرائيلية مقابل 140 ألف باوند، لكنها احتفظت بقطعة الأرض البرتقالية التي أجَّرتها لإسرائيل بباوند واحد فقط سنويًّا على مدار أربعين عامًا!

جدير بالذكر أن الحكومة البريطانية جددت عقد الإيجار عام 2007 لـ 40 عامًا أخرى، وبحسَب موقع سجلات الأراضي الإسرائيلية، فإن مِلكية الأرض البرتقالية تعود لوزير الخارجية وشؤون الكومنولث في بريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية.

مقالات ذات صلة