مع انتشار المجاعة الناجمة عن العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، وفي ظل الحصار المطبق، وجد الفلسطينيون أنفسهم مضطرين إلى العيش في ظروف صعبة واتخاذ إجراءات صارمة.
وبسبب ندرة الطعام، لجأت العديد من العائلات في مختلف أنحاء القطاع المحاصر إلى خلط الدقيق بمكونات مختلفة لصنع الخبز بالطرق التقليدية.
واضطرت بعض الأسر إلى استخدام العلف الحيواني وأعلاف الطيور في المخبوزات، ما تسبب بمشاكل صحية أحياناً خاصة بين الأطفال الصغار.
وأكد أبو علاء، الذي يملك مطحنة وسط غزة، أن الطعام المتوفر للأهالي غير صالح للاستهلاك، قائلاً: ” يجب القيام بشيء حيال هذا الأمر بشكل عاجل، فالناس يقومون بخلط أعلاف الطيور والأغذية الحيوانية في طعامهم، وهذا ليس صحياً.”
وأوضح أن هذا يحدث بسبب نقص المساعدات بالإضافة إلى الارتفاع الحاد في أسعار السلع المتوفرة، مضيفاً أنه اضطر إلى تخفيض سعر القمح بسبب الظروف الصعبة، رغم ارتفاع الأسعار الذي يضرب الجميع.
وتنتظر العائلات في الطابور لساعات كل يوم من أجل الحصول على كميات قليلة من الدقيق الذي ينفد في كثير من الأحيان مع وصولها إلى مقدمة طابور الاستلام، وفي الكثير من الأحيان يضطر الناس إلى مغادرة المكان والتفرق بسبب الغارات الإسرائيلية.
آثار ضارة على الصحة
ووفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة في كانون الأول/ ديسمبر، فإن 93% من سكان غزة يواجهون “مستويات حرجة من الجوع”، فيما يواجه ربع سكان القطاع “مجاعة كارثية”.
وقال برنامج الغذاء العالمي في بيان له يوم الخميس إن ” جميع السكان يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، وأن أكثر من ربعهم، أي نصف مليون شخص، وصلوا إلى المستوى الخامس من مراحل الجوع، وهي المرحلة الأكثر تطرفاً ما يعني أنهم يتضورون جوعاً”.
وقال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنه وثق العديد من الوفيات بسبب الجوع من بينها حالات لأطفال رضع.
وبرغم أن خلط العلف الحيواني مع الخبز قد بدأ بالفعل في ترك آثار ضارة على صحة الكثيرين إلا أن العائلات لا تملك بدائل أخرى.
وقال أبو أنس الذي يسكن بالقرب من إحدى المطاحن أن أسعار الأطعمة المتوفرة في غزة لم تعد في متناول أيدي الناس، خاصة بعد قصف جميع المخابز ومحلات السوبر ماركت في القطاع تقريبًا، وهو ما جعل العديد من العائلات تلجأ إلى تقنيات “العصر الحجري” والأفران المؤقتة لصنع الطعام وبيعه إذا توفرت لديها الوسائل.
و لجأ العديد من أهالي غزة المحاصرين إلى خلط الشعير المطحون والذرة مع الدقيق، وفي هذا الشأن يقول جابر، وهو مواطن آخر من غزة، ” إنهم يقومون بخلط أنواع مختلفة من الدقيق والمكونات الأخرى لصنع الخبز، حتى لو كان الطعم سيئًا”، مضيفاً ” نحصل على خبز أحمر أو أصفر أحياناً حسب المكونات المضافة إلى الدقيق وذلك بالتأكيد ليس صحياً”.
كما يقوم السكان بضخ المياه من الآبار، وخلط مياه البحر بمياه الصرف الصحي بسبب نقص المياه النظيفة، وفي بعض الحالات يضطر الفلسطينيون إلى البحث في كل مكان للعثور على بقايا الطعام.
و تروي صابرين العتاني، 32 عاماً، كيف أصبحت تعاني هي وأطفالها الأربعة من النزوح والمجاعة بعد أن أخلت منزلها في بيت لاهيا الذي حولته الغارات الجوية الإسرائيلية إلى أنقاض قبل بضعة أسابيع.
وتقول: ” أشعر بالعجز لأنني لا أستطيع توفير الطعام لأطفالي، لقد أصبح العدس والأرز بمثابة حلم بالنسبة لنا”.
ومن أجل البقاء، اضطرت صابرين كما هو الحال لدى مئات الآلاف في الشمال إلى شراء العلف الحيواني لخلطه بالقمح لصنع الخبز.
وإلى جانب صابرين، عبر طفلاها رمضان ومهند، البالغان من العمر 9 و11 عاماً، عن معاناتهما، حيث قالا أن العلف الحيواني الموجود في الخبز سيء للغاية، والمياه ملوثة، وأنهما يشكوان من ألم في المعدة ، حيث يشربان من مياه البئر مباشرة برغم طعمه السيء”.
ارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل جنوني
وقال مازن الترك، 50 عاماً، ” الوضع أصبح الآن حرجاً، لم نعد نستطيع التمييز بين طعام الحمير وطعام البشر، أصبحنا نأكل أي شيء، فلا أحد يساعدنا، ندعو جميع دول العالم إلى الوقوف معنا، فنحن لا نستطيع الحصول على الغذاء”.
وأضاف: ” لم نتمكن من الحصول على الدقيق الأبيض النقي منذ ثلاثة أشهر، عندما فرضت إسرائيل الحصار الكامل على غزة، حيث أصبح الناس يلتقطون الأشياء من الأرض ليأكلوها”.
وأوضح مازن أن أسعار المواد الغذائية ارتفعت بشكل مبالغ فيه، حيث أصبح الحصول على أي طحين يمكن إيجاده يكلف ما يقارب الـ 700 شيكل أي ما يعادل الـ 189 دولاراً، أما قبل الحرب، فقد كان سعر كيس الدقيق زنة 50 كيلوجراماً يبلغ 100 شيكل أي ما يعادل 27 دولاراً فقط.
ويقول سكان غزة أن استخدام العلف الحيواني في خبزهم، بالإضافة إلى بعض المكونات الأخرى، يضر بصحتهم، خاصة في ظل عدم توفر المياه النظيفة ومرافق الصرف الصحي.
وقال مازن: “يعاني جميع أطفالي من آلام في المعدة وإسهال، بسبب الطعام والماء وانتشار القمامة في الشوارع، نحن جميعا مرضى الآن في غزة ولا أحد يشعر بما نمر به.”
وبالمثل، قال خالد راسم، البالغ من العمر 25 عاماً، وهو أحد سكان مخيم جباليا إن الضروريات مثل أغذية الأطفال والمكملات الغذائية مفقودة، موضحاً أن “الغذاء شبه معدوم، والدواء متوفر فقط في أماكن قليلة، والمستشفيات لا تعمل بكامل طاقتها”.
وذكر خالد أن إغلاق الجيش الإسرائيلي للطرق بين شمال وجنوب غزة حال دون وصول المواد الغذائية وغيرها من السلع إلى الشمال.
وأضاف أن المساعدات الغذائية لم تصل إلى الشمال منذ أكثر من 40 يوماً، موضحاً أن الناس اضطروا إلى طحن علف الحمام والأبقار لصنع الخبز لأن سعر الدقيق يبلغ 210 دولارات وهو غير متوفر أيضاً.
“لقد استخدم الجيش الإسرائيلي سياسة التجويع لمعاقبة أولئك الذين رفضوا مغادرة منازلهم في الشمال من خلال حرمانهم من الطعام والماء” – خالد راسم، أحد سكان مخيم جباليا
وتابع خالد: ” اضطررت لتناول الخبز المصنوع من العلف بالأمس، كان الأمر مقززاً، لكن بعض الناس يأكلون أوراق الأشجار الآن، فالوضع فظيع للغاية وفي بعض الأحيان يتوفر الأرز والعدس لكنها سلع باهظة الثمن”.
وأردف بالقول ” جميع طعامنا الآن ذو نوعية رديئة وغير صحي، ولا توجد مياه صالحة للشرب، وعندما تتوفر مياه الصنبور فإن أولى دفقاتها تكون من مياه الصرف الصحي، لكننا مضطرون لشربها بسبب عدم توفر خيار آخر”.
وفي الوقت نفسه، قال محمود، البالغ من العمر 24 عامًا، وهو من سكان مدينة غزة أن الناس وخاصة الأطفال في المدينة يعانون من المجاعة حيث يتوفر الأرز فقط وهو باهظ الثمن.
وأضاف محمود: ” حليب الأطفال والمكملات الغذائية مفقودة بالكامل وهو ما جعل عمي يقوم بطحن الأرز ويضيف إليه القليل من السكر لجعله صالحًا للأكل لأطفاله، وعلى الرغم من نزوح عائلته، إلا أنهم لم يتلقوا أي مساعدات غذائية”.
وتابع: ” النازحون الذين يحتمون في ملاجئ الأمم المتحدة في مدينة غزة لا يستطيعون الحصول على المساعدة، فقد كانت الشاحنات المحملة بالمساعدات الغذائية من مصر تصل إلى مدينة غزة عبر شارع الرشيد، حيث يتمركز الجيش الإسرائيلي، وبعد مرور وقت قصير على فتح الحاجز العسكري، تقوم جميع الشاحنات بإلقاء المساعدات في الشارع بطريقة مهينة”.
وأشار إلى أن ” الفقراء والجياع فقط يذهبون إلى هناك لطلب المساعدة لأن الأمر خطير للغاية ويمكن أن يعرضهم إلى القتل على يد القناصة الإسرائيليين أو نتيجة الوقوع بسبب التدافع الشرس للحصول على المساعدات، إنها سياسة إسرائيلية متعمدة لإدامة الفوضى”.
وكانت منظمة هيومن رايتس ووتش قد قالت إن التجويع يُستخدم كسلاح حرب في غزة واصفة ذلك بأنه جريمة حرب.
وقالت المنظمة في تقرير لها: ” القوات الإسرائيلية تمنع عمداً توصيل المياه والغذاء والوقود وتعرقل عمداً المساعدات الإنسانية، وتدمر على ما يبدو المناطق الزراعية، وتحرم السكان المدنيين من الأشياء التي لا غنى عنها لبقائهم على قيد الحياة”.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)