بطل غزة: سرق الاحتلال حلمه وبُترت ساقه لكنه لم يستسلم!

بقلم عصام عدوان

ترجمة وتحرير مريم الحمد 

ترجع الحكاية إلى ذكرى يوم الأرض، في 30 مارس من العام 2018، حين أطلق الفلسطينيون من غزة “مسيرة العودة الكبرى“، وهي مظاهرة سلمية حاشدة على الحدود الشرقية، للمطالبة بحق العودة.

وكأن ما حدث كان البارحة فقط، فقد قررت حضور المسيرة مثل أي فلسطيني قد حرم من زيارة مكان آخر من أرضه الفلسطينية، جرني اهتمامي كصحفي إلى الاطلاع على قائمة أسماء القتلى والجرحى على أيدي القناصة الإسرائيليين، في اليوم الأول من المظاهرة، كانت القائمة مليئة بعشرات الأسماء من بينهم نساء وأطفال، لكن عيناي اشتعلت عند اسم محدد كنت قد تعرفت عليه مؤخراً، علاء الدالي، بطل ركوب الدراجات الذي كان ينتظر حضور سباق دولي خلال أشهر!

تساءلت في نفسي “كيف يمكن أن يحدث هذا؟ ماذا كان يفعل في المسيرة؟”، فعلمت لاحقاً أنه، مثلي، ممنوع من مغادرة القطاع المحاصر بأمر إسرائيلي كما أن الحكومات ترفض تأشيرته، ومع إغلاق كل باب في وجهه وغياب الأمل في تحقيق حلمه في أن يصبح دراجاً عالمياً، قرر علاء رفع العلم الفلسطيني والانضمام إلى الاحتجاج إلى جانب الحالمين الآخرين في القطاع.

كان علاء يقف على بعد 900 متر من السياج، دراجته على الأرض وبصره ثابت نحو الحدود، فجأة سقط على الأرض دون أن يشعر حتى بالإصابة في ركبته، وبعد بضعة أسابيع، علمت أن إدارة الحدود الإسرائيلية رفضت السماح لعلاء بالسفر إلى مستشفى في إسرائيل يديره فلسطينيو48 من أجل العلاج.

لم يبق هناك خيار أمام علاء إلا في غزة، فأجرى 8 عمليات جراحية قبل أن يضطر إلى التخلي عن ساقه وبترها لإنقاذ ما تبقى من حياته.

شاهدت معجزة بأم عيني!

خلال فترة الاحتجاجات، كنت أعمل على مشروع لسرد قصص الشباب تحت عنوان “نحن لسنا أرقاماً“، كان قد بدأ عام 2015 من أجل مشاركة القصص الإنسانية لبعض الضحايا الذين نراهم أرقاماً مدرجة في نشرة الأخبار.

كان من الطبيعي أن أقابل علاء وأكتب قصته، لكني لم أتجرأ على مقابلته بعد بتر ساقه، فقد علاء يمر بوقت عصيب للغاية، أخذت أتخيل ما يمكن أن يقول مثل “أتمنى أن أموت بدلاُ من أن أفقد ساقي”، وهو شعور أدركته جيداً بعد أن كنت فقدت أحباء لي أيضاً، فقد كنت أخشى سماع هذه الكلمات مرة أخرى بعد أن كنت خضعت لعلاج لأتعافى منها سابقاً.

لاحقا، رأيت صوراً منشورة لعلاء على الإنترنت بعد أن بتر ساقه، مما منحني الشجاعة للعمل على قصته، توجهت على الفور مع زميل لي إلى منزل علاء، استمعنا لقصته المؤثرة، حتى أن صديقي المخرج فلافيا كابيليني، قرر متابعة رحلته وإنتاج فيلمين وثائقيين قصيرين، أحدهما عن ركوب الدراجات تحت الحصار والآخر عن برج غزة.

 لم تكن قصة علاء قصة صحفية بالنسبة لي ولفلافيا، ولكنها كانت معجزة بشرية علمتنا دروساً كثيرة، بهمة وأمل قال علاء “لقد حرمني القناصة من فرصة أن أصبح بطلاً على قدمين، لكنني سأفعل ذلك ولو بواحدة”، رسالة كان يحارب فيها يأسه العميق بشجاعة هائلة، كما شارك معنا حلمه في إنشاء أول مجتمع لركوب الدراجات الهوائية في غزة.

منذ عام 2020، انضم عدد من راكبي الدراجات الهوائية والمتطوعين من غزة وإيطاليا والمملكة المتحدة إلى حلم علاء وشاركوا في إنشاء مشروع Gaza Sunbirds، الذي تم تسجيله لاحقاً في المملكة المتحدة، وتسعى مجموعات إنسانية بريطانية مثل Amos Trust و The Big Ride for Palestine، إلى إرسال فريق دراجات من غزة إلى دورة الألعاب البارالمبية في فرنسا عام 2024، مع حملة لجمع المال ميزانية للمشروع.

تحديات سياسية

غزة ليست مغلقة مادياً فحسب، بل هي معزولة ايضاً عن بقية العالم من حيث العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية، واقع يجعل من الصعب على المشروع تمثيل فلسطين بشكل رسمي، فالعديد من المشاكل الأخرى المرتبطة بالحصار لا تزال مصدر قلق، فالجهود التي بذلناها لم تكن كافية لإقناع راكبي الدراجات الهوائية، الذين يعيشون في ظروف صعبة في غزة، أن يتمسكوا بالأمل، ولذلك لم يلتزم عدد منهم في المشروع.

راكبو الدراجات لا يملكون أي وظائف أو مساعدة حكومية، وبالتالي، فقد احتاجوا دعماً مادياً، ولكن مشروعنا لم يستطع تقديمه بسبب القيود من حكومة المملكة المتحدة، حيث تمنع السلطات البريطانية الشركات والمنظمات من إرسال الأموال أو سداد المدفوعات مباشرة للأشخاص الذين يعيشون تحت حكم السلطة سواء في غزة أو الضفة، مما يعرض المتطوعين والشركاء في المشروع إلى عواقب وخيمة.

وزاد الطين بلة، أن المشروع واجه صعوبات أيضاً في مواجهة معارضة محلية، يصعب أحياناً تصديق أن علاء حرم من قبل شعبه فرصة السفر أو تمثيل فلسطين في ركوب الدراجات الهوائية، يضاف إلى ذلك أن حكومة غزة دائماً ما تشعر بالقلق تجاه حصول الناس على أموال من خارج غزة دون عقد مباشر، ولهذا تم استدعائي وزملائي في المشروع للاستجواب.

طائر محروم من التحليق!

كان يأمل علاء، مثل بقيتنا، في أن يحرره شخص قوي من الأغلال التي كانت تخنق جسده، فقد رفضت عدة حكومات إعطاءه تأشيرة لأنهم رأوا فيه “مهاجراً خطيراً”، لكننا تفاءلنا وقدمنا طلباً باسم المشروع إلى Union Cycliste Internationale، حتى يتمكن علاء من المنافسة في سباق دولي في سويسرا، ولكن تأشيرته رُفضت أيضاً لذات السبب، رغم تأكيد علاء أنه سيرجع إلى عائلته، زوجته وأطفاله في غزة.

جاءت البطولة وذهبت، لكن علاء بقي في غزة، ولم يتغير شيء، لكنه رغم فقد الأمل مراراً، إلا أنه استعاده مراراً كذلك، إلا هذه المرة، قال بصوت مرتعش “لا يمكنني التقديم مرة أخرى، إنه يقتلني” بقلب منكسر.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة