بقلم ريتشارد سيلفرستين
ترجمة وتحرير مريم الحمد
يمكن القول أن إسرائيل قد دخلت في فوضى فعلية خلال نهاية الأسبوع الماضي، بعد أن ألقى وزير الدفاع الإسرائيلي يولاي غالانت خطاباً تلفزيونياً دراماتيكياً متوجهاً إلى المجتمع الإسرائيلي، يدعو فيه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى تعليق خطوات حكومته المتطرفة، مشيراً إلى أن الجيش كان في ثورة مفتوحة ضد الأجندة التشريعية الفاسدة على حد وصفه.
وتتمحور مقترحات الحكومة الإسرائيلية حول إلغاء حق المحكمة العليا في مراجعة تشريعات الكنيست، وتعيين قضاة المحاكم من قبل الجهة السياسية بدلاً من هيئة مستقلة، بالإضافة إلى إنهاء حق النائب العام في تحديد ما إذا كان رئيس الوزراء لائقاً بالمنصب، وهنا نقصد نتنياهو الذي سيدان بأنه غير لائق بعد إدانته بتهم الفساد التي يواجهها وينفيها حتى الآن، كما ترمي الحكومة من خلال تلك الأجندة إلى إعطاء الحق لنفسها بتجاهل قرار أي للمدعي العام يرى أن التشريع ينتهك قوانين الدولة الأساسية.
قائمة من المقترحات أو التعديلات تمت صياغتها من قبل “منتدى سياسة كوهيليت“، وهو مركز أبحاث ليبرالي متطرف، قام أيضاً بصياغة الخطب والمقالات الافتتاحية لوزراء وأعضاء كنيست من أجل امتلاك الحجة للدفاع عنها عند الحاجة، ويموله اثنان من اليهود الأمريكيين، آرثر دانتشيك وجيفري ياس، أحد أكبر ممولي الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة.
إذا فقد نتنياهو محاميه فإن ذلك سوف يعرضه لخطر سياسي، فالإدانة القضائية سوف تجبره على ترك منصبه!
في خطابه التلفزيوني ، حث غالانت نتنياهو على تعليق خطواته والدخول في مفاوضات مع المعارضة للترتيب لتسوية سياسية، ولم تمر 24 ساعة حتى انضم نتنياهو إلى أكثر وزرائه ضراوة، إيتمار بن غفير، الذي غرد بأنه يجب إقالة غالانت، فلم يكذب نتنياهو خبراً وأقاله بالفعل.
رد شعبي غاضب
هذه المرة كان رد الفعل الشعبي فورياً، ففي المظاهرات سابقاً، كان المتظاهرون يتجمعون في الشوارع العامة والساحات الرئيسية خاصة في تل أبيب، أما هذه المرة، فقد خرج أكثر من 100 ألف إسرائيلي في مواجهة مباشرة مع الشرطة، كما تجمع آلاف آخرون عند مقر إقامة نتنياهو في القدس وحاولوا كسر الحواجز الحديدية حول المبنى، صاحب كل هذه الفوضى إشعال النيران وإغلاق للطرقات وإضراب للجامعات، كل ذلك احتجاج على خطة حاكها نتنياهو الذي صرح محاميه أنه إن لم يتوقف عن الخطة فسيتوقف عن تمثيله!
ضربة المحامي كانت هي الأقسى على نتنياهو، فهمه الوحيد هو البقاء في السلطة اليوم، فإذا فقد محاميه فإن ذلك سوف يعرضه لخطر سياسي، لأن الإدانة القضائية سوف تجبره على ترك منصبه، وهنا المعادلة الصعبة بالنسبة له، عليه أن يبقى في السلطة من أجل حماية نفسه من السجن!
وفي الشارع الإسرائيلي، حذر زعيم النقابة العمالية من أن نقابته تخطط لعمل إضراب عام مهدداً “هذا بلد المواطنين، ليس ملكاً لمنتدى كوهيليت”.
الرضوخ للضغوطات
بصفته وزير الدفاع الحالي، كان غالانت على علم بآراء الضباط السائدة في جيشه، فقد أخبره رئيس الأركان أن الضباط كانوا في تمرد شبه مفتوح بسبب أجندة الحكومة الائتلافية، كما وقع المئات على بيانات عامة يرفضون فيها الخدمة في الاحتياط، والبعض حتى في الخدمة الفعلية، فكانت هذه الأجواء الداخلية في الجيش عاملاً حاسماً في توجهات غالانت الذي رأى أن سياسات نتنياهو تضعف الجيش وبالتالي الدولة بطبيعة الحال.
لقد تحول غالانت عبر إقالته إلى بطل قومي لملايين الإسرائيليين الذين يعارضون الحكومة الحالية، فنتنياهو بهذه الإقالة لم يخلق منافساً قوياً له فقط، بل قدم له بالإقالة منبراً ضخماً وحوله لصاحب رؤية سياسية في نظر الشارع الغاضب، فمما لا شك فيه أن غالانت سيصبح الآن لاعباً رئيسياً في المرحلة القادمة.
نتنياهو معروف بأنه لاعب سياسي حذر، يفضل التعرج وتجنب الرياح بدلاً من الاصطدام المباشربها، ويتكيف مع التيارات السياسية، وبإقالة غالانت، فقد ألقى نتنياهو قنبلة أخرى، حيث ذكرت صحيفة هآرتس أنه يعتزم الإعلان عن تعليق الخطوات التشريعية في غضون أيام.
بعد موقف غالانت، أعرب أعضاء آخرون من حزب الليكود عن دعمهم له، من بينهم السفير الإسرائيلي السابق في الولايات المتحدة، رون ديرمر، والذي كان ربما أقرب مستشار لرئيس الوزراء نتنياهو وكان يدعى “دماغ بيبي”، مما يدلل على أن نتنياهو لا بد أن ينحني لما لا مفر منه، إما سقوط الحكومة أو الانصياع لضغوطات المحتجين.
أما على الضفة الأخرى، فقد حث وزير المستوطنات، بتسلئيل سموتريتش، نتنياهو على الصمود، خوفاً من ما اعتبره “الفوضى والعنف”، ولكن يبدو أنه لم يشاهد التلفاز ولم يخرج إلى الشوارع ليرى ما يحصل حقاً، كما هدد عضو الكنيست، ياريف ليفين، مهندس الحزمة التشريعية للحكومة، بالإستقالة إذا تم التراجع عن الخطوات، وهو يعلم أنه من الصعب على نتنياهو خسارة شخصية رئيسية مثل ليفين.
ملخص القول، أن انسحاب نتنياهو يمكن أن وصفه بـ التكتيكي، فهو يعلم أن الانسحاب الاستراتيجي يمكن أن يخدع خصومه من خلال جعلهم يعتقدون أنهم قد ربحوا المعركة، فمن خلال تهدئتهم بشعور النصر الزائف، يحتفظ نتنياهو بإمكانية شن هجوم مضاد حاد، فالتراجع عن التعديلات ما هو إلا الفصل الأول من قصة فيها الكثير من الدراما بعد!
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)