لم يكن لدى خالد أحمد أدنى فكرة عن أن زيارته الروتينية إلى إدارة الهجرة في اسطنبول لتحديث بيانات عنوان مسكنه في تركيا ستصل إلى ما وصلت إليه.
فهناك، وقعت مشادة كلامية بينه وبين أحد الموظفين الحكوميين انتهت إلى تكبيل يديه واعتقاله ونقله إلى سجنٍ في مدينة كيليس جنوب تركيا ليمضي قرابة الشهر رهن الاعتقال.
ويزعم خالد البالغ من العمر 53 عامًا أنه تعرض خلال سجنه “للضرب على وجهه ورجليه من قبل شرطي تركي شاب”، مشيراً إلى أنه أُجبر على التوقيع على وثيقة بالموافقة على عودته “الطوعية” إلى شمال غرب سوريا.
ويقيم أحمد الآن في منزل أحد أصدقائه في مدينة أعزاز السورية، على بعد حوالي 10 كيلومترات من الحدود التركية، ويقول إنه يخشى أن لا يتمكن من رؤية زوجته وأطفاله مرة أخرى.
وتابع:” أعمل وأقيم في اسطنبول منذ ثماني سنوات، ويذهب أطفالي إلى المدارس فيها، ولدينا جميع الأوراق الرسمية للبقاء هناك، لكننا أصبحنا الآن موزعين ولا أعرف متى سنلتقي مرة أخرى”.
وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فقد تم ترحيل أكثر من 950 سوريًا، بينهم نساء وأطفال، قسريًا من تركيا منذ بداية شهر تموز / يوليو.
بدأت حملة الترحيل العام الماضي لكنها اشتدت بعد فوز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الانتخابات الرئاسية في أيار / مايو الماضي.
ويشير طه الغازي وهو ناشط حقوقي إلى أن “الأحزاب السياسية توظف محنة اللاجئين السوريين لأجندتها الخاصة”.
وقد جرت الانتخابات في ظل تصاعد مقلق لكراهية الأجانب والتمييز ضد اللاجئين السوريين، حيث وعد المرشحان بترحيلهم جماعياً.
فقد تعهد كمال كيليتشدار أوغلو، مرشح المعارضة البالغ من العمر 74 عامًا، مرارًا وتكرارًا بترحيل جميع اللاجئين السوريين من تركيا، فيما وعد أردوغان أيضًا بالإعادة “الطوعية” لنحو مليون سوري إلى شمال البلاد.
وفي حديثه يوم الخميس عقب عودته من جولة خليجية شملت ثلاث دول، قال أردوغان للصحفيين إن حكومته تخطو خطوات كبيرة في خطتها.
وأوضح أن حكومته تواصل “بناء المنازل المصنوعة من القوالب الحجرية شمال سوريا، وقد وصلنا الآن إلى ما بين 100 ألف و 150 ألف منزل.. وقد بدأ إخواننا اللاجئين السوريين بالعودة”.
كبش فداء
وعلى نحوٍ متزايدٍ، تحول اللاجئون السوريون إلى كبش الفداء للأزمة الاقتصادية وتراجع القدرة الشرائية للأتراك بسبب ارتفاع معدلات التضخم المصحوب بالانخفاض السريع في قيمة صرف الليرة التركية.
وينظر إلى اللاجئين على أنهم يستنزفون موارد البلاد وألقي باللوم عليهم في قضايا تتراوح من التحرش الجنسي إلى النهب في أعقاب الزلزال المدمر الذي وقع في شباط / فبراير.
وقال طه الغازي، المحلل السياسي والناشط الحقوقي، إن الإجراءات العقابية التي اتخذتها أنقرة محبطة، ولكنها ليست مفاجئة.
وأوضح أن أردوغان أراد طرد أكبر عدد ممكن من السوريين قبل الانتخابات البلدية العام المقبل، وهو يعلم أن الأتراك يريدون إعادة اللاجئين.
ووفقًا للأمم المتحدة، فإن تركيا تستضيف نحو أربعة ملايين لاجئ، بينهم 3.6 مليون نزحوا قسرًا من سوريا.
وبحسب السجلات، فإن أكثر من 500 ألف سوري مسجلون حاليًا كمقيمين في إسطنبول، في حين استقبلت مدن الجنوب مثل غازي عنتاب وشانلي أورفا وهاتاي مئات الآلاف من اللاجئين.
وتأتي عمليات الترحيل الأخيرة وسط جهود في جميع أنحاء الشرق الأوسط لإعادة العلاقات الدبلوماسية مع دمشق إلى ما كانت عليه قبل عام 2011.
الإهانة والضرب
وذكر عبد الرحمن عيسى، البالغ من العمر 28 عامًا أنه رُحِّل إلى شمال سوريا هذا الشهر على الرغم من حصوله على تصريح إقامة تركي ساري المفعول.
وأوضح:” تعرضت للإهانة والضرب، أمسك شرطي بيدي ووضع بصمات أصابعي عنوةً على وثيقة الموافقة على الترحيل الطوعي.
وأضاف “زوجتي وابنتي تعيشان حاليا في هاتاي دون أي مصدر دخل، وأنا أعيش في الرقة وهي ليست مدينتي، أنا من حلب، لماذا ترسلوني إلى الرقة؟”
وقال متحدث باسم هيومن رايتس ووتش أن المنظمة تلقت “معلومات موثوقة حول الترحيل الجماعي لسوريين من مخيم البيلي في كيليس إلى سوريا خلال عطلة العيد في حزيران / يونيو.
لكن المنظمة، وفقاً للمتحدث، “لم تقم بإجراء تحقيق جديد في هذه المرحلة”.
وبين أحمد ياسين، البالغ من العمر 24 عامًا، أن دوريةً للشرطة داهمت منزله في أنقرة عند الساعة 4 صباحًا في كانون الأول / ديسمبر، حيث قام عناصر الدورية بمجرد فتحه الباب لهم بنقله مع زوجته إلى مركز للشرطة، ثم إلى سجن أنقرة.
وأضاف ياسين:” في وقت لاحق طلب منا شرطي التوقيع على ورقة قيل لنا أنها للاحتفاظ بأمتعتنا في صندوق الأمانات، لكن زوجتي التي تستطيع قراءة اللغة التركية علمت أنها وثيقة إقرار بالترحيل”.
وعندما رفض الرجل التوقيع على الورقة، قال إنه تعرض للضرب لإخضاعه للطلب، مضيفاً:” أنا أعيش حاليًا في حلب، الوضع هنا ليس آمنًا، وليس لدي وظيفة، لقد دمرت حياتي كلها”.
ومنذ بداية العام، وثق المرصد السوري لحقوق الإنسان ما لا يقل عن 11 حالة وفاة و 20 إصابة على أيدي حرس الحدود الأتراك عند الحدود السورية التركية.
وذكرت وسائل إعلام محلية، السبت، أن سوريين نصبوا خيامًا للاعتصام إلى أجل غير مسمى شمال شرق البلاد، “بهدف إجبار السلطات التركية على السماح لمرضى السرطان بالدخول لتلقي العلاج الطبي الأساسي”.
وتم إطلاق الحملة بعد أن بدأت السلطات التركية في رفض دخول مرضى السرطان في شباط / فبراير، مما أدى إلى وفاة أعدادٍ من المرضى.