بعد الانتخابات البريطانية… لماذا لم يعد من الممكن تجاهل الناخبين  المسلمين من البريطانيين ؟

بقلم خديجة الشيال

ترجمة وتحرير مريم الحمد

عقب الانتخابات البرلمانية البريطانية الأخيرة، كثر الحديث في الأوساط الإسلامية في بريطانيا حول أهمية الدور الذي لعبه التصويت ككتل إسلامية لصالح 5 نواب مستقلين بسبب تأييدهم لفلسطين.

كان الزخم في الفترة التي سبقت الانتخابات واضحاً خاصة مع حشد الحملات المحلية لدعم المرشحين المستقلين، فقد كان ترشيحهم محاولة لتعطيل الاحتكار الحاصل للحزبين السياسيين الرئيسيين، وإرسال رسالة قوية للحزبين بسبب تواطئهما في الإبادة الجماعية المستمرة في غزة. 

من الدروس القيمة أن يدرك المسلمون البريطانيون، مثلاً، أن مجتمعاتهم ليست بحاجة لإذن من المؤسسة للمشاركة في السياسة، فالمسلمون ليسوا بحاجة لأن يقال لهم متى وكيف يمكنهم أن يرفعوا أصواتهم في الفضاء العام، ولا ينبغي لهم أن يعتذروا عن رغبتهم في التعامل بذكاء مع نظام انتخابي يميل يضر بأصوات الأقليات

على أية حال، ليست مبادرات التصويت لدى الكتلة الإسلامية فكرة جديدة، فقد كانت هناك العديد من تلك التجارب على مر السنين، وذلك بهدف تسخير قوة الصوت الجماعي للتعامل مع نظام انتخابي مصمم لاستبعاد المعارضة والحفاظ على الوضع السياسي الراهن. 

لقد شهدت هذه الانتخابات موجة حقيقية من المعارضة الثابتة لأي مرشح من حزب المحافظين أو حزب العمل، من خلال تصميم الناشطين على تعطيل نظام الحزبين حتى أنه عندما ضم ائتلاف “صوت المسلمين” حفنة من أعضاء البرلمان من حزب العمال إلى قائمة المرشحين المؤيدين، كان ذلك سبباً في إثارة السخط الذي أدى إلى إعادة النظر في ذلك وسحبه بسرعة. 

إذا توقعنا عند تحليل ما بعد الانتخابات، فهناك سؤال كبير يجب على المسلمين البريطانيين التعامل معه وهو، ماذا بعد؟ وفي إجابة ذلك توقف عند أمرين رئيسيين.

أسئلة أكثر عمقاً

السؤال الأول يتعلق بالخطاب السائد حول التوقعات المتعلقة بالفاعلية السياسية الإسلامية، فقد حاولت كل من وسائل الإعلام والمؤسسة السياسية تصوير الحملات المستقلة عامة والناخبين المسلمين خاصة على أنها طائفية وهمجية. 

لقد تم وصفها ليس فقط بأنها “غير لائقة”، بل وصل الأمر لحد وصفها بأنها “تهديد للديمقراطية” في البلاد، وهذا خطاب يتردد صداه في الأوساط الإعلامية والسياسية في سياق أشبه بقضية حصان طروادة التي تتبادر إلى الذهن على الفور.

هنا، أعتقد أنه ينبغي للمعلقين في وسائل الإعلام أن يطرحوا على أنفسهم سؤالاً أكثر عمقاً، فما هي القيمة في دولة ديمقراطية تدعي الذعر عند رؤية ناخبين مسلمين ينظمون أنفسهم للانخراط في القضايا المجتمعية وتمكين قوتهم التصويتية في نظام مصمم لإضعافهم؟!

هناك قضية أكبر على المحك هنا، فمن الذي سيقرر المعايير المناسبة في الساحة السياسية البريطانية؟ في ظل أقليات ومهمشين يعيشون في ظل شعور دائم بالحرمان والإحباط إزاء السياسات التي تؤذيهم أولاً وقبل كل شيء. 

في ظل ذلك، لماذا إذن تتفاجأ المؤسسات السياسية عندما تستخدم المجتمعات التي تم تجاهل نضالاتها معرفتها السياسية لخلق مساحة يمكن من خلالها سماع صوتها في النظام؟!

من أهم ما كشفته هذه الانتخابات، هو أن الحركات المحلية والشعبية التي اكتسبت زخماً خلال الشهر الماضي لا تحتاج إلى انتظار نافذة تسمح لها من خلالها المؤسسة الحاكمة بأن تكون سياسية، ثم تتراجع مرة أخرى وتحرم الشعب من حقوقه لمدة 5 سنوات مقبلة

الحقيقة هي أن المعايير المقبولة للسلوك العام الإسلامي يتم تحديدها بطرق مختلفة من قبل الدولة، فهي التي تقرر ما هي منظمات المجتمع المدني المنبوذة، وما هي أشكال الاحتجاج المقبولة وغير المقبولة، وما هي المصطلحات الدينية والمرجعيات الثقافية المتطرفة وأيها غير مقبولة.

من هنا، يصبح انتقاد الكتلة الانتخابية الإسلامية متوافقاً مع مبدأ مراقبة التعبير العام التي يتعرضون له وسط نخبة سياسية تريد الحفاظ على تفوقها وامتيازها بشكل مستمر!

مهمة كبيرة

السؤال الثاني هو، كيف هو التصور نحو الجماعات التي تدافع عن العدالة وتقف ضد عدم المساواة السياسة؟ فبالنسبة للأعضاء المستقلين المنتخبين مؤخراً، مثل جيريمي كوربين الذي عاد إلى البرلمان كمستقل، فمن المؤكد أنهم قادرون على الانتقاد بقوة داخل قاعة برلمانية تؤثر فيها الخطوط الحزبية بشكل كبير على النقاش وصنع القرار.

لاشك أن المجموعات التي بذلت جهداً في الحملات الانتخابية من أجل هؤلاء المستقلين سوف تكون مبتهجة برؤية الدور الذي لعبه وعي الناخبين في الإطاحة بحفنة من أعضاء البرلمان من حزب العمال، فتلك الإنجازات الدراماتيكية تؤكد على إمكانية تكرار حملات شعبية محلية مماثلة في المستقبل.

أصبح هناك مجلس عموم، كما يطلق على البرلمان في بريطانيا، يتمتع بأغلبية ساحقة لحزب العمال، وعندما يجلس النواب في المجلس لتمرير التشريعات، فإن الأغلبية الانتخابية الكبيرة أو الصغيرة لن تكون ذات أهمية، لكن البناء على نتائجهم يعني قدرتهم على الترشح مرة أخرى في الانتخابات المستقبلية، وتلك الخطوة التالية ما لم يتم إحداث تغيير ما من خلال النظام الانتخابي. 

لا شك أن قِلة من أعضاء البرلمان المستقلين، الذين يتحدثون بصراحة، سوف يشكلون شوكة سياسية، وذلك مرضٍ وكافٍ حتى الآن لمن انتخبهم، رغم أن نظام التصويت يقوم على أن الفائز يحصل على كل شيء، حيث يحصل حزب واحد فقط على 33% من الأصوات بنسبة مذهلة تبلغ 63% من المقاعد، مما يجعل مهمة تحقيق تغيير هيكلي جوهري من خلال صناديق الاقتراع وحدها مهمة هائلة وليست سهلة.

لا حاجة للحصول على إذن

رغم كل الثقافة السياسية والتنظيم الجماعي الذي شهدته هذه الانتخابات، إلا أن على الناشطين المسلمين دور مهم في البناء على المكاسب الانتخابية.

من الدروس القيمة أن يدرك المسلمون البريطانيون، مثلاً، أن مجتمعاتهم ليست بحاجة لإذن من المؤسسة للمشاركة في السياسة، فالمسلمون ليسوا بحاجة لأن يقال لهم متى وكيف يمكنهم أن يرفعوا أصواتهم في الفضاء العام، ولا ينبغي لهم أن يعتذروا عن رغبتهم في التعامل بذكاء مع نظام انتخابي يميل يضر بأصوات الأقليات. 

إن الانصياع السياسي والهدوء ليسا شرطين أساسيين للنجاح، ففي نهاية المطاف، المجتمعات يعني الناس أولاً قبل أن يكونوا “ناخبين”.

على مدى الأشهر القليلة الماضية، رأينا الطلاب يتحدون ويعطلون معايير الكياسة المفروضة في حرمهم الجامعي، وذلك من خلال مطالبة مدراء الجامعات بالتخلي عن مصالحهم في إسرائيل.

من أهم ما كشفته هذه الانتخابات، هو أن الحركات المحلية والشعبية التي اكتسبت زخماً خلال الشهر الماضي لا تحتاج إلى انتظار نافذة تسمح لها من خلالها المؤسسة الحاكمة بأن تكون سياسية، ثم تتراجع مرة أخرى وتحرم الشعب من حقوقه لمدة 5 سنوات مقبلة.

ينبغي لهؤلاء الناشطين إيجاد طرق إبداعية في الحياة اليومية للتعاون مع الآخرين ذوي التفكير المماثل، مقابل استجواب ومحاسبة أولئك الذين هم في السلطة، وزيادة الوعي بشكل مستمر وتنظيم الحملات لذلك.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة