بعد انهيار صناعته في سوريا.. كيف يُغذّي الكبتاغون الحرب في السودان؟

بقلم دانيال هيلتون ومحمد أمين 

ترجمة وتحرير موقع بالعربية 

في عمق منطقة صناعية قاحلة على الضفة الشرقية لنهر النيل، تنتصب ثلاثة مبانٍ غير مكتملة الإنشاء محاطة بحقل من الألغام، وطالما كانت التحذيرات من قوات الدعم السريع شبه العسكرية واضحة لسكان المنطقة بالابتعاد عن هذا المجمع المحاط بالأسوار. 

لم يكن السبب من وراء ذلك ليخفى على من يلقى نظرةً إلى داخل المجمع، فهناك معدات ومواد كيميائية تقول السلطات السودانية إنها استُخدمت لإنتاج نحو ألف حبة من مخدر الكبتاغون في الساعة الواحدة.

هذا المخدر رخيص الثمن وسريع الإدمان، والذي يعزز التركيز، ويزيد من قدرة التحمل الجسدي ويمنح شعورًا بالنشوة، أصبح شائعًا بين المقاتلين وروّاد الحفلات في الشرق الأوسط خلال العقد الماضي، وأصبح كذلك أرقًا دائمًا للحكومات العربية.

وتشير مصادر أمنية إلى أن قوات الدعم السريع توزّع الكبتاغون على مقاتليها لتعزيز اليقظة وكبح الجوع، بينما تبيعه للمدنيين كمصدر دخل.

وحتى كانون الأول/ديسمبر الماضي، كانت سوريا المركز الرئيسي لإنتاج وتصدير الكبتاغون، لكن سقوط نظام بشار الأسد، الذي كان طرفًا فاعلًا في هذه الصناعة، أدى إلى الكشف عن مختبرات التهريب وإغلاقها.

السودان.. بديل جديد للسوق السوري

وعلى الرغم من تراجع إنتاج الكبتاغون مع نهاية الحرب في سوريا، إلا أن صراعًا آخر على بُعد ألفي كيلومتر جنوب شرق دمشق أتاح فرصًا جديدة.

ففي وقت سابق من هذا العام، نجحت القوات المسلحة السودانية، التي تخوض صراعًا مفتوحًا مع قوات الدعم السريع منذ أبريل/نيسان 2023، في طرد المقاتلين من العاصمة الخرطوم ومحيطها.

ومن بين المناطق التي استعادت السيطرة عليها، منشأة قرب مصفاة الجيلي شمال الخرطوم بحري، حيث تم في فبراير/شباط اكتشاف مصنع كبتاغون ضخم.

معدات تصنيع وعلامات سورية

ويقول اللواء جلال الدين حمزة من شرطة مكافحة المخدرات لموقع ميدل إيست آي، إنهم وجدوا داخل المنشأة خمس آلات، بينها مكبس أقراص وخلاط صناعي، كانا في طور التشغيل عند مغادرة القائمين على المصنع. 

وأشار إلى وجود بقايا مسحوق أبيض على أجزاء من المكبس، إضافة إلى العثور على حبوب داخل الجهاز كانت تحمل شعار “الهلالين المتداخلين”، وهو الرمز غير الرسمي لمصانع الكبتاغون غير القانونية.

وفي داخل المنشأة كانت هناك ثلاث آلات أخرى لا تزال مغلّفة بصناديق خشبية لم تُستخدم بعد، وأظهرت ملصقات شحن على أحد الصناديق أن المعدات تم توريدها عبر شركة “Amass Middle East Shipping Services” ومقرها دبي، غير أن محاولة تتبع الشحنة عبر موقع الشركة باءت بالفشل.

صلات إماراتية محتملة

وتُعدّ دبي ميناءً رئيسيًا للشحن على البحر الأحمر، وتربط قوات الدعم السريع علاقات وثيقة بالإمارات، التي تنفي دعمها لهذه القوات بالسلاح أو العتاد، رغم تزايد الأدلة على دخول أسلحة إماراتية إلى السودان.

وشارك ميدل إيست آي صورًا للمعدات مع الباحثة كارولين روز، خبيرة الكبتاغون في معهد نيو لاينز بواشنطن، التي أكدت أن الأجهزة مشابهة تمامًا لتلك التي عُثر عليها في معامل سورية خلال العام الماضي.

وفي غرفة خرسانية مظلمة داخل المجمع، عُثر على مئات الأكياس من مسحوق أبيض وُضعت في عبوات كُتب عليها أنها مكملات غذائية بيطرية أو أملاح للحيوانات، جميعها من إنتاج سوري، وتحمل عبارة “غير صالحة للاستهلاك البشري”.

وقد وضعت على الأكياس أسماء تجارية مثل “PropioTech” و”Technomix Plus”، وهي منتجات لم يُعثر على أي سجل تجاري رسمي لها، أما الشركة الموزعة المدرجة  “Hi Pharm” فلا تظهر في السجلات السورية، ويبدو أن عنوانها البريدي قرب “مركز البحوث العلمية” في حي البرزة بدمشق.

وبينما تقول الشرطة السودانية إنها تحقق في إمكانية استخدام هذه المواد كمكونات للكبتاغون، تشير تحليلات ميدل إيست آي إلى أن الفيتامينات والمعادن المدرجة على العبوات لا تُستخدم في صناعة الفينيثايلين، المادة الفعالة فيه.

غير أن الباحثة روز ترى رغم ذلك أن المسحوق قد يكون مادة أولية جافة لصنع الكبتاغون، مموهة في شكل مكملات بيطرية، وقالت: “قد يكونوا ببساطة قد وضعوا المواد الأولية في هذه الأكياس، وإذا تم تحويلها إلى أقراص لاحقًا فلا بأس”.

“ظل مستيقظًا ليومين”

وقد قيل أن أحد أفراد القوات الأمنية السودانية خلط ملعقتين من هذا المسحوق في كوب ماء وشربه، وبقي مستيقظًا لمدة يومين كاملين، في حين قال مصدر عسكري أن العنصر الأمني: “كان يقفز طوال اليوم والليلة دون توقف”.

هل يستهدف الكبتاغون السوداني الخليج؟

ويقول اللواء حمزة إن تعاطي الكبتاغون لم يكن شائعًا في السودان قبل اندلاع الحرب، لكنه “ازداد بشكل كبير بعدها”.

وتم كشف أول معمل للكبتاغون في السودان عام 2015 بجبل أولياء جنوب الخرطوم، بطاقة إنتاجية فاقت 5,000 قرص في الساعة، وبعده بسنوات، وقبيل اندلاع الحرب بثلاثة أشهر فقط، اكتُشف مصنع أكبر في ولاية النيل الأزرق.

لكن مصنع الجيلي يُعدّ الأضخم الذي يتم الكشف عنه منذ اندلاع الحرب في أبريل/نيسان 2023، وقد سُبق باكتشاف مصنع آخر شمال الخرطوم قبل ستة أشهر.

وأثار ثقب ضخم محفور في أرضية المجمع حيرة المحققين، حيث تظهر صور الأقمار الصناعية أن الحفرة لم تكن موجودة يوم 14 نيسان/أبريل 2023، أي قبل اندلاع الحرب بيوم واحد، ويشتبه المحققون في أن الهدف من الحفرة كان تخزين آلاف الحبوب.

وعندما سُئل اللواء حمزة عمّا إذا كانت هذه الحبوب تُصنَّع للتصدير، امتنع عن التعليق، مشيرًا إلى حساسية التحقيقات الجارية.

صناعة تبحث عن بديل لسوريا

ومع انهيار سوق الكبتاغون في سوريا وتدمير أكثر من 200 مليون حبة، تبحث الشبكات عن بديل في حين يبقى الخليج العربي، على الضفة الأخرى من البحر الأحمر، سوقًا مربحًا.

وقد أشار تقرير حديث لمعهد نيو لاينز إلى أن إغلاق المعامل في سوريا لم يترافق مع اعتقال المنتجين أو الموزعين، ما يُبقي المعرفة التقنية حاضرة وقابلة للنقل.

وتقول روز إن معامل الكبتاغون تُكتشف في السودان سنويًا منذ 2022، بينما لا تظهر مختبرات مماثلة في الدول المجاورة، مما يثير الشكوك حول احتمال وجود شبكة سورية أوسع ترتبط بنظام الأسد أو شبكات إجرامية محلية في سوريا.

مقالات ذات صلة