هذه هي المرة الأولى التي يكون فيها للسلطة الفلسطينية نائب رئيس بعدما عُيّن حسين الشيخ في هذا المنصب يوم السبت وهو الحليف الوثيق لرئيس السلطة محمود عباس الذي لطالما أرجأ اختيار نائب له.
وقد رأى قصي حامد، الخبير في السياسة الفلسطينية والأكاديمي في جامعة القدس المفتوحة في رام الله أن “هناك سببين على الأقل لهذا الاختيار، فقد كان يعلم أنه بمجرد إعلانه عن نائب للرئيس، سيفقد سلطته ونفوذه تدريجيًا، كما أنه لم يُرِد التسبب في صراع داخلي بين قادة فتح”.
وعلى الرغم من تردد عباس في اتخاذ هذا القرار، إلا أن المطالب الأخيرة من الداعمين الدوليين، وخاصة القادة العرب، أجبرت عباس على اختيار نائب له رسميًا.
ومع أن الأمر لم يزل غير محسوم، إلا أن صعود الشيخ يجعله الآن المرشح الأوفر حظًا لخلافة الرئيس المسن، الذي سيبلغ التسعين من عمره في نوفمبر/تشرين الثاني.
خلفية حسين الشيخ
وُلد الشيخ عام 1960 في مدينة رام الله بالضفة الغربية، التي كانت آنذاك تحت الإدارة الأردنية، وكان في السادسة من عمره خلال نكسة 1967، التي وقعت الضفة الغربية وغزة ومرتفعات الجولان السورية وسيناء المصرية فيها تحت الاحتلال في انتهاك للقانون الدولي.
وبعد عقد من ذلك، انضم حسين الشيخ إلى النضال ضد الاحتلال، فاتُهم عام 1978 بالانتماء إلى خلية نفذت في هجمات ضد الاحتلال وتم أسره لمدة 11 عاماً رغم نفيه الضلوع في أعمال المقاومة المسلحة.
وقد علق عبد أبو شحادة، المحلل السياسي الفلسطيني المقيم في يافا على هذا الأمر قائلاً لموقع ميدل إيست آي: “حسين الشيخ زعم أنه لم يشارك قط في أي هجمات، لكنه اعتقل بسبب دوره القيادي”.
وتتذرع سلطات الاحتلال بفقدانها لسجلات محاكمة الشيخ، وهو أمرٌ ينفيه أبو شحادة قائلاً: “الاحتلال لا يفقد شيئًا”.
وخلال سنوات اعتقاله، قرأ الشيخ الكتب والصحف ليحيط بالمعرفة عن شؤون الاحتلال، كما تعلم العبرية من سجانيه، وبدأ بتعليمها لأسرى فلسطينيين آخرين، وقد أصبحت هذه المهارات اللغوية مفيدة له بشكل خاص في العقود اللاحقة.
بعد إطلاق سراحه، انخرط الشيخ في القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة، وهي تحالف من مجموعات لعبت دورًا تنظيميًا خلال الانتفاضة الأولى بين ديسمبر/كانون الأول 1987 وسبتمبر/أيلول 1993.
كيف صعد حسين الشيخ إلى السلطة؟
وخلال تسعينات القرن الماضي، وبعد توقيع اتفاقيات أوسلو، مُنح الفلسطينيون درجة من الاستقلال الذاتي لإدارة شؤون محددة في الضفة الغربية وغزة عبر السلطة الفلسطينية.
وانضم الشيخ إلى صفوف حركة فتح، التي هيمنت على الإدارة شبه المستقلة، فخدم في البداية برتبة عقيد في جهاز الأمن الوقائي منذ عام 1994، حيث شمل دوره اجتثاث خصوم السلطة السياسيين مثل حماس.
وظف الشيخ مهاراته في اللغة العبرية في جهاز الأمن، حيث بنى من خلالها علاقات مع مسؤولين في دولة الاحتلال وعمل مترجمًا خلال الاجتماعات.
ومع مطلع القرن الحالي، أصبح الشيخ سكرتيرًا لحركة فتح في الضفة الغربية، وبرز في الحركة بعد وفاة ياسر عرفات عام 2004 وخلافة عباس رئيسًا للسلطة الفلسطينية.
ومنذ عام 2009، أصبح الشيخ عضوًا في اللجنة المركزية لحركة فتح، وشغل منصب المتحدث الرسمي باسم الحركة منذ عام 2016، لكن منصب مسؤول الشؤون المدنية في الضفة الغربية، الذي شغله منذ عام 2007 كان الأكثر إثارة للجدل.
فقد منحه هذا المنصب مسؤولية إصدار تصاريح السفر للفلسطينيين الذين يدخلون للعمل أو لتلقي الرعاية الطبية داخل دولة الاحتلال، غير أن مكتبه أصبح منذ فترة طويلة محط اتهام من قبل الفلسطينيين بالفساد، بما في ذلك قبول امتيازات أو دفعات مقابل تصاريح السفر، وإن كان الشيخ ظل ينفي أي تورط له في الفساد.
أدى قرب الشيخ من سلطات الاحتلال إلى اتهامات أخرى وجهت له، وكذلك للسلطة الفلسطينية على نطاق أوسع، بالعمل كوكلاء مستترين للاحتلال، ونظراً لدوره هذا فقد ارتبط اسمه بحملة القمع الهادئة التي شنها عباس ضد معارضي سلطته في الضفة الغربية.
كما استهدفت قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية أنشطة المقاومة، بما في ذلك حصار مدينة جنين في وقت سابق من هذا العام، حيث قال حامد: “هناك مخاوف من أن يواصل الشيخ قمع أي جهود ثورية، أيًا كان شكلها”.
وعلى الرغم من عدم شعبية السلطة الفلسطينية، فقد استغل الشيخ دوره داخل الإدارة لبناء نفوذ. قال أبو شحادة: “عندما تتحدث عن السلطة الفلسطينية، فأنت تتحدث عن 100 ألف موظف، معلمين وضباط شرطة وقوات أمن، وهؤلاء أناس لديهم عائلات ويجب عليهم العمل”.
هل يمكن لحسين الشيخ أن يخلف عباس؟
خلال مسيرته المهنية، عُرف الشيخ بالمهنية في إدارته، فلم يتعرض في البداية لانتقادات مباشرة من منافسيه السياسيين، حيث يقول أبو شحادة: “يُنظر إلى الشيخ على أنه بيروقراطي رمادي، ولا يُنظر إليه على أنه شخص يُشكل تهديدًا”.
غير أن الشيخ ناور من وراء الكواليس ليصبح الذراع الأيمن لعباس، حيث يقول أبو شحادة، أنه استخدم “أبو مازن”، كنية عباس لتحقيق ذلك.
وأوضح ما يعنيه قائلاً: “إنه مكيافيلي، كل من اختلف مع أبو مازن طُرد، وبقي الشيخ إلى جانبه في كل شيء، حتى عندما كان أبو مازن يحصل على نسبة 6% في استطلاعات الرأي”.
ومن بين كبار شخصيات فتح الذين اختلفوا مع عباس وقيادة الحركة على مر السنين مروان البرغوثي العضو السابق في القيادة العليا لحركة فتح، والأسير لدى الاحتلال منذ عام 2002، ومحمد دحلان، القيادي السابق في حركة فتح أيضًا، والذي نُفي إلى الإمارات عام 2011 ليصبح ذلك الحين مستشارًا مؤثرًا للرئيس الإماراتي.
يُنظر إلى كل من البرغوثي ودحلان على أنهما شخصيتان مرشحتان لخلافة عباس، ففي استطلاع رأي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في سبتمبر/أيلول 2024، تصدّر البرغوثي قائمة القادة الذين يُريدهم الفلسطينيون لخلافة عباس.
وقال 37% إنهم يريدون البرغوثي خليفةً، بينما أراد 30% زعيم حماس السابق يحيى السنوار، الذي اغتالته قوات الاحتلال في أكتوبر/تشرين الأول 2024، بعد شهر من الاستطلاع، في حين اختار 10% من المشاركين دحلان، واختار 5% مصطفى البرغوثي، زعيم المبادرة الوطنية الفلسطينية، ولم يكن الشيخ ضمن الخيارات المطروحة.
وقال حامد: “الشيخ ليس قائدًا شعبيًا، ولا قائدًا وطنيًا، مثل البرغوثي أو دحلان، إنه لا يحظى بشعبية كبيرة بين الفلسطينيين، بل إن منصبه داخل السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية وعلاقته بالاحتلال هي ما منحه السلطة”.
أما أبو شحادة فرأى أنه من غير المرجح فوز الشيخ في أي انتخابات مستقبلية، وأضاف: “إذا قررت حركة فتح ترشيح البرغوثي كمرشح أسير، فلن تكون للشيخ أي فرصة، ولا حتى ضد دحلان”.
ولم تُجرِ السلطة الفلسطينية انتخابات منذ عام 2006، ورغم توفر إجماع واسع بين الفصائل الفلسطينية على إجراء الانتخابات في عام 2021، الإ أن عباس تراجع في النهاية متذرعاً بقيود الاحتلال على التصويت في القدس الشرقية كمبرر لإلغاء إجراء الانتخابات بعدما تم الإعلان عنها وتحديد موعدها.
من هم المنافسون السياسيون الآخرون لحسين الشيخ؟
ويعتقد آخرون في صفوف فتح، والذين لم يُنفوا أو يُسجنوا، على عكس البرغوثي ودحلان، أنهم قادرون على خلافة عباس.
فقد قال حامد: “هناك العديد من القيادات داخل فتح ممن رغبوا في شغل منصب نائب الرئيس، مثل جبريل الرجوب، ومحمود العالول، وماجد فرج، وآخرين في فتح يرون أنفسهم أحق من حسين الشيخ بخلافة أبو مازن”.
والرجوب هو رئيس جهاز الأمن الوقائي السابق، ويرأس حاليًا الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم، أما العالول هو نائب رئيس أعلى هيئة لصنع القرار في فتح هي اللجنة المركزية، بينما يرأس فرج جهاز المخابرات في السلطة الفلسطينية.
موقف حماس
وقد ردّت حركة حماس، ببرود على ترقية حسين الشيخ لمنصب نائب رئيس السلطة الفلسطينية.
وقال القيادي في حماس باسم نعيم: “الشعب الفلسطيني ليس قطيعًا ليُفرض عليه قادة ذوو تاريخ مشكوك فيه، ربطوا حاضرهم ومستقبلهم بالاحتلال، الشرعية لا يملكها إلا الشعب الفلسطيني”.
وإذا كان الشيخ جادًا في ترشيح نفسه رئيسًا محتملًا، فعليه أن يبذل جهدًا كبيرًا لإقناع الفصائل بما في ذلك داخل حركته فتح بأن لديه أجندة سياسية جديدة للفلسطينيين.
وقال حامد: “ليس هناك أمل كبير في أن يُغير حياة الفلسطينيين، يُنظر إليه على أنه استمرار لسياسات أبو مازن”.
للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)