بقلم شون ماثيوز
ترجمة موقع بالعربية
إذا كان هناك مشهد يختزل دلالات تغوّل ضربة قطر الإسرائيلية التي استهدفت قادة حماس في الدوحة، فهو صورة رئيس الإمارات العربية المتحدة محمد بن زايد آل نهيان وهو يعانق نظيره تميم بن حمد آل ثاني أمير قطر في اليوم التالي مباشرة للهجوم.
فقد كان بن زايد أول زعيم يصل إلى الدوحة في استعراض تضامن ضد العدوان الإسرائيلي، في خطوة رمزية لافتة بالنظر إلى التنافس التاريخي الحاد بين الرؤيتين الإماراتية والقطرية للمنطقة.
ورغم أن البلدين أعادا رسميًا تطبيع علاقاتهما قبل سنوات، إلا أن عمق الخلاف لا يزال ملموسًا لكل من يتحدث مع مسؤولين أو مقربين من أيٍّ من الجانبين.
وقال مسؤول استخبارات أمريكي سابق لموقع “ميدل إيست آي” ملخصًا رد فعل بن زايد على الضربة الإسرائيلية:
«ربما كان نصفه منبهرًا بجرأة إسرائيل على تنفيذها، ونصفه الآخر مرتعبًا للغاية».
وقال المحلل عماد مقداد (Maksad) للموقع: «لقد خاطر الإماراتيون بعلاقاتهم من أجل إسرائيل بعد هجوم 7 أكتوبر [2023]، ووقفوا صراحة ضد حماس، وتمسّكوا بإسرائيل، ولم يحصدوا شيئًا مقابل ذلك».
“خط أحمر” مهدور
أثارت تصريحات يوسف العتيبة سفير الإمارات العربية المتحدة لدى الولايات المتحدة الأمريكية، التي حذر فيها مؤخرًا من تجاوز إسرائيل لـ«خط أحمر» إذا ضمت الضفة الغربية المحتلة، اهتمام الدبلوماسيين والمحللين.
فقد قال مقداد: «الفرضية الأساسية لـ اتفاقيات أبراهام من وجهة نظر الإماراتيين كانت منع ضم الضفة».
وفي 2021، عرضت أبوظبي علنًا توقيعها الاتفاقيات بوصفه خطوة لحماية حل الدولتين. وقال العتيبة حينها:
«السبب في توقيعها بتلك الطريقة وذلك التوقيت كان منع الضم».
لكن حين جدّ الجد، أوضحت الإمارات للجميع أنها لن تربط علاقاتها مع إسرائيل بملف الضم.
ففي سبتمبر/أيلول 2023، وقبل اندلاع الحرب في قطاع غزة، قال العتيبة إن «ضمًّا فعليًا» جارٍ في الضفة، وإن بلاده «لن تقف في الطريق».
وقال: «اتفاقنا كان مبنيًا على إطار زمني محدد، وهذا الإطار شارف على نهايته، وبالتالي لم تعد لدينا القدرة على التأثير على قرارات تقع خارجه».
موازنة بين الغضب والعلاقات
يرى الباحث عبد العزيز الغشّيان من منتدى الخليج الدولي أن المسألة باتت «تدور حول غزة»، موضحًا أن الإمارات تحاول التوفيق بين رغبتها في الحفاظ على علاقاتها مع إسرائيل والغضب من عدوانها المستمر.
وقال: «الأنظار كلها ستتجه للإمارات بوصفها مقياسًا لمدى ما يمكن أن تبلغه إسرائيل»، مشيرًا إلى أن قطر تدعو الآن إلى رد عربي جماعي على الضربة.
لكن أبوظبي لم تقدّم أي تفاصيل حول ما يمكن أن يترتب على ضم الضفة من عواقب.
فصل غزة عن الضفة
منذ 7 أكتوبر 2023، شكّلت الإمارات استثناءً بين الدول العربية؛ فعندما سُئل العتيبة في فبراير/شباط عن خطة دونالد ترامب المعروفة بـ«خطة ريفييرا غزة» التي اعتبرها كثيرون دعوة للتطهير العرقي، قال علنًا إن أبوظبي لا ترى «بديلًا» عنها.
وكشف موقع “ميدل إيست آي” سابقًا أن الإمارات ضغطت على واشنطن ضد خطة للجامعة العربية بشأن غزة، ومالت إلى دعم تهجير الفلسطينيين إلى مصر، وهو ما أضر بعلاقاتها مع القاهرة، رغم استمرار استثماراتها الكبرى هناك لدعم الاقتصاد المصري المتعثر.
وقال الغشّيان: «هناك فعليًا ملفان منفصلان في نظر الإمارات: واحد لغزة وآخر للضفة».
فالإمارات طالما نظرت إلى حماس كتهديد، لكنها لم تُخفِ احتقارها أيضًا لمنافسها العلماني حركة فتح في الضفة، وفضّلت القيادي المفصول محمد دحلان ليكون حليفها الفلسطيني الأبرز، إذ يعيش في أبوظبي ويعمل مبعوثًا لها في مناطق أخرى.
لا قطيعة متوقعة.. لكن توتر يتصاعد
ورغم التوتر، لا يتوقع المحللون أن تقطع الإمارات علاقاتها جذريًا مع إسرائيل، أو أن تدعم بقوة خطة الجامعة العربية لغزة ما بعد الحرب، والتي تدعو إلى تولي السلطة الفلسطينية إدارة القطاع مع الإبقاء على مساحة سياسية لحماس.
وقال الغشّيان: «هناك إجماع عربي، ليس مطابقًا تمامًا لما تريده الإمارات. لن تعارضه علنًا، لكنها تهيئ نفسها لتكون المخرّب المحتمل لهذا الإجماع، وهذه وظيفتها الرئيسية بالنسبة للولايات المتحدة وإسرائيل».
وفي مناطق أخرى كـ القرن الإفريقي، تواصل الإمارات تنسيقها الوثيق مع إسرائيل، إذ أفادت تقارير بأنها تضغط على أرض الصومال لقبول لاجئين فلسطينيين قسرًا مقابل اعتراف أمريكي بها.
وقال حسين إبيش من معهد دول الخليج العربية في واشنطن: «ربما يوجد خلاف داخلي بالإمارات حول القرن الإفريقي أكثر من الخلاف حول إسرائيل، فلا أحد داخل المؤسسة الحاكمة يعارض اتفاقيات أبراهام من حيث المبدأ».
قلق خليجي واسع
جاءت ضربة إسرائيل لقطر كذروة لحالة التمادي المتصاعدة التي أرّقت العواصم الخليجية السنية الثرية، المتحالفة بعمق مع واشنطن والتي سعت الأخيرة طويلاً لدمجها في محور واحد مع إسرائيل.
فقد قتلت إسرائيل أكثر من 64,700 فلسطيني في غزة منذ بدء الإبادة التي فجّرت موجات غضب عارمة في العالمين العربي والإسلامي، وطرحت حكومة بنيامين نتنياهو مؤخرًا خطة لضم الضفة المحتلة.
كما زاد قلق الخليج بعد هجوم إسرائيل غير المسبوق على إيران في يونيو/حزيران، ومواصلتها قصف لبنان وسوريا بلا رادع، واحتلالها مساحات من أراضي جيرانها وفرضها أين يمكن لجيش بشار الأسد الانتشار داخل بلده.
لكن الخليج ليس كتلة موحّدة؛ فبينما تنسّق السعودية وقطر وتركيا مواقفها بخصوص سوريا، لا تزال الإمارات تنظر بريبة إلى حكومة أحمد الشرع هناك.
مؤشرات توتر إماراتي إسرائيلي
مع اقتراب حرب الإبادة في غزة من عامها الثاني وتصاعد التوغلات العسكرية الإسرائيلية بدعم أمريكي، بدأت العلاقات مع الدول العربية تتصدّع.
فبحسب مسؤول أمريكي كبير، أوقفت مصر تعاونها الأمني مع إسرائيل. كما رفضت السعودية إبرام أي اتفاق تطبيع بوساطة أمريكية دون قيام دولة فلسطينية، وهاجم ولي العهد محمد بن سلمان علنًا إبادة إسرائيل في غزة.
ورغم أن إسرائيل اعتمدت طيلة الفترة الماضية على شراكتها المتينة مع الإمارات كأقرب حليف عربي، إلا أن مؤشرات التوتر باتت ظاهرة؛ إذ ألغت أبوظبي هذا الأسبوع مشاركة شركات إسرائيلية في معرض دبي للطيران المقرر في نوفمبر، كما حذّرت قبل ضربة الدوحة بأيام من أن ضم الضفة سيكون «خطًا أحمر».
ويمثل هذا التحذير تهديدًا مهمًا لأن الإمارات هي ركيزة اتفاقيات أبراهام الموقّعة عام 2020 في إدارة ترامب الأولى، والتي شملت أيضًا المغرب والبحرين.
جذور العلاقة: براغماتية إماراتية
يرى المحللون أن كِلا الطرفين أساء فهم دوافع الإمارات؛ فالإمارات التي تأسست عام 1971 لم تخض أي حرب مع إسرائيل، ويبلغ عدد سكانها 10 ملايين، لكن مليونًا فقط إماراتيون والبقية وافدون وعمال أجانب.
وقال المبعوث الأمريكي توم باراك إن بن زايد «أسرع نحو اتفاقيات أبراهام لأنه يقود دولة صغيرة بنظام ملكي».
ويشير حسين إبيش إلى أن الإمارات لا تزال متمسكة بحساباتها الاستراتيجية التي قامت عليها الاتفاقيات، خاصة تعميق التعاون الاقتصادي والتكنولوجي، لكنه لفت إلى أن «الأفعال المزعزعة للاستقرار التي تقوم بها إسرائيل بدأت تقلق بعض الأطراف داخل الإمارات».
وأوضح: «عادة لا توجد فصائل سياسية في الإمارات؛ القرارات الكبرى تُتخذ في أبوظبي بالتشاور مع دبي وأحيانًا الشارقة، لكن حين تصبح القضايا حساسة جدًا يظهر الانقسام. المؤيدون الأكبر للعلاقة مع إسرائيل يتمركزون أكثر في دبي، بينما المتشككون في حدود ما يُمنح لإسرائيل أكثر في الشارقة ورأس الخيمة».
واختُتم بأن الولايات المتحدة روّجت لاتفاقيات أبراهام باعتبارها جبهة موحّدة ضد إيران، لكن الواقع تغيّر؛ فإسرائيل أضعفت نفوذ إيران في سوريا ولبنان، والإمارات نفسها أعادت تطبيع علاقاتها مع طهران.
للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)