بعد هجمات الطيران المسير على بورتسودان.. السودان يشير بأصابع الاتهام إلى الإمارات ويقطع علاقاته معها 

يتصاعد الدخان في سماء بورتسودان، بينما تكافح السلطات السودانية لاحتواء الحرائق الناجمة عن سلسلة من هجمات الطائرات المسيرة التي اجتاحت المدينة على مدار ثلاثة أيام.

وأصبحت بورتسودان العاصمة الفعلية للسودان حاليًا ومقر حكومته المدعومة من الجيش، والتي تُلقي بالمسؤولية على قوات الدعم السريع شبه العسكرية و”راعيها الإقليمي”، الإمارات العربية المتحدة، في هجمات الطائرات المسيرة التي بدأت في وقت مبكر من صباح الأحد.

ويوم الثلاثاء، أعلن مجلس الأمن والدفاع السوداني قطع العلاقات الدبلوماسية مع الإمارات بسبب دعمها لقوات الدعم السريع بعد يوم من رفض محكمة العدل الدولية دعوى سودانية تتهم أبو ظبي بالتواطؤ في إبادة جماعية.

وأدان معتصم علي، المستشار القانوني في مركز راؤول والينبرغ لحقوق الإنسان قرار المحكمة وقال لموقع ميدل إيست آي: “لقد مُنح المجتمع الدولي من خلال محكمة العدل الدولية فرصة أخرى لمنع ووقف إبادة جماعية متفاقمة”.

وفيما لم ينقطع الأمل في استكشاف استراتيجيات مساءلة بديلة، ستواصل قوات الدعم السريع والإمارات العربية المتحدة ارتكاب فظائع شنيعة، دون أي احتمال فوري للتدخل.

ولم تعلن قوات الدعم السريع، التي تخوض حربًا مع القوات المسلحة السودانية منذ أبريل/نيسان 2023، مسؤوليتها عن هجمات بورتسودان حتى الآن، في حين أدانتها الإمارات العربية المتحدة بشدة.

وكانت الهجمات قد شُنت في ساعة مبكرة من صباح الأحد، عندما ضربت طائرات مسيّرة آخر مطار دولي مدني عامل في السودان، مما أدى إلى تدمير أجزاء من سقفه وإلحاق أضرار جزئية ببعض مرافقه الداخلية، كما ضربت غارات أخرى قاعدة عثمان دقنة الجوية القريبة.

ووصف متحدث باسم الجيش السوداني الطائرات المهاجمة بأنها “طائرات مسيّرة انتحارية”، في حين أفادت مصادر عسكرية ودبلوماسية إقليمية بأن الإمارات العربية المتحدة كانت قد اشترت هذه الطائرات في وقت سابق. 

وأغلقت الحكومة السودانية، المتحالفة مع القوات المسلحة السودانية، المطار يوم الأحد، قبل أن تعيد فتحه يوم الاثنين، لكن هجوماً جديداً بطائرة مسيّرة صباح اليوم التالي أدى إلى إغلاقه مرة أخرى.

وتُحصّل هيئة الطيران المدني الحكومية ملايين الدولارات شهريًا من رسوم عبور الأجواء وهبوط الطائرات في بورتسودان.

كما ضربت طائرات مُسيّرة مستودع وقود على بُعد 20 كيلومترًا من وسط مدينة بورتسودان، مُسبّبةً حريقًا هائلًا كانت السلطات لا تزال تُحاول احتواءه حتى يوم الثلاثاء، قبل أن تُحوّل تركيزها إلى مستودع وقود في الميناء.

ويُعدّ ميناء بورتسودان على البحر الأحمر أكبر موانئ السودان، والمركز الرئيسي لشحن المساعدات الإنسانية إلى البلاد، بالإضافة إلى حركة التجارة.

وأفادت مصادر في الميناء لموقع ميدل إيست آي أن المحطة الجنوبية، وهي محطة الحاويات في الميناء، قد أُغلقت و “توقفت عن العمل بشكل كامل”، كما ضربت طائرات بدون طيار محطة الكهرباء الرئيسية في بورتسودان، مما تسبب في انقطاع كامل للتيار الكهربائي في جميع أنحاء المدينة.

وتعرّض فندق مارينا للقصف مما تسبب في أضرار محدودة فيه، علماً بأنه الفندق الذي كان يستضيف دبلوماسيين مصريين وسعوديين، ويقع على بُعد أمتار قليلة من مكاتب قائد القوات المسلحة السودانية عبد الفتاح البرهان.

مع انتشار الحرائق من مخازن الوقود، ساد الخوف والقلق أرجاء بورتسودان، التي تؤوي حاليًا ما لا يقل عن 500 ألف نازح بسبب الحرب، وتعد معقلًا عسكريًا وعاصمةً بحكم الأمر الواقع منذ أن اجتاح الصراع الخرطوم قبل عامين.

وقال أحد السكان لموقع ميدل إيست آي: “الوضع يتدهور لانقطاع الكهرباء”، فيما قال آخر إن قوات الدعم السريع “دمرت المدينة”، حيث أُغلقت معظم مدارس بورتسودان، واصطفت الطوابير الطويلة للحصول على الوقود، وأغلقت المخابز أبوابها.

ويوم الثلاثاء، صرّح مسؤول حكومي بأن الهجمات على مستودعات الوقود وحدها تسببت في أضرار لا تقل قيمتها عن نصف مليار دولار.

الإمارات العربية المتحدة وقوات الدعم السريع

وبعد مكاسب الجيش في الخرطوم وأجزاء أخرى من وسط السودان، ومع اقتراب موسم الأمطار، أصبحت الطائرات المسيرة تهيمن على أجواء حرب السودان، حيث نفذ الجيش السوداني غارات بطائرات مسيّرة على طائرة شحن في مطار نيالا بجنوب دارفور.

وتم نقل الدعم العسكري إلى نيالا جواً ويشمل طائرات بدون طيار صينية الصنع يقول مختبر أبحاث الشؤون الإنسانية في جامعة ييل أنها “تتوافق مع طائرات FH-95” التي اشترتها الإمارات العربية المتحدة.

قالت خلود خير، المحللة السودانية ومؤسسة مركز كونفلوانس أدفايزري البحثي، لموقع ميدل إيست آي: “قد يكون توقيت الهجمات والتصعيد في بورتسودان مرتبطًا باتباع الإمارات نهجًا غير متشدد تتبعه قوات الدعم السريع”.

وأضافت خير أن هجمات الطائرات المسيرة في نيالا وبورتسودان سلّطت الضوء على “الطبيعة الدولية” للحرب.

“لن تتوقف الإمارات عن إمداد قوات الدعم السريع، ولكن هناك دلائل على أن هذه القوات تحصل على كميات أكبر بكثير من أسلحتها الآن من موردين عسكريين خاصين، والمحاولات الدبلوماسية الأمريكية لدفع أبوظبي للضغط على الجماعة شبه العسكرية لوقف ارتكاب الفظائع لم تُجدِ نفعاً” – خلود خير، كونفلوانس أدفايزري

وقالت: “مستوى استماع قوات الدعم السريع للإمارات ضئيل للغاية، مع أنني ما زلت أعتقد أن الإمارات راضية عن ضربات الطائرات المسيرة”.

وأشارت خير إلى محاولات إماراتية بعضها عبر وسائل الإعلام التابعة لدولة الاحتلال لتصوير الجيش السوداني على أنه “جماعة جهادية وثيقة الصلة بحماس حتى ولو كان ذلك دون دليل”.

وأضافت أن الإمارات “تستغل الحرية المطلقة التي تتمتع بها دولة الاحتلال، أحد أقرب حلفائها في المنطقة”، كما “تحاول استغلال اعتماد الجيش السوداني على الجماعات الإسلامية”، في إشارة إلى جماعات مثل لواء البراء بن مالك، الذي يقاتل إلى جانب الجيش.

وفي ردها على هجمات بورتسودان، قالت وزارة الخارجية الإماراتية: “أدانت دولة الإمارات العربية المتحدة بأشد العبارات استهداف المرافق المدنية الحيوية والبنية التحتية الحيوية في بورتسودان وكسلا، مستنكرةً هذه الأعمال باعتبارها انتهاكًا صارخًا للقانون الإنساني الدولي”.

مقالات ذات صلة