بعد هجوم إسرائيل على الدوحة.. هل تستمر قطر في وساطتها بشأن غزة؟

بقلم سانسوم ميلتون
ترجمة وتحرير موقع بالعربية

فشل الهجوم الإسرائيلي هذا الشهر على فريق التفاوض التابع لحركة حماس في الدوحة – الذين كانوا مجتمعين لمناقشة أحدث مقترح لوقف إطلاق النار في غزة قدّمته إدارة ترامب – في تحقيق هدفه بالقضاء على قيادة الحركة.

لكن الهجوم أسفر عن مقتل ستة أشخاص، بينهم ضابط أمن قطري، وأحدث تحولًا لا رجعة فيه في بنية الوساطة الدولية حول غزة، خصوصًا فيما يتعلق بدور الدوحة، وسط تقارير تشير إلى احتمال تعليقها لجهود الوساطة.

مثل هذا الموقف لن يكون مفاجئًا أو غير مبرر؛ فقبل عام، هددت قطر بالفعل بالانسحاب من جهود الوساطة المتعددة الأطراف بسبب جمود المفاوضات، لكنها واصلت الدور رغم استمرار القصف الإسرائيلي اليومي على غزة.

وساطة قطرية وسط عواصف إقليمية

بعد الضربة الإيرانية لقاعدة العديد الجوية في يونيو الماضي – التي جاءت ردًا على هجمات أمريكية استهدفت مواقع نووية في إيران – أعادت قطر التأكيد على التزامها بالدبلوماسية، وتوسطت في صفقة بين إيران وإسرائيل صمدت منذ ذلك الحين.

غير أن الهجوم الإسرائيلي على الدوحة يمثل وضعًا مختلفًا كليًا. فالهجوم الإيراني جرى بتنسيق مسبق مع قطر، كما أوضح الباحث كريستيان كوتس أولريشسن حين قال إن الدوحة “تحملت الضربة بالنيابة” وساعدت في خفض التصعيد.

لكن على الرغم من مزاعم بأن قطر كانت على علم مسبق بهجوم 9 سبتمبر الإسرائيلي، إلا أن المسؤولين القطريين أكدوا أنهم أُبلغوا به فقط لحظة بدء الطائرات الإسرائيلية بإلقاء قنابلها.

انهيار الثقة الدبلوماسية

خلال السنوات الأخيرة، رسّخت الدوحة موقعها كمركز دبلوماسي إقليمي، حيث استجابت لطلبات أمريكية باستضافة مكاتب لكل من حركة حماس وحركة طالبان. وهذا ما يجعل صمت واشنطن إزاء الهجوم الإسرائيلي أكثر إثارة للقلق.

فالخطورة في الحادث لا تكمن فقط في الخسائر البشرية، بل في تقويض الثقة بين أطراف فريق الوساطة المتعدد بشأن غزة، والذي يضم قطر ومصر والولايات المتحدة. هذا الفريق، رغم تباين مصالحه الاستراتيجية، كان يدير لسنوات مفاوضات معقدة مع إسرائيل وحماس والسلطة الفلسطينية بشأن التهدئة وإيصال المساعدات الإنسانية.

لكن حتى الدعم الضمني لهجوم ضد أحد الأطراف المشاركة في الوساطة ينسف الثقة التي تقوم عليها العملية برمتها.

خيارات قطر ومستقبل الوساطة

على المدى القصير، حتى لو انسحبت قطر رسميًا من موقع الوسيط، فإن مستوى من التسهيل القطري سيبقى ضروريًا طالما ظل فريق التفاوض التابع لحماس في الدوحة، وطالما بقيت هناك محاولات شكلية للتوصل إلى وقف إطلاق النار.

أما على المدى الطويل، فمن المرجح أن يُطلب من قطر العودة للوساطة بعد فترة تهدئة – ما لم تنتقل قيادة حماس إلى طهران أو مكان آخر، وهو ما سيعقّد مهمة التواصل معها بالنسبة للعالم.

ثلاث أولويات عاجلة بعد هجوم الدوحة

أولًا: يجب منع إسرائيل من تحقيق هدفها في تقويض مفاوضات وقف إطلاق النار. فرغم أن المقترحات الحالية باتت بحكم الميتة، فإن إعادة إحياء الزخم الدبلوماسي يظل أولوية. فوقف إطلاق النار لشهرين مطلع هذا العام منح بعض الاستراحة لمليوني فلسطيني يعيشون في أجواء إبادة بطيئة، وكان ثمرة ضغط أمريكي مباشر على إسرائيل. واليوم، مع إعلان المجاعة في غزة واستمرار حملة التدمير الشامل في مدينة غزة، ترتفع المخاطر الإنسانية إلى مستويات غير مسبوقة.

ثانيًا: الهجوم يثير تساؤلات جوهرية حول مستقبل الدبلوماسية الإقليمية. فإذا لم تعد الدوحة – التي تُعتبر من أكثر الأماكن أمانًا في العالم – ملاذًا آمنًا لوفد حماس، فأين يمكن أن يجد هذا الوفد مأوى إقليميًا؟ هذا الهجوم لا ينفصل عن سلسلة الضربات الإسرائيلية المتصاعدة من فلسطين ولبنان إلى سوريا واليمن.

كما أن استهداف موقع تفاوض محايد يضع سابقة خطيرة على صعيد الوساطات الدولية: إذا باتت أماكن التفاوض أهدافًا مشروعة، فإن ذلك يغيّر جذريًا معادلة حل النزاعات مستقبلًا.

ثالثًا: نسف الهجوم الافتراض السائد بأن وجود قاعدة عسكرية أمريكية كبرى على الأراضي القطرية يحمي البلاد من أي تهديد خارجي. وهذا يفرض على دول الخليج مراجعة اعتمادها شبه المطلق على القوة العسكرية الأمريكية كضمانة ضد أي تهديد، سواء من إيران أو من إسرائيل نفسها.

قواعد جديدة للّعبة

بهذا الاعتداء، غيّرت إسرائيل بشكل جذري قواعد اللعبة مع أبرز حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة. في الوقت نفسه، يواصل الإعلام الإسرائيلي التحريض ضد تركيا – الحليف الآخر لواشنطن وعضو الناتو – بينما يطلق رئيس الكنيست تهديدات واسعة وغير عقلانية ضد المنطقة بأسرها.

للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة