بقلم كلايف ستافورد سميث
كنت انظر إلى رحلتي التي حجزتها في اللحظات الأخيرة إلى كراتشي كتجربة مؤلمة، حيث تستغرق 18 ساعة مرورا بأربع دول، ولكن شعوري ذلك سيطر علي قبل أن ألتقي بموكلي، أحمد رباني، وأرى حاله بينما كان هو وشقيقه، عبد، في طريق عودتهما من خليج غوانتانامو.
تعود قصتهما إلى ما يقارب نصف عمرهما، حيث بدأت معاناة الأخوين من رحلة تسليمهما إلى كوبا وسجنهما لمدة 20 عامًا دون توجيه أي اتهامات إليهما في معتقل غوانتانامو.
وبعد عقدين من الزمان، تمت الموافقة أخيراً على قرار إطلاق سراحهما باعتبارهما “لا يشكلان تهديدًا للولايات المتحدة أو لأي من حلفائها”، لقد طار الأخوان أخيرا عائدين إلى بلدهما، بعد أن أفرج عنهما يوم الجمعة الماضي.
وبشكل يقدم دليلا على الفجوة بين غوانتانامو والعالم الحقيقي، حيث تظل مثل هذه الرحلات محاطة بالسرية – كما لو أن شخصًا ما قد يحاول قطع الطريق على الطائرة التي كانت تنقل الحرية أخيرًا- أبلغتني الحكومة الأمريكية بمغادرتهم قبل ساعات قليلة فقط، ولذلك لم أتمكن من الوصول إلى باكستان قبلهم، بل كنت لا أزال في بريطانيا.
لكنني تمكنت من متابعة رحلتهم عبر المحيط الأطلسي باستخدام تطبيق تعقب الطائرة، حيث كان من المثير للاهتمام رؤيتهم يطيرون نحو الحرية، إلا أنني كنت أخشى أنه بدلاً من تقديم الاعتذار الذي طال انتظاره، ستقوم الولايات المتحدة بمناورة أخيرة في رحلة الانتهاكات.
للأسف، هذا ما حدث. وصف أحمد، 53 عاماً، لاحقاً كيف تغيرت معاملته بشكل طفيف على الرغم من مرور السنين، وقال إن رحلتهم استغرقت 21 ساعة، وبرغم أنها كانت أطول بثلاث ساعات فقط، إلا أنها كانت أسوأ من رحلتي بكل تأكيد، حيث كان بانتظارهم 30 جنديًا أمريكيًا مجهزين خصيصا للتعامل مع اثنين فقط من الأسرى المقيدين.
مرة أخرى (لا يزال يُفترض أنهما بريئان من أي جريمة)، إلا أن أحمد وكذلك عبد، البالغ من العمر 55 عامًا، أجبرا على تعصيب عينيهما وسد أذنيهما كي لا يتلمسا بشكل اول بآخر طريق عودتهما إلى باكستان، وفيما إذا أرادوا استخدام المرحاض، فتعين عليهما تحمل الشعور بالذل من مراقبة الجنود.
وبمجرد أن هبطوا في إسلام أباد ظهر يوم 24 من فبراير/ شباط، أصبح العذاب الأخير وراءهم، ففي تلك اللحظة تغير عالمهم حيث استقبلهم مسؤول وكالة التحقيقات الفيدرالية الباكستانية وأبدى لهما الاحترام.
ثم جاءت اللحظة التي استعصت على أحمد لفترة طويلة، حيث أمامه مباشرة يقف ابنه جواد البالغ من العمر 20 عامًا، فزوجة أحمد كانت حاملاً بطفل عندما تم اختطافه في 10 سبتمبر 2002، ومنذ ذلك الحين لم يلتق الأب بابنه من قبل قط.
وصاح أحمد بلفظ الجلالة ” والله!” عند رؤية ابنه، فيما أجابه جواد وهو يحتضن والده لأول مرة بالقول: “لدينا الكثير الكثير لنتحدث به”.
ألف معركة
لقد التقيت بجواد كثيرا، وأنا حريص على دعم حلمه في أن يصبح محامياً في مجال حقوق الإنسان، إلا أنني أعرف أنه لن يستمتع أبدًا بلحظة إنسانية أخرى تمامًا مثل اجتماعه الأول بوالده، كنت أتمنى أن أكون هناك من أجل هذا اللقاء، لكن للأسف كنت على وشك مغادرة المملكة المتحدة.
واحدة من آلاف المعارك التي خضناها في السجن الكوبي كانت على الملكية الفكرية: هل كان سيُسمح لأحمد، الفنان الموهوب، بإحضار لوحاته معه عندما غادر السجن؟
لحسن الحظ، وبمساعدة الأمم المتحدة، انتصرنا مؤخرًا، ووصل أحمد ومعه 130 كيلوجرامًا من أعماله الفنية، إلى جانب أوراقه القانونية والتعويض الوحيد الذي كان من الممكن أن يحصل عليه من البلد الذي قام بتعذيبه: عشرين زجاجة بلاستيكية من التغذية السائلة التي سربتها الولايات المتحدة قسرا إلى جسد أحمد، خلال سبع سنوات من إضرابه عن الطعام، واحتجاجه السلمي على سوء المعاملة.
وبعد 45 ساعة، هبطت في مطار جناح الدولي في كراتشي، وتم استدعائي أمام ضابط الهجرة، لأتفاجأ بهمسه طالباً رشوة لتسريع دخولي، على أي حال، كان طريقي سريعًا بشكل رائع – خرجت من الطائرة واستلمت حقيبتي في 18 دقيقة فقط.
لم يمض وقت طويل على وصولي إلى فندق رامادا المحلي، حتى وصل موكلي وأخاه.
يا لها من لحظة! في المرة الأخيرة التي تناولنا فيها القهوة، كنت قد أحضرت فنجانًا من غوانتانامو ستاربكس – فاترًا قبل وصولي إلى الزنزانة حيث كانت زياراتنا القانونية، أما الآن فقد جلسنا في مقهى الأوبرا.
جاء كذلك سيف الله باراشا، البالغ من العمر 75 عاما، وهو أكبر معتقل في السجن وأطلق سراحه في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول، لكنها كانت المرة الأولى التي أراه فيها في باكستان، حيث كشف لي مباشرة عن الندوب الكبيرة في صدره نتيجة خضوعه لعملية جراحية في القلب، بعد أن كان قد رفض الرعاية الطبية في غوانتانامو بسبب تآمر الأطباء مع المحققين.
لحظة سحرية
سرعان ما وصل أحمد وعبد، كل منهما مع ابنه، وبينما كنا جالسين نتبادل أطراف الحديث، ضغطت قليلا على جسد أحمد النحيل– حيث لا يزال وزنه لا يتجاوز الـ 43 كجم فقط، أي ما يزيد قليلاً عن نصف وزن جسمه الأصلي، فعلى مدى عقدين من الزمن، وبينما كانت بقية العالم في حركة دائمة، كان الأخوان قابعين في ركود معتقل غوانتانامو.
ونظرًا لاهتمامه الفني بالتفاصيل، أذهل أحمد بطريقة تزيين الرغوة التي تعلو فنجان القهوة على هيئة سعفة نخيل، فهو بالتأكيد ابتكار تم بعد اختطافه.
طلب أحمد من ابنه جواد إن يحضر صندوقا من الورق المقوى والممزق كانوا قد حملوه إلى الفندق، ظننت للحظة أنها هدية إلزامية لي أنا الزائر، إلا انها لم تكن كذلك.
لقد قدم جواد 24 زجاجة من زجاجات التغذية القسرية إلى سيف الله، الذي يعاني من مشاكل في الهضم منذ إجراء عملية القلب، لقد التقطت صورة للمشهد (من أجل أوقات التغذية القسرية القديمة، وإحياء لذكرى تعويضه الوحيد من حكومة الولايات المتحدة).
يسألني الناس أحيانًا كيف يمكنني الاستمرار لمدة 40 عامًا في التعامل مع مثل هذه المشكلات العاطفية والمتعلقة بالحياة والموت، وإجابتي هي ذاتها دائمًا: لا يوجد الكثير من الأشخاص المحظوظين بما يكفي لمقابلة أشخاص من الحالات المتطرفة، والمساعدة في إعادة حياتهم إليهم.
كانت هذه لحظة سحرية أخرى، لقد نجح كل من أحمد وعبد في تخطي أهوال 20 عامًا من الاحتجاز دون محاكمة، لكنهما قد بدآ رحلتهما من الآن على الأقل.