بن غفير وسموتريتش: الوجه الحقيقي للاستيطان الإسرائيلي الذي تخشى لندن مواجهته

بقلم جوناثان بورسيل

ترجمة وتحرير نجاح خاطر

في اللغة العبرية، ثمة استعارة مروّعة تُعرف باسم “جز العشب”، وهي كما الكثير من المصطلحات التي تستخدمها دولة الاحتلال تنطوي على ازدراء فاضح لحقوق الإنسان، حيث تشير إلى سياسة القصف المتواصل والوحشي لقطاع غزة، لا بغية تحقيق أهداف عسكرية بقدر ما هو إبقاء الفلسطينيين “في مكانهم”.

السياسيون وقادة جيش الاحتلال لا يترددون في استخدام هذا المصطلح علناً، مجرّدين المدنيين الفلسطينيين من إنسانيتهم، ومعتبرينهم جزءاً من “العشب” الذي يتوجب قصه بانتظام.

لكن اليوم، لم يعد الحديث عن “القص” يفي بالغرض، فما يحدث في غزة هو إحراق للأرض لا يقلّ عن الإبادة الجماعية.

ومع ذلك، حين أصدرت الحكومة البريطانية مؤخراً حزمة جديدة من العقوبات على بعض المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة، لم أفكر بـ”العشب” بقدر ما فكرت بـ”الأعشاب الضارة” التي تُقصّ أطرافها، فيما تُترك جذورها لتزدهر مجدداً.

إذ تبدو العقوبات الأخيرة التي فرضتها لندن على ثلاثة أفراد وأربعة كيانات تكراراً لخطوات رمزية اتخذت سابقاً في أشهر فبراير/شباط  ومايو/آيار وأكتوبر/تشرين الأول الماضية، دون أن تمسّ جوهر العنف المنهجي، فاستهداف أطراف الأزمة لن يخدش سوى السطح، فيما يُفلت مهندسوها الحقيقيون من المحاسبة.

وزيرا حكومة الاحتلال، إيتمار بن غفير (وزير الأمن القومي) وبتسلئيل سموتريتش (وزير المالية)، هما المحرّكان الرئيسيان وراء التوسع غير المسبوق للمستوطنات غير القانونية، وبالتالي إن لم تشملهم العقوبات، فلن تكون هناك جدوى منها.

ذلك أن هذان الوزيران لا يختبئان خلف الستار، بل يفاخران بدورهما التحريضي، وكما قيل ذات مرة، فإن تجاهل العقول المدبرة والاكتفاء بمعاقبة المنفذين لا يغيّر الواقع.

عنف ممنهج.. لا حوادث فردية

لقد رافقت وفداً من النواب البريطانيين في زيارة إلى الضفة الغربية الشهر الماضي، حيث شاهدنا عن كثب الوجه الحقيقي للاحتلال من اقتحامات لمخيمات اللاجئين في طولكرم شمالاً، إلى عربدة المستوطنين في قرى مسافر يطا جنوباً.

وما لا يمكن نسيانه من تلك الزيارة ليس فقط لحظات الخوف أو الاستفزاز، بل الصورة العامة للإفلات من العقاب، والتواطؤ الواضح بين المستوطنين وجنود الاحتلال. 

ففي قرية سوسيا، وهي واحدة من قرى مسافر يطا التي صودرت عام 1986، طوّقنا مستوطنون مدججون بالسلاح والدروع، يتصرفون كميليشيا خاصة، وحين وصل جنود الاحتلال لاحقاً، لم يواجهوا المستوطنين، بل تبادلوا المزاح والضحكات معهم، وكأنهم في نزهة.

عندما يقف المستوطنون والجنود جنباً إلى جنب، يتبادلون الابتسامات ويحملون الأسلحة نفسها، يصبح من السخف الحديث عن “عنف فردي” أو “حالات استثنائية”، فالدولة، عبر جيشها وقادتها، هي الراعية الأولى لهذا العنف.

وخلال لقائنا بأحد المدافعين الفلسطينيين عن حقوق الإنسان في فناء منزله المحاط بكاميرات وأسوار معدنية في مدينة الخليل، اقترب مستوطنان وبدآ بإهانته علناً، محاولين شراء بيته عنوة، ومتوعدين بالاستيلاء عليه “بغض النظر عن موافقته”، وعندما رفض، ردّا بالقول: “الله أعطانا هذه الأرض”، بينما كان جنود الاحتلال على مقربة منهم، يشاهدون بصمت مطبق.

سياسة الجذور لا الفروع

كل هذه المظاهر ليست سوى انعكاس لرؤية أوسع، تتغذى من خطاب وزراء التطرف والتطهير العرقي، فحين يقتحم بن غفير المسجد الأقصى محاطاً بالمستوطنين، أو يدعو سموتريتش إلى “محو” قرية فلسطينية بأكملها، فهم لا يتحدثون فرادى، بل ينفذون مشروعاً متكاملاً للاستيطان والتهجير والفصل العنصري.

المستوطنون المتطرفون الذين نراهم في الشوارع، والمدججون بالسلاح كما الكراهية، هم أدوات في مشروع سياسي متكامل لا يحترم الأخلاق ولا القانون الدولي، لكنه يختبئ خلف شعارات دينية وأمنية.

ولذا، فإن استهداف بعض المستوطنين بعقوبات رمزية لن يغيّر من الأمر شيئاً، طالما بقي بن غفير وسموتريتش وغيرهما في مأمن من المساءلة، فإن النظام الاستعماري سيستمر، وستبقى الفروع تنمو من الجذور المسمومة ذاتها.

المطلوب ليس تقليم الأعشاب الضارة، بل اقتلاعها من الجذور، والمحاسبة يجب أن تبدأ من رأس الهرم، لا من أسفله.

للاطلاع على المقال الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة