بقلم بيتر أوبورن
ترجمة وتحرير مريم الحمد
بعد قيامه بتهديد المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، فقد انضم وزير الخارجية البريطاني السابق ديفيد كاميرون إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الآن بين مجموعة صغيرة من زعماء العالم البغيضين والذين هددوا المحكمة الجنائية الدولية أو استأسدوا عليها.
بعبارة أخرى، فقد تم القبض على وزير الخارجية السابق ورئيس الوزراء السابق متلبساً في محاولة لإفساد مسار العدالة، والدافع وراء سلوك كاميرون المروع هو التصميم على حماية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت من اتهامات بارتكاب جرائم حرب!
لا توجد أعذار لمثل هذه السلوكيات، فلا يمكن لكاميرون ادعاء قلة الخبرة، فقد كان رئيساً لوزراء بريطانيا لمدة 6 سنوات، ثم أعيد إلى منصب وزير الخارجية عندما سعى إلى تخويف خان
وفقاً للمحكمة الجنائية الدولية، فإن جرائم الحرب هذه شملت “التجويع كوسيلة من وسائل الحرب والجرائم ضد الإنسانية المتمثلة في القتل والاضطهاد وغير ذلك من الأعمال اللاإنسانية”.
علق كاميرون على قرار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان معتبراً أن إصدار مذكرة اعتقال بحق نتنياهو وغالانت سيكون “بمثابة إسقاط قنبلة هيدروجينية”.
إن الازدراء الذي أبداه كاميرون لسيادة القانون واستعداده للجوء إلى التهديد والترهيب هو سلوك اعتدنا صدوره من أمثال بوتين ونتنياهو والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أما بريطانيا، فهي دولة تفتخر باحترامها لسيادة القانون، ونحن ندعي أننا جزء من النظام الدولي الأخلاقي.
لا أعذار
ويضع لجوء كاميرون إلى التهديد من أجل حماية سمعة نتنياهو بريطانيا على قائمة الدول التي تشبه نظام العصابات والدول المارقة التي تعتبر القوة حقها، ومن هذا المنطلق، فقد أهان كاميرون نفسه ناهيك عن حزب المحافظين، بل وأهان بريطانيا.
لا توجد أعذار لمثل هذه السلوكيات، فلا يمكن لكاميرون ادعاء قلة الخبرة، فقد كان رئيساً لوزراء بريطانيا لمدة 6 سنوات، ثم أعيد إلى منصب وزير الخارجية عندما سعى إلى تخويف خان.
حتى الآن، لم يصدر أي رد من وزارة الخارجية، وهذا الصمت مذموم وينذر بتشويه سمعة بريطانيا، ولذلك فإن من واجب رئيس الوزراء كير ستارمر الخروج ببيان يعبر فيه عن شعوره بالاشمئزاز بسبب سلوك كاميرون كوزير للخارجية، كما يتعين عليه إعادة التأكيد على التزام بريطانيا بقرارات المحكمة الجنائية الدولية والقيم التي تجسدها.
يعد هذا التدخل ضرورة ملحة، وذلك لأن ممارسة الضغوط على المحكمة الجنائية الدولية قد يشكل عملاً إجرامياً بموجب القانون المحلي البريطاني فضلاً عن القانون الدولي، حيث أن نظام روما الأساسي الذي أنشأ المحكمة الجنائية الدولية لا يحاكم فقط أولئك الذين يرتكبون جرائم حرب، بل يجرم أيضاً أولئك الذين يسعون إلى منع محاكمة جرائم الحرب.
يمنح نص المادة 70 من نظام روما الأساسي المحكمة اختصاصاً قضائياً ضد المسؤولين عن “إعاقة أحد موظفي المحكمة أو ترهيبهم أو التأثير عليهم بغرض إجبار أو إقناع المسؤول على عدم أداء واجباته أو أداء المحكمة لواجباتها بشكل غير لائق”.
انطلاقاً من ذلك، فإن تهديد كاميرون بـ “وقف تمويل المحكمة والانسحاب من نظام روما الأساسي” يقع بشكل مباشر ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية.
سلوكيات متهورة
هناك أيضًا عواقب محتملة بموجب القانون المحلي البريطاني، حيث تشير المادة 54 (1) من قانون المحكمة الجنائية الدولية لعام 2001 إلى أن “أي شخص يرتكب عمداً أياً من الأفعال المذكورة في المادة 70.1 وهي الجرائم المرتكبة ضد إقامة العدل فيما يتعلق بالمحكمة الجنائية الدولية، يجوز التعامل معه بنفس الطريقة التي يتم بها التعامل مع الجريمة المحلية المقابلة المرتكبة فيما يتعلق بالمحكمة العليا في إنجلترا وويلز”.
بناء على النص السابق، يعتبر كاميرون الآن في مأزق، فقد أخبرني أحد المحامين الذين تحدثت معهم بأن قضية الملاحقة قوية في حكمه، ففي بريطانيا، تعد العقوبة القصوى لعرقلة مسار العدالة هي السجن مدى الحياة، رغم تخفيف تلك الأحكام عند تطبيقها على الأرجح.
بغض النظر عن العواقب الطويلة الأمد المحتملة لسلوك كاميرون المتهور، إلا أن الأصداء السياسية المباشرة سوف تكون هائلة، فبريطانيا بلد يفتخر بسيادة القانون ونحن ندعي أننا جزء من النظام الدولي القائم على القواعد، ولذلك يُحسب للقانون الفضل بتمكن خان، المواطن البريطاني، من التصدي لتهديدات كاميرون.
ومع ذلك، تظل الحقيقة التي لا مفر منها هي أن وزير الخارجية البريطاني حاول تخريب مسار العدالة، ولابد لكاميرون هنا من كسر صمته وشرح موقفه، كما يتعين على ستارمر إجراء تحقيق عاجل في الكشف الصادم عن سعي كاميرون إلى ترهيب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)