بعد الدمار الكبير الذي أحدثته عاصفة “دانيال” على الشواطئ الليبية يوم 11 سبتمبر، كان الصديق حفتر في باريس يحضر لحملته من أجل الترشح للرئاسة، حيث صرح للصحافة بقوله “أعتقد أن لدي كل الوسائل اللازمة لتحقيق الاستقرار في ليبيا والعمل على تماسك الليبيين ووحدتهم”.
لكن سرعان ما عاد الإبن الأكبر لخليفة حفتر، القائد الشرقي الذي يدير ميليشيات تُعرف باسم القوات المسلحة الليبية العربية والتي تسيطر على شرق ليبيا وجنوبها، إلى منزله لمواجهة آثار الكارثة الطبيعية التي حدثت، وخلفت ما لا يقل عن 11300 من الضحايا وأكثر من 10 آلاف من المفقودين، عقب انهيار سدين في مدينة درنة شرق البلاد.
بعد عودته، صرح الصديق بأن والده كان يشعر بأن الكارثة سوف تحصل ولذلك أمر بإخلاء المنطقة، وهو ما نفاه محللون ليبيون، ففي الواقع كان طُلب من الناس البقاء في منازلهم!
الصديق حفتر “بمثابة الورقة البديلة لعائلة حفتر، فإذا لم يتمكن صدام وخالد ووالدهم من الترشح لأنهم عسكريون، فالصديق سيكون خيارهم البديل”- جليل حرشاوي-خبير في الشؤون الليبية
لم يقتصر الأمر على الصديق، فسرعان ما دخل شقيقه، صدام حفتر، في دائرة الاخبار الدولية أيضاً، بعد تصريحه لشبكة سكاي نيوز وهو يقود سيارته، أن ليبيا بحاجة للمساعدة، لكنه أكد أيضاً أن “فرق الإنقاذ تقوم بدورها”، وعندما سئل عما إذا كان بالإمكان تجنب ما حصل، قال أن “كل شيء كان على ما يرام” وليس لديه “أي انتقادات”.
يذكر أن لكل من أبناء حفتر، الصديق وصدام، طموحات سياسية، ولذلك شكلت الفيضانات التي أصابت البلاد مؤخراً فرصة مفيدة لتكثيف حضورهما على الساحة الليبية والدولية.
الصديق… الرجل المدني الذي يشبه والده!
ولد الصديق ونشأ في بنغازي خلال حكم معمر القذافي، وقد شهد نفي الأخير لوالده عام 1991 في أعقاب حملة عسكرية فاشلة في تشاد، ويقول الخبير في الشؤون الليبية، جليل حرشاوي، أن “أبناء حفتر كانوا معروفين لدى القذافي، لقد كانت العلاقة معهم على ما يرام ، فحفتر لم يكن خصماً خطيراً في المنفى”.
عندما عاد والده إلى ليبيا عام 2011، بعد الإطاحة بالقذافي، ظل الصديق بعيداً عن الأنظار، فعندما شنت قوات والده، القوات المسلحة العربية الليبية، حرباً على الفصائل الغربية بعد انقسام البلاد عام 2014، لم يشارك الصديق في شيء، وهذا ما أكده حرشاوي بقوله “لم يرتبط قط بأي جماعة مسلحة أو بمسائل أمنية، فهو رجل مدني، وهذا هو السبب في اكتسابه أهمية بعد ذلك”.
لقد أتاحت الصفة المدنية للصديق فرصة لمشاركته بالأحداث الاحتفالية مثل افتتاح مراكز الشرطة والملاعب، حاملاً معه تشابهاً في الصفات مع والده، مما عزز من إبراز مكانة الأسرة على الأرض، يقول حرشاوي أن ذلك “وفر لوالده وسيلة لإبراز النفوذ والحضور، فهي طريقة للقول بأنهم منخرطون في مشروع بناء ولديهم رؤية مدنية”.
العديد من المراقبين يرون أن صدام الخليفة الأرجح لوالده باعتباره القائد المستقبلي للقوات المسلحة التي أنشأها والده، حيث يقود اليوم كتيبة طارق بن زياد، أكثر الأجنحة نفوذاً داخل القوات
لم يُعرف عن الصديق أنه كان ذا شخصية قوية على الإطلاق، لكن يبدو أن ذلك قد تغير في الأشهر الأخيرة، وربما يكون أحد الأسباب أنه لم يواجه مشاكل تحرمه الترشح للانتخابات على عكس والده وبعض إخوته، في ظل أسباب أدت إلى انهيار الانتخابات الليبية عام 2021 منها الخلافات حول أهلية العسكريين أو مزدوجي الجنسية ليكونوا مرشحين.
يقول حرشاوي أن الصديق “بمثابة الورقة البديلة لعائلة حفتر، فإذا لم يتمكن صدام وخالد ووالدهم من الترشح لأنهم عسكريون، فالصديق سيكون خيارهم البديل”، واستعداداً لذلك، فقد أنشأ في فبراير الماضي العديد من الحسابات على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يعرف نفسه في اكس مثلاً، على أنه “مثقف”، كما أنه من الغريب أن إدارة حساباته على انستغرام وفيسبوك تتم من لبنان.
في وقت سابق من هذا العام، أصبح الصديق رئيساً فخرياً لنادي المريخ، أحد أنجح أندية كرة القدم السودانية، ولكنه واجه صعوبات مالية مؤخراً، قام الصديق بحلها من خلال التبرع بمليوني دولار للنادي، كما تم استضافته لاحقاً من قبل قوات الدعم السريع.
ويشكك الباحث في برنامج الشرق الأوسط التابع للمجلس الأطلسي، عماد الدين بادي، بتوجهات الصديق، حيث يقول “على الرغم من كونه الابن الأكبر لحفتر وقد أعلن عن طموحاته السياسية، إلا أنه لا يتمتع بمصداقية تذكر”.
صدام… سلطوي في طور التشكل
على عكس الصديق، فإن صدام حفتر أكثر شهرة، وهو ينثر أصابعه في العديد من القضايا منذ سنوات، وهو أصغر أبناء حفتر وتمت تسميته تيمناً بالرئيس العراقي الراحل صدام حسين، والذي يُعتقد أنه صاحب شخصية قوية مثله.
ويقول بادي في وصف صدام حفتر “هو سلطوي في طور التشكل، يحاول الاستيلاء على جوانب من المؤسسة العائلية LAAF، بالإضافة إلى التوسع في مشاريع جديدة، بما فيها أنشطة غير مشروعة”.
وقد انخرط صدام في حملات والده العسكرية منذ 2014، بما في ذلك الاستيلاء على برقة والمحاولة الفاشلة للسيطرة على طرابلس، حتى أن العديد من المراقبين يرون أنه الخليفة الأرجح لوالده باعتباره القائد المستقبلي للقوات المسلحة التي أنشأها والده، حيث يقود اليوم كتيبة طارق بن زياد، أكثر الأجنحة نفوذاً داخل القوات، والتي اتهمتها منظمة العفو الدولية بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات خطيرة من أجل “سحق أي تحدٍ لوالده”.
“في اللحظة التي يموت فيها حفتر، لا ندري كيف يمكن أن ترد القبائل، والسؤال هنا، هل يتمكن أي من أبناء حفتر عندها الاعتماد على أنصاره؟” جليل حرشاوي- خبير في الشؤون الليبية
وفي توصيف نشاطه، يقول بادي أنه “يعتمد على القمع الشديد من خلال الوحدات البريتورية التي يقودها، والتي من المرجح أن تكون استراتيجيته عند المطالبة بعرش والده عندما تحين تلك اللحظة”، فقد هدم جنوده ممتلكات إيطالية تعود إلى الحقبة الاستعمارية في بنغازي القديمة في الفترة السابقة.
ويقاتل أنه متورط في عدد من أنشطة الاتجار، بما في ذلك المخدرات والوقود والذهب والخردة المعدنية من المصانع المصادرة بالقوة، كما يروى عن ارتباطه بتهريب البشر، حيث اتهمه ناجون من غرق السفينة اليونانية في يوليو الماضي، بالإشراف على تسيير قوارب من شرق ليبيا إلى أوروبا.
أما على الساحة الدولية، فهو يتمتع بعلاقات وثيقة مع محمد بن زايد، رئيس الإمارات، ومع روسيا، بما في ذلك مجموعة فاغنر، التي كانت لاعباً رئيسياً في مساعدة حفتر على السيطرة على الأراضي الليبية في الشرق والجنوب.
ويفسر بادي قرب صدام المتزايد من روسيا باعتباره “انعكاساً لروح العصر الجيوسياسي المعاصر، والتي يعد أحد أهم ملامحها انسحاب الولايات المتحدة الذي أدى إلى تقليص مكانة أمريكا العالمية، مما يجعل العديد من القادة الاستبداديين يبحثون عن توازنات جديدة بين التحالفات الموجودة”.
قبل عامين، مثلاً، وصل صدام إلى إسرائيل، على الرغم من عدم وجود علاقات سابقة لليبيا معها، حيث أشارت التقارير إلى أن الأمر كان يتعلق باتفاق للتطبيع مقابل الدعم العسكري والدبلوماسي لوالده.
من الذي سيخلف حفتر؟
يرى حرشاوي أن غياب اسم صدام عن خطابات الحكومات الغربية فيما يتعلق بالاتهامات الموجهة ضده في حقوق الإنسان، شجعت الجنرال على المزيد، فهم “لا يذكرونه، ولذلك يطمئن إلى انخفاض احتمالية تعرضه للعقوبات” على حد وصفه.
قارن حرشاوي ذلك بالرئيس بشار الأسد، فهو متهم أيضاً بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات لحقوق الإنسان، ومع ذلك فقد تمت إعادة تأهيله دولياً بمساعدة الإمارات وغيرها من الأنظمة، حتى أصبح يتمتع بغطاء دبلوماسي وأيديولوجي طالما أن الدبلوماسيين البريطانيين والفرنسيين لا يقولون شيئاً عنه”.
قياساً على ذلك، يمكن الاستنتاج أن الأخوين لديهما فرصة للحصول على الدعم وخلافة والدهما البالغ من العمر 79 عاماً، والذي يشير حرشاوي إلى أنه “سواء أحببته أو كرهته، فإن حفتر يمثل جزءاً من التاريخ، لقد استولى على بنغازي في وقت كانت فيه هناك مشكلة أمنية حقيقية ومخاوف بين السكان”، فسيطرته على بنغازي أعطته شكلاً من أشكال الشرعية.
أما عن السيناريو القادم المحتمل، فيشير حرشاوي إلى أنه “في اللحظة التي يموت فيها حفتر، لا ندري كيف يمكن أن ترد القبائل، والسؤال هنا، هل يتمكن أي من أبناء حفتر عندها الاعتماد على أنصاره؟”.
يلخص بادي الأمر في أن “صدام يفتقر إلى أي وجود مشروع كما أنه أكثر أبناء والده قسوة وميلاً إلى الإجرام، ونجاح طموحاته سيعتمد إلى حد كبير على مدى ميل القوى الغربية لصالحه”.
بقلم ريحان عُدين
ترجمة وتحرير مريم الحمد
للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)