بقلم كريس دويل
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
يمثل عبور نهر دجلة من شمال العراق إلى شمال شرق سوريا رحلة بين عالمين مختلفين، فعلى مر القرون، ظل مسار هذا النهر العظيم حداً فاصلاً بين الإمبراطوريات المتنافسة وممراً مائياً متنازعاً عليه وهو لا يزال كذلك مفتاح الحياة للملايين من الناس.
يُعطي الجسر العائم المتهالك لمحة عما ينتظرك وأنت تترك حكومة إقليم كردستان المتطورة والعاملة إلى حد كبير، متجهًا إلى منطقة سورية معزولة وضعيفة ومعوزة اقتصاديًا، الطريق المؤدي من النهر شبه سالك، مليء بالحفر الهائلة.
وتحاط المنطقة ذات الأغلبية الكردية في شمال سوريا، والتي يُفضل العديد من الأكراد تسميتها “روج آفا”، بمن يعتبرونهم منافسين وأعداء، والحدود التركية مسيّجة أو مُحاطة بالأسلاك الشائكة.
وفي كل اجتماع حضرته، تطرق محاوريّ إلى آثار العنف الطائفي الذي شهدته المناطق الساحلية السورية في مارس/آذار، كان الخوف الكامن وإن كان غير مُعلن واضحًا: قد نكون التاليين.
وقد كرر ممثلو الطوائف العربية والمسيحية والأرمنية والعلوية واليزيدية والكردية هذه النقطة باستمرار، ولم يُبدِ سوى قلة ثقة في خطابات السلطات الجديدة في دمشق، فالشعور السائد هو أن المنطقة مُحيت اقتصاديًا.
ورغم كثرة التقارير عن شبكات التهريب، إلا أن معظم المتاجر كانت مغلقة، واخذ الجميع يعتمدون على مولدات بدائية للكهرباء، وفي بعض الأحيان، كانت لدى قلة محظوظة فقط إمكانية الوصول إلى الطاقة الشمسية.
أما إضاءات الشوارع الليلية فهي قليلة، كما عانت المنطقة من نقص المياه، وبعد أن حلت محل حوران في الجنوب كسلة غذاء لكل سوريا منذ خمسينيات القرن الماضي، لم تعد أراضيها المسطحة الخصبة الآن مزروعة إلى حد كبير.
عقوبات خانقة
في الواقع ورد ذكر العديد من الأسباب لهذا الوضع المزري ومنها الحرب، والهجمات التركية، والحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وإلى جانب ذلك كله فقوات سوريا الديمقراطية ليست بريئة أيضًا.
فقد سلّطت منظمات حقوق الإنسان الضوء على قضايا مهمة تتعلق باعتقال النشطاء السياسيين وتجنيد الأطفال، بعضهم لا يتجاوز عمره 12 عامًا، من قبل منظمات مرتبطة بقوات سوريا الديمقراطية.
كانت القامشلي والحسكة في طليعة هذا الصراع، إذ لا يزال تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) يُشكل تهديدًا حتى يومنا هذا، حيث أعلن مسؤوليته عن حوالي 300 هجوم العام الماضي، أي أكثر من ضعف عدد الهجمات في العام السابق.
كما ساهمت العقوبات الأمريكية والأوروبية في شلل الاقتصاد السوري، فمن البديهي ألا يستثمر أحد في شيء حتى تُخفف العقوبات الأمريكية.
لقد اشتعلت حرائق آبار النفط حيث اضطر السكان إلى استخدام أساليب بدائية لاستخراج الموارد، رائحة هذا الحريق تملأ الهواء في كل مكان، ولا يسع المرء إلا أن يتخيل الآثار الصحية والأضرار البيئية.
أما الآن، فالمطلوب هو تخفيف العقوبات لتوفير أفق سياسي واقتصادي ملموس.
فعلى الصعيد الإنساني، اشتكى لي كثيرون من ندرة المساعدات الدولية، حيث حوّلت المنظمات غير الحكومية تركيزها إلى دمشق، فالاحتياجات هائلة إجمالًا، ولا يزال نصف سكان سوريا يعانون من انعدام الأمن الغذائي.
وتنتشر في جميع أنحاء هذه المنطقة الشمالية مخيمات للاجئين والنازحين داخليًا، وقد فرّ الكثيرون مؤخرًا بعد سقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد وفي ظل الهجمات التركية.
إن وجود جهات خارجية أمرٌ استثنائي، لقد مررنا بالقاعدة الروسية في مطار القامشلي، وبعدها بقليل، مررنا بقاعدة أمريكية، ولا تزال الدوريات العسكرية الروسية تسير على الطريق السريع الرئيسي، قل لي أين يمكنك أن تجد قوات روسية وأمريكية منتشرة على مقربة من بعضها البعض؟
لقد أعلنت الولايات المتحدة أنها ستخفض انتشار قواتها في سوريا، وأغلقت ثلاثًا من قواعدها الثماني في الشمال الشرقي، ومع ذلك، يعتبر الكثيرون وجودها أمرًا بالغ الأهمية للتحالف ضد داعش، حيث لا يزال حوالي 10,000 من مقاتلي التنظيم محتجزين في شمال شرق سوريا.
ويُمثل وجود القوات الأمريكية بحد ذاته رادعًا لداعش، التي تبحث عن أي فرصة للنهوض مجددًا، ولكنه يُمثل أيضًا حاجزًا يحول دون اشتباك القوات المدعومة من تركيا والمنظمات الكردية، لكن في النهاية، سيرغب السوريون في رؤية جميع القوات الأجنبية خارج البلاد.
مؤشر مُبشر
خلال زيارتي للمنطقة، كان التقييم المتفائل ماثلاً في أن وقف إطلاق النار مع تركيا مازال صامداً لأكثر من ثلاثة أسابيع، لقد توقفت هجمات الطائرات المسيرة، وبات نهر الفرات يشكل الآن الحدود الفعلية بين المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية وتلك التي تسيطر عليها القوات المدعومة من تركيا.
لقد جاء الاتفاق المبرم في مارس/آذار بين دمشق وقوات سوريا الديمقراطية بادرة أمل أيضًا، ويعمل المجلس الوطني الكردي وأحزاب أخرى على تعزيز هذا الاتفاق، لكن لا تزال هناك انقسامات كبيرة.
فقد أخبرني قائد قوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، وهو شريك رئيسي للولايات المتحدة في حربها ضد داعش، أن الاجتماعات الأخيرة مع السلطات في دمشق سارت على ما يرام، حيث حلقت مروحيات أمريكية بالقرب منها فيما بدا أنها تدريبات.
كان عبدي متفائلًا أيضًا بشأن التقدم المحرز مع تركيا، التي تعتبر قوات سوريا الديمقراطية منظمة إرهابية وامتدادًا لحزب العمال الكردستاني المحظور (PKK) ، وبينما وصف عبدي التهديد التركي بأنه “تحدٍّ وجودي”، بدا عازمًا بشدة على إحراز تقدم مع كل من دمشق وأنقرة.
وعلى العموم فإن تفاؤل عبدي قد لا يكون في غير محله تمامًا، فقد دعا زعيم حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، الزعيم السياسي والروحي للعديد من أكراد سوريا تنظيمه إلى نزع سلاحه في فبراير/شباط.
ويمثل هذا فرصة لإنهاء الصراع داخل تركيا الذي أودى بحياة 40 ألف شخص على مدى 40 عامًا، كما ستكون له تداعيات كبيرة على كل من أكراد سوريا والعراق، فالسلام الحقيقي من شأنه أن يطمئن القيادة التركية.
إن من شأن إنهاء القتال في شمال سوريا أن يعزز فرص البلاد في تحقيق استقرار طويل الأمد، وهذا أمرٌ ينبغي أن يكون محل اهتمام جميع الأطراف الدولية الفاعلة، من الشرق الأوسط إلى أوروبا.
المطلوب الآن هو تخفيف العقوبات لتوفير أفق سياسي واقتصادي ملموس، وفي أفضل السيناريوهات، من شأن هذا أن يوجه ضربة قوية للجماعات المتطرفة مثل داعش، وأن يمنح الثقة للسوريين الذين يتطلعون إلى العودة إلى وطنهم الحبيب، هذا طريق طويل به الكثير من الحفر، لكنه يستحق الرحلة بالتأكيد.
للاطلاع على المقال الأصلي من (هنا)