بين التعاطف والإنكار.. ديناميات النظرة الغربية للحراك الطلابي المتضامن مع فلسطين 

بقلم وسام سعادة

ترجمة وتحرير نجاح خاطر 

حظي الحراك الطلابي الاحتجاجي على حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال على قطاع غزة بدعم لافت في عدد من الجامعات، واجتذب اهتمام وسائل الإعلام في جميع أنحاء العالم.

وأثار هذا التحرك التعاطف من جانب والمعارضة الساخرة من جانب آخر، في ظل استخدام مناهضيه لأساليب خطابية مختلفة تحرض على الاشمئزاز وعدم الثقة والكراهية تجاه الطلاب الذين يرفضون العقاب الجماعي بحق مليوني فلسطيني.

ويصور المتهكمون الطلاب المحتجين باعتبارهم نخبة جاحدة للجميل تتحالف مع حزب الله وحماس، في حين يخفق المؤيدون للحراك في الاعتراف بالهوة الواسعة بين الأوساط الأكاديمية والمجتمع الأوسع، والذي أصبح حاداً جداً في الولايات المتحدة مقارنة بأوروبا.

لكن تجاهل خطورة هذه الظاهرة من خلال تكرار الخطاب الأخلاقي التقليدي ضد “اليقظة” يشكل موقفاً مثيراً للإشكالية العميقة، فهو موقف يتبنى نظريات المؤامرة والخطابة الغامضة.

وفي حين أنه يمكن لليقظة في حد ذاتها أن تكون ضارة، بقدر ما تميل إلى الانبثاق من تقييم جزئي للصدمات والمظالم، التقييم الذي تكون فيه الضائقة المؤلمة بمثابة المقياس النهائي والشرط المسبق الذي لا غنى عنه للمناصرة، فمن الضروري عدم جعل “مكافحة اليقظة” غاية في حد ذاتها.

في الواقع، يعد “رهاب اليقظة” نفاقاً لا يرحم عندما يتجلى في شكل اعتداء مطلق على الذين قد لا يعتنقون قيم “الصحوة”، فمنذ السابع من أكتوبر، اختار بعض المتهكمين أن يجعلوا الحملة المناهضة للاستيقاظ جوهر مهامهم، لكنهم سيجدون أن الواقع أكثر دقة مما قد يتصورون.

ولا يمكننا أن ننكر الدوافع الإنسانية لدى الكثير من الطلبة المحتجين، وسواء كانت هذه النزعة الإنسانية متسقة أو تبعية، فقد يكون هذا الأمر على طاولة النقاش، ولكن إنكاره تماماً، وتجريم الطلاب على أساس نشاطهم أمر خطير.

ديناميات الاحتجاج

تمتد هذه الظاهرة إلى مرحلة نهاية الحرب الباردة، حيث يميل تبجيل النضالات الاجتماعية في القرن العشرين إلى رفض أي مظاهرة عامة لا تتوافق مع صور الأبيض والأسود لاحتجاجات العمال المنضبطة، حيث كان المتظاهرون يسيرون بهدوء على قدم وساق، غير أن هذا الحنين لا يحول دون تبني موقف حذر، وإن كان محل ترحيب، تجاه ديناميكيات الاحتجاج الحالية في مجتمعنا.

ويمكن إثراء هذا النقاش من خلال تبني موقف متقبل تجاه الاحتجاجات الجديرة بالملاحظة، مع الانخراط في فحص نقدي لوجهة النظر السائدة بين المتظاهرين.

ينشأ هنا اعتباران متشابكان: أولاً، الثناء على الحركة التي تعارض تمويل الحروب والفظائع من خلال أموال الضرائب، وثانياً، الاعتراف بوجود سوء فهم للمأزق الفلسطيني تشمل المقارنة الخاطئة مع نضالات الشعوب الأصلية في أمريكا الشمالية وأمريكا اللاتينية وسياقات ما بعد الاستعمار مثل الحال في جنوب أفريقيا.

إن مثل هذه المقارنات تتجاهل الاختلافات الحاسمة بين الجهات التي تعقد بينها، فعلى عكس الإبادة الجماعية للسكان الأصليين في أمريكا الشمالية أو الأغلبية الديمغرافية للمجتمعات السوداء في جنوب أفريقيا، تركز القضية الفلسطينية على شكل خاص من الاستيطان الاستعماري الأكثر تشابكاً مع الصراع التاريخي بين الديانات التوحيدية.

تكشف السلبية النسبية في الشارع العربي مقارنة بالنشاط المستمر في عدد من الجامعات الأمريكية الكثير عن الوضع الحالي للعالم، وترتبط ارتباطاً وثيقاً بعجز الحضارة الأوروبية عن افتراض التكامل كحل للمسألة اليهودية.

كما أن هذه الروابط متصلة بتفكك نظام الملل، وهو شكل من أشكال التنظيم الإداري الذي ظهر في الإمبراطورية العثمانية حيث مُنحت المجتمعات الدينية، أو الملل، الاستقلال الذاتي في إدارة شؤونها الخاصة، بما في ذلك المسائل القانونية والتعليمية، في ظل الحكم العام لـ الإمبراطورية، وفي عالم ما بعد العثمانية، تحولت بعض الملل إلى أمم بينما أصبح بعضها الآخر مجتمعات طائفية.

من الضروري إجراء دراسة أفضل للقضايا اليهودية والفلسطينية العربية، لكن الكثير من المثقفين الذين قاموا بذلك في المنطقة عملوا بشكل سطحي فقط، وغالباً ما تخلوا عن إحدى القضيتين.

وفي ذات الوقت، فإن السلبية النسبية التي يبديها “الشارع العربي” مقارنة بالنشاط المستمر في بعض الجامعات الأميركية تنبئنا بالكثير عن الوضع الراهن الذي يعيشه العالم، ويفعل الباحثون المحتجون في الولايات المتحدة ذلك عن حق، فبعد ما يقرب من سبعة أشهر من دعمها لعدوان الاحتلال، لا تستطيع إدارة بايدن الهروب من تصنيفها كواحدة من جلادي التاريخ.

الفصل المضطرب

لا يريد الطلاب الأميركيون الذين يعبرون عن تضامنهم مع فلسطين من إدارة بلادهم تأييد هذه الحرب أو تحمل مسؤوليتها وعواقبها، لكن من المهم وضع هذا الاتجاه في سياقه النابع من سكان عواصم الرأسمالية العالمية، سواء كانوا من مناطق هامشية أم لا، ويختلف الوضع بالنسبة لأولئك الذين يعانون من مصاعب الاستبداد في مرحلة ما بعد الربيع العربي.

وتشكل سلبية الشوارع العربية تذكيراً كبيراً بأن المجتمعات المحرومة من الحرية لا يمكنها أن تتصرف موسمياً كما لو كانت حرةً، هذا لا يعني أن شعوب العالم العربي لا تدعم الفلسطينيين بكل إخلاص، وقد عبرت عن ذلك في كثير من الأحيان، لكنها لا تملك ذات المطالب التي ينادي بها الأمريكيون، حيث تمول واشنطن الحرب وتمكنها، فالشعوب العربية تحت رحمة الأنظمة التي تصادر حقوقهم دون الحاجة إلى سياسة مالية للقيام بذلك.

نحن الآن في فصل مضطرب من التاريخ، حيث تجتاح الأزمات العالم، ولا تظهر أي رحمة لأي ثقافة أو أيديولوجية، وبينما تهدد حرب غزة بأن تصبح نكبة أخرى للفلسطينيين، فإن الأزمة الداخلية العميقة داخل المجتمع والحكم الإسرائيلي تتطلب نهجاً دقيقاً ومتوازناً وواسع النطاق، ورغم ذلك، لا يمكننا أن نتجاهل ضرورة الوقوف في وجه ويلات الحرب.

يتمثل المأزق الذي ينشأ هنا فيما إذا كان من الواجب على مناهض الحرب أن يدافع عن السلام بالضرورة، وهنا تكمن معضلة محيرة، تقسم بين أولئك الذين يساوون بين معارضة الحرب والسعي لتحقيق السلام، وأولئك الذين، بينما يدينون الحرب، ينظرون إلى الإطار الغربي المهيمن لـ “السلام في الشرق الأوسط” باعتباره مجرد حجاب للسلب المستمر لحقوق الشعب الفلسطيني.

وبالمثل، في الخطاب المحيط بصراع الحضارات، يظهر تناقضاً حيث يتزامن الإنكار الثابت لمثل هذا الصدام القائم مع الاختزال الجوهري لـ “الغرب” مقابل التمجيد المبتهج لـ “البقية”.

وتؤكد هذه الديناميكية الحاجة الملحة للتحول نحو فهم أكثر دقة للصراع الحضاري، وبالتالي تمهيد الطريق للتأمل الاستراتيجي حول كيفية تجاوز مثل هذه الانقسامات.

للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة