بقلم جو جيل
ترجمة وتحرير مريم الحمد
من ملاحظتي في زيارتي الأخيرة لعُمان، فإن المزاج السائد في مسقط هذه الأيام هو العداء للغرب بكل تأكيد، فالحرب التي تشنها إسرائيل ضد الفلسطينيين في غزة بدعم من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة قد حولت الرأي العام ضد حلفاء السلطنة الغربيين بكل وضوح.
وفقاً لصاحب ورشة لتصليح السيارات، العماني قاسم، فإن “مشكلة الدول الغربية هي أنها تعطي صورة سيئة عن الشعوب العربية والإسلامية وهذا ليس عدلاً”.
في حديثها لموقع ميدل إيست آي، تقول لينا شحادة، الفلسطينية التي تعيش في عمان: “فلسطين متجذرة بعمق في قلوب العمانيين، فعندما تتحدث إلى العمانيين، تدرك أنهم يتعلمون عن فلسطين منذ الروضة، حيث يحفظون علم وخريطة فلسطين، حتى أنهم يرسمون العلم في المدرسة”.
تحظى المقاطعة الاقتصادية للسلع الغربية بشعبية واسعة النطاق في عمان، فمنذ أكتوبر، تم تنظيم عدة احتجاجات، وهو أمر نادر الحدوث في مسقط، وذلك تضامناً مع الفلسطينيين في غزة
ويعد مفتي عمان الشيخ أحمد بن حمد الخليلي، أحد أبرز الشخصيات التي تعبر بصراحةً عن وجهات النظر الشعبية حول الحرب في غزة، ففي نوفمبر الماضي، أثنى على استيلاء الحوثيين على سفينة شحن أمريكية في البحر الأحمر.
في منشور له على موقع اكس، أكد الخليلي أنه يدعم “جهاد” الحوثيين، ودعا “كافة الشعب اليمني الشقيق إلى الالتفاف حول هذا المبدأ الديني العظيم لنصرة المظلومين والمضطهدين من إخواننا في فلسطين”.
موقف المفتي لا يمثل موقف الحكومة العمانية، وهي حليف الغرب الذي يحتفظ بعلاقات طويلة الأمد وإن كانت غير رسمية مع إسرائيل، فديناميكية السلطة بين السلطان الجديد هيثم بن طارق، الذي تولى السلطة بعد وفاة السلطان قابوس بن سعيد عام 2020، والمفتي الذي يشغل منصبه منذ عقود، تمنح الأخير درجة من الاستقلالية عن الحكومة، خاصة وأن تصريحاته القوية المؤيدة للمقاومة اكتسبت شعبية حتى خارج عمان.
من جانب آخر، تحظى المقاطعة الاقتصادية للسلع الغربية بشعبية واسعة النطاق في عمان، فمنذ أكتوبر، تم تنظيم عدة احتجاجات، وهو أمر نادر الحدوث في مسقط، وذلك تضامناً مع الفلسطينيين في غزة.
لقد انعكست هذه الموازنة السياسية في عمان على قدرتها على الحفاظ على علاقاتها مع الغرب والتنفيس بذات الوقت عن الغضب الشعبي حول الحرب على غزة، الأمر الذي يمكن استنتاجه من خطاب ألقاه وزير الخارجية، السيد بدر البوسعيدي، مؤخراً في أكسفورد.
في خطابه، أشار البوسعيدي إلى أن عمان تعاني مثل جيرانها من عواقب الأزمة في غزة وأن وقف إطلاق النار ضرورة إنسانية واستراتيجية، كما دعا إلى عقد مؤتمر دولي طارئ للاعتراف بالدولة الفلسطينية، وأشار بوضوح إلى أنه لا يمكن استئصال حماس، وهو أمر اكتشفته إسرائيل خلال 5 أشهر من قصف غزة وتحويلها إلى أنقاض.
قال البورسعيدي: “إن حركات التحرير الوطني مثل حماس متجذرة بعمق في المجتمع الفلسطيني، وستبقى قضيتهم حية مهما مات من المسلحين، فإذا كان هناك سلام على الإطلاق، يجب على صانعي السلام أن يجدوا طريقة للتحدث معهم والاستماع لهم”.
“أشارككم الرأي (ويقصد هنا بوتين) فيما يتعلق بضرورة إنهاء النظام العالمي الحالي غير العادل وهيمنة الغرب، وكذلك بناء نظام عالمي جديد وعادل، وعلاقات اقتصادية دون معايير مزدوجة” – ذي يزن بن هيثم آل سعيد- ولي العهد العماني
ومن ناحية أخرى، فقد انتقد البوسعيدي الافتراض الغربي بأن شعوب الشرق الأوسط مرهونة للمنطق الطائفي، مضيفاً أن هذا الرأي خاطئ ومتحامل، مؤكداً على أن “التعددية ليست امتيازاً للنخبة الغربية، بل هي جزء حيوي من تاريخ العالم العربي وواقعه الحالي”.
لقد كانت هذه التصريحات موجهة بشكل واضح إلى حلفاء عمان بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، اللتين دعمتا حرب إسرائيل للقضاء على حماس في غزة، وهو هدف فشلت إسرائيل في تحقيقه يعد أشهر من العدوان على غزة.
الحفاظ على التحالف مع بريطانيا
ظاهرياً، لا تزال علاقات السلطنة مع المملكة المتحدة، القوة الاستعمارية السابقة، قوية، حيث قامت المملكة المتحدة ببناء قاعدة تدريب جديدة بالقرب من ميناء الدقم العماني وتوسيع قاعدتها البحرية هناك، بالإضافة إلى وجود ميناء تجاري للحاويات قرب القاعدة، وبهذا تعد عمان عقدة رئيسية في الوجود العسكري البريطاني والأمريكي في الخليج.
إضافة إلى ذلك، فإن بريطانيا هي أكبر مستثمر في سلطنة عمان، خاصة في قطاع النفط والغاز، حيث تتمتع المملكة المتحدة منذ فترة طويلة بامتيازات لاستكشاف وتصدير النفط والغاز، ويرجع تفسير ذلك إلى النفوذ الإنجليزي التاريخي في مسقط.
على الجانب الآخر، فإن الصين تحتل المرتبة الأولى في التجارة، حيث تصدر عمان 80% من نفطها وغازها إلى الصين، ومن اللافت للنظر أنه ووفقًا للأرقام التجارية لمكتب الجمارك العماني منذ عام 2021، فإن بريطانيا لم تعد ضمن أفضل 20 شريكًا تجاريًا مع مسقط.
الأمر الأكثر إثارة للقلق بالنسبة للمملكة المتحدة هو أن الدعم البريطاني لإسرائيل في حربها على غزة قد جعل المملكة المتحدة واحدة من أكثر الدول مكروهة بين العمانيين.
وعلى الصعيد الرسمي، فالمفتي ليس الشخصية العمانية الوحيدة التي تحدثت عن التحولات الجيوسياسية وانتقدت الغرب، ففي اجتماع عقد في موسكو بين ولي العهد العماني، ذي يزن بن هيثم آل سعيد، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ديسمبر الماضي، قال ولي العهد: ” أشارككم الرأي (ويقصد هنا بوتين) فيما يتعلق بضرورة إنهاء النظام العالمي الحالي غير العادل وهيمنة الغرب، وكذلك بناء نظام عالمي جديد وعادل، وعلاقات اقتصادية دون معايير مزدوجة”.
في 12 يناير، عندما شنت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة أولى ضرباتهما الجوية على اليمن، أعلنت عمان منطقة حظر جوي على جميع الطائرات العسكرية الغربية المتجهة إلى اليمن، حسبما نقلت قناة الجزيرة آنذاك.
ومع ذلك، فإن عدد الزيارات الدبلوماسية المتبادلة بين عمان والمملكة المتحدة، بما في ذلك زيارة وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون لمسقط في أواخر يناير، وزيارة البوسعيدي إلى المملكة المتحدة، ومن ثم الزيارة “الخاصة” التي قام بها السلطان هيثم إلى المملكة المتحدة في أواخر فبراير، علامة على أن كلا الجانبين يرغب في التأكد من أن التوترات المتعلقة بدعم المملكة المتحدة لإسرائيل وضرباتها على اليمن لن تؤثر سلباً على هذه العلاقة التاريخية.
الدور العماني في أزمة البحر الأحمر
تضع أزمة البحر الأحمر عمان في وضع خاص، وذلك فيما يتعلق بالتجارة البحرية عبر طريق الشحن الرئيسي على طول ساحلها وحتى عبر مضيق باب المندب إلى البحر الأحمر.
كيف يرى الشباب العماني المستقبل؟ وكيف ينظرون إلى الغرب في ضوء حرب غزة، والغارات الجوية الأمريكية البريطانية على اليمن، والاشتباكات في البحر الأحمر؟
مع استهداف الحوثيين للشحن الغربي، خاصة السفن الأمريكية والبريطانية، فإن سفن الحاويات المتجهة غرباً أصبحت ترسو في صلالة، تحت إدارة شركة ميرسك الدنماركية، التي تستخدم الميناء الجنوبي العماني لإعادة توجيه الكثير من حمولاتها.
في حديثها مع ميدل إيست آي، قالت لينا شحادة، والتي تشغل منصب نائب رئيس الاتصالات في شركة الموانئ العمانية “أسياد”: “نحن نعلم أن الكثير من السفن، حتى لو لم تكن لها علاقات مباشرة مع الولايات المتحدة أو الدول الغربية الأخرى، تتوقف في صلالة لأن لديهم الكثير من المخاوف حول عبور البحر الأحمر”.
في العادة، كانت السفن تتوقف في جدة في طريقها إلى ساحل البحر الأحمر السعودي، ولكن بسبب الأزمة، فقد أصبح ميناء صلالة مزدحماً ويعمل بكامل طاقته، حيث أوضحت شحادة أنهم “يستخدمون صلالة لإعادة الشحن بدلاً من التوقف في جدة، ومن الأفضل عدم التوقف في البحر الأحمر”.
يمكن أيضًا نقل الحاويات إلى الشحن البري، حيث تسهل شركة أسياد العمانية ذلك داخل دول مجلس التعاون الخليجي، وفقاً لشحادة، فإن “هناك الكثير من العناية من الجانب التجاري، وهذا يعني أننا ننظر إلى السفن التي تتوقف في صلالة وأي سفن يتم إعادة توجيهها إلى صلالة، نحتاج إلى معرفتها”.
إن علاقة عُمان بإدارة أنصار الله في صنعاء ذات جذور عميقة، وبالتالي لن يتم استهداف شحناتها، ففي السابق، استضافت عمان محادثات بين الحوثيين والسعوديين للمساعدة في إنهاء الحرب في اليمن، كما قام مسؤولون عمانيون بمرافقة أول وفد سعودي علني إلى صنعاء في أبريل 2023 وأول وفد علني للحوثيين إلى الرياض في سبتمبر 2023.
وفقاً لاستطلاع أجراه مركز العربي واشنطن دي سي، حول الحرب في يناير، فإن معظم الناس في المنطقة يريدون من حكوماتهم مقاطعة إسرائيل وتقديم المساعدات لغزة
بناء على سبق، فقد أصبحت عمان والسعودية أكثر توافقًا بشأن مواقفهما الإقليمية، خاصة في اليمن، حيث توصل السعوديون إلى اتفاق هدنة مع الحوثيين بعد 8 سنوات من الحرب، اعترفت بموجبه الرياض بأن شرق اليمن هو جزء من اليمن، وهو بوابة لأنابيب النفط إلى المحيط الهندي.
تحظى منطقة المهرة في الجزء الشرقي من اليمن على الحدود العمانية، بدعم من عمان التي لا تتماشى مع رؤية الإمارات للسيطرة على جنوب اليمن من خلال القوات السنية الإنفصالية في عدن.
شعبية الحوثيين
منذ حصار الحوثيين للبحر الأحمر، وفي أعقاب الضربات الجوية الأمريكية البريطانية ضدهم، أصبح الحوثيون في الشمال القادة الأكثر شعبية في العالم العربي كما يقول المحلل العماني.
كيف يرى الشباب العماني المستقبل؟ وكيف ينظرون إلى الغرب في ضوء حرب غزة، والغارات الجوية الأمريكية البريطانية على اليمن، والاشتباكات في البحر الأحمر؟
لقد نشأ لديهم الشعور بأن الأمور لا يمكن أن تتغير سلمياً، وأنه لا توجد عدالة، بسبب تقاعس الحكومات العربية فيما يتعلق بغزة، بالإضافة إلى الدور الذي لعبته الولايات المتحدة في دعم الحرب الوحشية التي تشنها إسرائيل، فقد خلقت الحرب مناخاً يجعلك مقنتعاً بأن الطريقة الوحيدة لتغيير الوضع هي أن يكون هناك حركة مثل الحوثيون أو حزب الله أو حماس، فإذا لم تكن عنيفاً بما فيه الكفاية، فلن يحترمك أحد.
وفقاً لاستطلاع أجراه مركز العربي واشنطن دي سي، حول الحرب في يناير، فإن معظم الناس في المنطقة يريدون من حكوماتهم مقاطعة إسرائيل وتقديم المساعدات لغزة، ولكن لديهم وجهات نظر سلبية حول مواقف الأنظمة العربية من الحرب.
بحسب نتائج الاستطلاع، فقد رأى ثلثا الأشخاص أن سياسات الإمارات والسعودية حول غزة سيئة للغاية، كما رأت الأغلبية أن الولايات المتحدة وإسرائيل تشكلان أكبر التهديدات، كما أن معظم المشاركين (59%) رأوا أن السلام مع إسرائيل أمر مستحيل.
يمكن القول أن نفس الخطاب الذي كان منتشراً خلال غزو العراق يعود الآن، وهو نفس المناخ الذي انتشر فيه تنظيم داعش، كما أصبح حزب الله يتمتع بشعبية كبيرة منذ عام 2006 ، بعد الهجوم الإسرائيلي على لبنان.
لقد استفادت شخصيات مثل زعيم دولة العراق الإسلامية أبو مصعب الزرقاوي، وأسامة بن لادن، من تلك الأجواء التي خلقتها هذه الحكومات الفاسدة والضعيفة، بدعم الولايات المتحدة، وهنا منبع الشعور بأنك لا تستطيع تغيير الأمور بسلام، وعلى العالم أجمع أن يشعر بالقلق إزاء هذا الوضع، لأنه سيكون له عواقب.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)