بين مذبحة صبرا وشاتيلا ومذبحة غزة 4 عقود من الزمن

بقلم فراس أبو هلال

ترجمة وتحرير مريم الحمد

يصادف هذا الأسبوع الذكرى الـ 42 للمجزرة التي ارتكبت في المخيمين الفلسطينيين الخاضعين للسيطرة الإسرائيلية، صبرا وشاتيلا، في العاصمة اللبنانية بيروت، حيث تم تنفيذ العملية خلال يومين بين 16-18 سبتمبر من عام 1982، على يد ميليشيا الكتائب المسيحية.

ذبح في العملية قرابة 3500 شخص، بينهم العديد من الأطفال والنساء واللاجئين المسنين، وكل ذلك تحت أنظار الجيش الإسرائيلي.

تتزامن الذكرى السنوية لمذبحة صبرا وشاتيلا هذا العام مع الإبادة الجماعية المستمرة في غزة، واستمرار سياسات إسرائيل الوحشية تجاه الفلسطينيين مع فارق التغير الكبير في استجابة الرأي العام.

مع اقتراب عام من الحرب على غزة، لم يبذل فيه العالم جهداً دولياً جاداً لوقف إراقة الدماء، يبدو أن إسرائيل باتت تعرف أنها قادرة على قتل أي عدد تريده من الفلسطينيين وتدمير المنازل والمباني والمستشفيات في القطاع كما تريد

لم تكن صبرا وشاتيلا يوماً حادثة منعزلة، بل كانت مجرد حلقة واحدة في سلسلة طويلة من المجازر الإسرائيلية التي يعود تاريخها إلى نكبة عام 1948، والتي تم خلالها طرد مئات الآلاف من الفلسطينيين من أراضيهم، ومن أبرزها مذبحة الطنطورة التي قُتل فيها حوالي 200 قروي فلسطيني ومذبحة دير ياسين التي قُتل فيها أكثر من 100 فلسطيني.

بعد عام 1948، استمر الجيش الإسرائيلي في نفس السياسة في فلسطين ودول عربية أخرى، بدءاً من تفجير مدرسة بحر البقر في مصر عام 1970 وحتى مذبحة قانا  في لبنان عام 1996.

أما قطاع غزة، فقد ارتكبت إسرائيل سلسلة من جرائم الحرب والمجازر منذ انسحابها من القطاع عام 2005، وتنفيذها لحصار عقابي عقب ذلك مع 5 هجمات عسكرية كبرى أسفرت عن مقتل الآلاف في القطاع.

وفي الحرب الحالية وحدها، فقد قتلت قوات الاحتلال الإسرائيلية عشرات الآلاف من الفلسطينيين، حتى من كانوا يحتمون في “المناطق الآمنة” مثل المستشفيات أو المدارس التي تديرها الأمم المتحدة!

العالم تخلى عن الفلسطينيين 

لقد ازدادت المجازر الإسرائيلية اتساعاً ووحشية على مر السنين وذلك لسببين، أولهما هو الطبيعة العنصرية المتأصلة في الأيديولوجية الصهيونية خاصة مع التحول أكثر فأكثر نحو اليمين المتطرف، ففي إسرائيل اليوم، أصبحت أيديولوجية التفوق اليهودي هي السائدة، ومنذ 7 أكتوبر، أدلى كبار المسؤولين الإسرائيليين بالعديد من التصريحات العنصرية، كان أبرزها تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، حين شبه الفلسطينيين بـ “الحيوانات البشرية”.

أما السبب الثاني الذي يجعل إسرائيل قادرة على مواصلة نمط المجازر الذي تمارسه وخاصة في غزة، فهو الدعم الدولي الذي تحظى به، حيث  تستمر الدول الغربية في شحن الأسلحة إلى إسرائيل رغم ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين إلى أكثر من 41 ألفاً حتى الآن.

وفي الوقت نفسه، لم تزد الدول العربية في مواقفها عن خطابات مجردة لدعم الفلسطينيين، فيما تستمر بعضها في العلاقات السياسية والاقتصادية مع إسرائيل وكأن شيئاً لم يتغير!

قد تبدو قدرة إسرائيل على الإفلات من العقاب قوة توحي لها بإطلاق العنان في الوحشية ضد الشعب الفلسطيني، إلا أن التجربة التاريخية تثبت عكس ذلك، فعندما تصبح مشاريع الاحتلال أكثر وحشية، فذلك قد يكون علامة على بداية النهاية

مع اقتراب عام من الحرب على غزة، لم يبذل فيه العالم جهداً دولياً جاداً لوقف إراقة الدماء، يبدو أن إسرائيل باتت تعرف أنها قادرة على قتل أي عدد تريده من الفلسطينيين وتدمير المنازل والمباني والمستشفيات في القطاع كما تريد.

تجدر الإشارة إلى أنه بعد أيام من مذبحة صبرا وشاتيلا في سبتمبر عام 1982، دعت حركة السلام الآن الإسرائيلية إلى مظاهرة في تل أبيب، شارك فيها حوالي 400 ألف شخص للمطالبة بإجراء تحقيق في الدور الإسرائيلي في المذبحة، ونجح الاحتجاج في دفع الحكومة إلى إنشاء لجنة كاهان التي خلصت إلى أن إسرائيل تتحمل “مسؤولية غير مباشرة” عن المذبحة، واستقال آرييل شارون من منصب وزير الدفاع على إثر ذلك.

أما اليوم، وبعد مرور 42 عاماً على تلك المظاهرات، تواصل إسرائيل ارتكاب المجازر وجرائم الحرب يومياً في غزة، لكن هذه المرة لم يعد هناك جمهور إسرائيلي معترض، بل على العكس من ذلك، فإن السياسيين والصحفيين وعامة الإسرائيليين يدعمون أعمال الإبادة الجماعية ضد غزة علناً.

إضافة إلى ذلك، فإن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ما زال يحقق مكاسب في استطلاعات الرأي، فالمعارضة الشعبية الداخلية للحرب تتركز في المقام الأول على دفع الحكومة إلى التوقيع على اتفاق لتأمين إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين المتبقين في غزة فقط.

قد تبدو قدرة إسرائيل على الإفلات من العقاب قوة توحي لها بإطلاق العنان في الوحشية ضد الشعب الفلسطيني، إلا أن التجربة التاريخية تثبت عكس ذلك، فعندما تصبح مشاريع الاحتلال أكثر وحشية، فذلك قد يكون علامة على بداية النهاية.

علاوة على ذلك، فإن إسرائيل دولة مبنية على خطاب “الأخلاق”، وهو ما تم تقويضه بشكل كبير بسبب المذبحة في غزة، فجرائم إسرائيل المستمرة ضد الفلسطينيين سوف تجعل التطبيع مع الدول العربية أمراً مستحيلاً، لأن إسرائيل تظل هي التهديد الرئيسي للشعوب العربية في المنطقة.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة