بين منع النشطاء واستقبال الإسرائيليين: ازدواجية مصرية تثير الجدل في سيناء

تشهد جنوب سيناء حالة من الاستنفار الأمني بعد عبور آلاف الإسرائيليين إلى الأراضي المصرية عبر معبر طابا الحدودي، هربًا من التصعيد العسكري المتبادل بين إيران ودولة الاحتلال. 

ويأتي تدفق الإسرائيليين إلى سيناء في وقت تشدد فيه القاهرة القيود على النشطاء والمتضامنين مع غزة، ما أثار انتقادات حادة حول ازدواجية المعايير المصرية في التعامل مع الأزمة.

وبينما عبر آلاف الدبلوماسيين والأجانب من معبر طابا باتجاه مطار شرم الشيخ، تمهيدًا لمغادرة مصر، اختار آلاف الإسرائيليين البقاء في سيناء، آملين في العودة فور استقرار الأوضاع. 

وقد دخل وقف إطلاق النار، الذي أعلنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حيز التنفيذ صباح الثلاثاء، لكن هشاشته تثير مخاوف من تجدّد المواجهات.

استنفار أمني ومخاوف استخباراتية

وأكدت مصادر أمنية مصرية، في حديثها لموقع ميدل إيست آي بشرط عدم الكشف عن هويتها، أن دخول الإسرائيليين المفاجئ إلى سيناء رفع مستوى التأهب الأمني، وسط مخاوف من احتمال استهدافهم أو حدوث أعمال تحريض ضدهم تؤثر سلبًا على السياحة أو على الاستقرار الداخلي الهش.

وقد تم إرسال تعزيزات عسكرية وأمنية إلى طابا، دهب، نويبع، وشرم الشيخ، مع تحذيرات من احتمالية استغلال أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية مثل الموساد أو الشاباك (الشين بيت) لهذا التدفق لإدخال عملاء سريين تحت غطاء السياحة.

“إذا تمكن عميل واحد فقط من تأسيس خلية في القاهرة أو الإسكندرية، فإن العواقب قد تكون كارثية… لا يمكن مراقبتهم جميعًا بدقة”- مسؤول استخباراتي بارز

وتشير تقديرات غير رسمية إلى أن ما يصل إلى 100 ألف إسرائيلي قد يعبرون الحدود في غضون أسبوعين إذا انهار وقف إطلاق النار.

قلق رئاسي وتوجيهات عليا

ووفقًا للمصادر، يتابع الرئيس عبد الفتاح السيسي تطورات الموقف عن كثب، مع توجيهات مباشرة لتسهيل إقامة الوافدين الإسرائيليين وتوفير الحماية لهم، فيما يتم رفع تقارير أمنية ميدانية إلى مكتب الرئيس على مدار الساعة، لتجنّب أي حادث قد يؤجج الشارع المصري أو يحرج القاهرة أمام شركائها الدوليين.

وأوضح مسؤول أمني رفيع: “تحاول الدولة الحفاظ على توازن دقيق بين الأمن القومي والالتزامات الدبلوماسية، وبين الغضب الشعبي المتصاعد تجاه التطبيع مع إسرائيل”.

شبه إقامة في سيناء: إقامة مؤقتة أم نوايا دائمة؟

بحسب مصادر سياحية في المنطقة، وصل العديد من الإسرائيليين إلى طابا في سيارات خاصة، أو حتى سيرًا على الأقدام، وقد امتلأت بهم الفنادق والمنازل المؤجرة. 

وقال أحد العاملين بفندق في طابا لموقع “ميدل إيست آي”: “بلغ الإشغال معدلات غير مسبوقة، لكن طُلب منا عدم التحدث عن الضيوف الإسرائيليين، أو مشاركة أي تفاصيل حتى مع عائلاتنا.”

ومع أن اتفاقية السلام لعام 1979 تتيح للإسرائيليين دخول جنوب سيناء دون تأشيرة والإقامة لمدة 14 يومًا، إلا أن التقديرات تشير إلى احتمال بقاء بعضهم لفترات أطول، وهو ما يثير القلق في القاهرة، خصوصًا مع وجود محاولات محتملة للتحايل على القانون المصري الذي يمنع الأجانب من تملّك عقارات في سيناء.

احتجاجات على ازدواجية المعايير

من جهة أخرى، قوبل هذا الترحيب بالإسرائيليين بغضب شعبي واسع، لا سيما بعد أن قامت السلطات المصرية قبل أيام فقط بمنع قوافل التضامن مع غزة من الوصول إلى معبر رفح، واعتقلت العشرات من النشطاء الدوليين، قبل أن تقوم بترحيلهم ممن كانوا جزءًا من “المسيرة العالمية إلى غزة”، التي ضمّت أكثر من 4000 ناشط من 80 دولة، حاملين معهم أدوية ومواد غذائية للقطاع المحاصر.

“من العار أن يُرحَّب بالإسرائيليين بينما يُعتدى على النشطاء الذين يحملون الغذاء والدواء للفلسطينيين… هذا نفاق فج” – أحد النشطاء من القاهرة، طالب بعدم ذكر اسمه

تاريخ من التوتر والازدواجية

يُعدّ معبر طابا، الذي افتُتح في 1982، المنفذ السياحي الوحيد بين مصر وإسرائيل في مدينة طابا المصرية التي احتلتها إسرائيل منذ حرب 1967 حتى استعادتها مصر عام 1989 في عهد الرئيس الراحل حسني مبارك، في ختام نزاع دولي طويل. 

ومنذ ذلك الحين، ظل المعبر مفتوحًا في إطار اتفاقية السلام، لكن العلاقة مع إسرائيل لم تلقَ يومًا قبولًا شعبيًا، رغم استمرار التطبيع الرسمي.

اليوم، تجد القاهرة نفسها أمام اختبار صعب، حيث تزداد الضغوط بين الالتزام الدبلوماسي بحماية الزوار الإسرائيليين، والغضب الشعبي المتزايد من الانحياز لدولة الاحتلال على حساب القضايا الإنسانية، وعلى رأسها حصار غزة.

مقالات ذات صلة