برأت محكمة الجنايات في ولاية إيكس أون في جنوب شرق فرنسا، المتخصص الفرنسي الشهير في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والإسلام السياسي، فرانسوا بورغات، وذلك بعد أن تمت محاكمته بتهمة “دعم الإرهاب” بسبب رسائل نشرها على وسائل التواصل الاجتماعي.
اتهمت النيابة مدير الأبحاث السابق في المركز الوطني للبحث العلمي والمدير السابق للمعهد الفرنسي للشرق الأدنى والمتقاعد حالياً، بسبب سلسلة من المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي حول حماس وحرب إسرائيل على غزة.
خلال المحاكمة في أبريل الماضي، طلب المدعي العام الحكم على بورغات بالسجن لمدة 8 أشهر مع وقف التنفيذ وغرامة قدرها 4500 دولار وحظر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لمدة 6 أشهر وفترة عدم أهلية لمدة عامين.
في حديثه لموقع ميدل إيست آي، أشاد بورغات “بالوضوح الحكيم من جانب المحكمة” لكنه توقع أن يستأنف الادعاء الحكم، وأضاف: “دعونا نأمل في أن تصبح هذه الحكمة، التي أدانها عشرات من مواطنينا دون أي مبرر في نفس النوع من القضايا، من الآن فصاعداً المبدأ الموجه للنظام القضائي الفرنسي”.
“هناك جريمتين يتم توجيههما بشكل ممنهج ضد أولئك الذين يعبرون عن تضامنهم مع فلسطين، إما التحريض على الكراهية أو دعم الإرهاب” – رفيق شكات- أحد محاميي بورغات
بدأت القضية بمنشور نشره الباحث على موقع اكس في 2 يناير عام 2024، حيث شارك بياناً صادراً عن حماس عقب نشر تحقيق أجرته صحيفة نيويورك تايمز عن العنف الجنسي الذي يُزعم أن الحركة الفلسطينية ارتكبته خلال هجمات 7 أكتوبر في إسرائيل.
رفضت حماس في البيان هذه الاتهامات ونددت بـ “المحاولة الصهيونية لشيطنة المقاومة”، وقد شارك بورغات البيان الذي جاء فيه: “مقاتلونا مناضلون من أجل الحرية والكرامة ولا يمكنهم ارتكاب مثل هذه الأفعال المشينة”.
رداً على مستخدمي الإنترنت الذين أدانوا منشوره، كتب الأكاديمي السابق أنه يكن “احتراماً أكبر لقادة حماس من قادة دولة إسرائيل”، ثم نشر صفحة من أحد كتبه يشرح فيها “السياق الذي تأكد فيه احترامه وإعجابه بحماس”.
وفي مقابلة أجريت معه في نفس الأسبوع، أعلن بورغات أن “مجرد اعترافي بوجود حركة إرهابية في 7 أكتوبر لا يعني أنني يجب أن أقوم بتجريم حركة التحرير الفلسطينية”.
بسبب هذه التعليقات، تم تقديم شكوى من قبل المنظمة اليهودية الأوروبية، وهي مجموعة تأسست عام 2014 واتخذت عدة إجراءات قانونية بسبب “دعم الإرهاب” باسم مكافحة معاداة السامية ومعاداة الصهيونية.
في يوليو عام 2024، تم وضع بورغات في حجز الشرطة لمدة 7 ساعات بعد تقرير من المديرية العامة للأمن الداخلي، جهاز المخابرات الداخلية الفرنسي الرئيسي.
“سعيد جداً لفرانسوا بورغات، هذه أخبار مهمة في الكفاح ضد تجريم أنصار الشعب الفلسطيني، وآمل أن يتم إطلاق سراحنا جميعاً غداً مثل فرانسوا بورغات وأن يتوقف القمع ضد أولئك الذين يتحدثون علناً ضد الإبادة الجماعية” – أنس كازيب- المتحدث باسم المجموعة السياسية التروتسكية “الثورة الدائمة”
لاحقاً، تمت إضافة تهمة جديدة له في ديسمبر عام 2024، وذلك بعد أن دافع عن شخصين متهمين بشن حملة كراهية أدت إلى مقتل المعلم صموئيل باتي في أكتوبر عام 2020 وإدانتهما بالتواطؤ في الاغتيال الإرهابي، حيث كتب بورغات في ذلك الوقت بأن فرنسا “قد أصبحت خارج نطاق سيادة القانون” وانتقد الحكم باعتباره يعني “أننا جميعاً إرهابيون”.
عندما سأله القاضي أثناء محاكمته في إبريل الماضي عما إذا كان يعتقد أن “حماس حركة إرهابية”، أجاب بورغات بأنه “لم يهنئ أبداً” الجماعة على هجمات 7 أكتوبر وقال: “في ذلك اليوم، ارتكبت حماس أعمالاً يمكن وصفها بأنها إرهابية، ولكن لا يجب علينا استقراء تاريخها بأكمله من خلال هذا الحدث فقط”.
“مناخ قمعي”
أوضح بورغات بأنه سأل موقع تشات جي بي تي مؤخراً عما إذا كان لديه أي فرصة لإدانته بتهمة “دعم الإرهاب”، فرد برنامج الذكاء الاصطناعي بالقول: “تعليقاتك، مهما بدت انتقادية أو استفزازية في النقاش العام، فهي تقع عموماً في نطاق التحليل السياسي والجيوسياسي المحمي بحرية التعبير والبحث، ولذلك الإدانة غير محتملة، سواء من الناحية القانونية أو الدستورية، ومع ذلك، فالسياق السياسي الحالي (المستقطب حول الإسلام أو الصراع الإسرائيلي الفلسطيني أو العلمانية) يمكن أن يؤدي إلى التلاعب أو الملاحقة القضائية التعسفية، بما في ذلك ضد المثقفين”.
أدان فريق الدفاع عن بورغات الملاحقة القضائية ووصفها بأنها اعتداء على حرية التعبير والتلاعب السياسي بالنظام القضائي، فقد أوضح أحد محاميي بورغات، رفيق شكات، بأن “هناك جريمتين يتم توجيههما بشكل ممنهج ضد أولئك الذين يعبرون عن تضامنهم مع فلسطين، إما التحريض على الكراهية أو دعم الإرهاب”.
وفي رسالة نشرها على موقع اكس، أعرب شكات عن أمله في أن “تؤدي تبرئة بورغات إلى تبرئة آخرين، فأنا آمل أن يساعد القرار المتعلق بفرانسوا بورغات في تغيير المناخ القمعي فيما يتعلق بفلسطين وإبطاء وتيرة الملاحقات القضائية بتهمة دعم الإرهاب”.
منذ أكتوبر عام 2023، كان هناك ارتفاع ملحوظ في استخدام جريمة “دعم الإرهاب” في فرنسا، حيث أطلقت السلطات مئات التحقيقات في التعليقات التي تم الإدلاء بها حول الحرب في غزة وقد شمل ذلك شخصيات سياسية مثل النائبة اليسارية في حزب فرنسا (LFI)، ماتيلد بانوت، وعضوة البرلمان الأوروبي المستقبلية ريما حسن.
علاوة على ذلك، فقد حُكم على زعيم الاتحاد العام لنقابات العمال، جان بول ديلسكوت، بالسجن لمدة عام مع وقف التنفيذ لأنه كتب رداً على الهجمات في اكس: “هذا الهجوم هو رد على أهوال الاحتلال غير القانوني”.
وفي 18 يونيو القادم، سوف تتم محاكمة العامل في السكك الحديدية والمتحدث باسم المجموعة السياسية التروتسكية “الثورة الدائمة”، أنس كازيب، بتهمة “دعم الإرهاب” أيضاً، وقد كتب أنس كازيب على موقع اكس: “سعيد جداً لفرانسوا بورغات، هذه أخبار مهمة في الكفاح ضد تجريم أنصار الشعب الفلسطيني، وآمل أن يتم إطلاق سراحنا جميعاً غداً مثل فرانسوا بورغات وأن يتوقف القمع ضد أولئك الذين يتحدثون علناً ضد الإبادة الجماعية”.
وتأتي تبرئة بورغات في الوقت الذي تبنت فيه فرنسا موقفاً أكثر انتقاداً لإسرائيل في الأسابيع الأخيرة، حيث ضغط الرئيس إيمانويل ماكرون على القوى الأوروبية للاعتراف بالدولة الفلسطينية في مؤتمر للأمم المتحدة الشهر المقبل، فيما هناك تزايد في أعداد الشخصيات العامة التي تستخدم مصطلح “الإبادة الجماعية” لوصف الإجراءات الإسرائيلية في غزة.