تحت سيطرة الدعم السريع: كيف تحوّل أكبر حقل نفطي في السودان إلى ورقة حسم في اقتصاد الحرب؟

ترجمة وتحرير موقع بالعربية

أحرزت قوات الدعم السريع تقدّمًا عسكريًا جديدًا واسع الأثر بعد سيطرتها، يوم الاثنين، على أكبر حقل نفطي في السودان، في تطوّر يعمّق مكاسبها جنوب البلاد ويمنحها نفوذًا اقتصاديًا غير مسبوق على حساب الجيش السوداني.

تقع بلدة هجليج في حوض المجلد على الحدود بين ولاية جنوب كردفان السودانية وولاية الوحدة في جنوب السودان، وتضمّ 75 بئرًا نفطيًا ومنشآت معالجة وتخزين حيوية، كما تمثل محطة رئيسية في خط نفط النيل الأكبر الممتد لنحو 1600 كيلومتر من حقول جنوب السودان حتى ميناء بورتسودان.

وبعد السيطرة على الجزء الذي يمر عبر غرب كردفان باتجاه الأبيض، أصبحت قوات الدعم السريع تتحكم فعليًا في المقطع الأكثر حساسية من البنية التحتية النفطية المشتركة بين السودان وجنوب السودان، ورافقتها فرق من المهندسين المتخصصين للعمل داخل هجليج.

وفي بيان لها قالت قوات الدعم السريع: “إن تحرير منطقة هجليج النفطية يمثل نقطة محورية في تحرير كامل الوطن، نظرًا لأهميتها الاقتصادية”.

تقدم استراتيجي تدعمه الإمارات

ويقول الباحث عماد الدين البادي، مؤلف تقرير حديث حول اقتصاد الحرب في السودان، لـ ميدل إيست آي: “إن سقوط غرب كردفان عسكريًا يفتح ممرًا نحو الأبيض، ثم طريقًا إلى أم درمان والخرطوم… وهو الهدف الاستراتيجي لقوات الدعم السريع، والذي تدعمه الإمارات عبر الإمداد والتمويل”.

ورغم نفي أبوظبي المتكرر دعمها لقوات الدعم السريع، تواصل الأدلة، التي وثقتها الأمم المتحدة ووسائل إعلام عديدة، الإشارة إلى دور إماراتي حاسم في توفير المال والسلاح.

ويضيف البادي: “اقتصاديًا، تمثل هجليج عقدة نقل حيوية، والسيطرة عليها وعلى مصفاة الأبيض يمنح الدعم السريع مصدر دخل إضافيًا ويُرسّخ اقتصاد الحرب الخاص به”.

انهيارات في صفوف الجيش وتقدم متسارع للدعم السريع

كان الدعم السريع قد سيطر في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول على مدينة الفاشر، آخر معاقل الجيش في دارفور، بعد حصار دام أكثر من 500 يوم، وسط تقارير مروّعة عن عمليات اغتصاب وإعدام جماعي بحق المدنيين.

وبعد الفاشر، توسّع الدعم السريع نحو كردفان الغنية بالذهب والنفط، مستفيدًا من دعم فصيل الحركة الشعبية-في الشمال بقيادة عبد العزيز الحلو، وخلال الأسابيع الأخيرة، استولى على بُبانوسة، مقرّ الفرقة 22 مشاة، ثم هجليج، ما جعله يتحكم بكامل غرب كردفان وبجزء حيوي من اقتصاد البلدين.

ويقول البادي:”مع سيطرة الدعم السريع على هجليج، ستحاول الإمارات تعظيم المكاسب السياسية والعسكرية والاقتصادية من ذلك”.

وبدأت قوات الدعم السريع يوم الثلاثاء مهاجمة أم روابة في شمال كردفان بطائرات مسيّرة، بينما تقترب من مدينة الأبيض ذات الأهمية الإستراتيجية، حيث توجد مصفاة نفط وفرقة خامسة للجيش معززة بشكل كبير.

موقف جنوب السودان… بين القلق والانقسام

أكّد مصدر عسكري لـ ميدل إيست آي أن لواء المشاة 90 انسحب من هجليج بعد اتفاق مع زعماء من قبيلة المسيرية والجيش الشعبي في جنوب السودان، الذي عمل سابقًا جنبًا إلى جنب مع الجيش السوداني لتأمين الحقول المشتركة.

وتُعد هذه الحقول شريان الحياة لاقتصاد جنوب السودان الذي يعتمد بالكامل تقريبًا على النفط وخط الأنابيب إلى بورتسودان.

وبثّ التلفزيون الجنوب سوداني مشاهد لجنود من الجيش الشعبي مع مقاتلي الدعم السريع داخل هجليج، في إشارة إلى أن الجيش الشعبي فضّل الانسحاب أمام التقدم السريع لقوات الدعم السريع بدلًا من مواجهة صدام مباشر.

ويقول المحلل جهاد مشامون: “أعتقد أن المسؤولين في جنوب السودان منقسمون بشأن دعم قوات الدعم السريع، وأحد الأسباب هو خضوع الحكومة لنفوذ الإمارات، التي تضغط لضمان عدم مهاجمة الدعم السريع لخطوط النفط”، مشيرًا إلى صفقة قرض بقيمة 12 مليار دولار مع شخصية من أسرة آل نهيان الحاكمة.

النفط… قلب اقتصاد الحرب

قبل اندلاع الحرب في أبريل/نيسان 2023، كانت هجليج تنتج نحو 40 ألف برميل يوميًا وتعالج 130 ألف برميل من النفط الجنوب سوداني، وفي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، عطّلت هجمات بطائرات الدعم السريع المسيّرة تشغيل الحقل، ما اضطر جوبا لإغلاقه جزئيًا.

وأكد مهندس في هجليج لوكالة الأنباء الفرنسية أن قوات الدعم السريع أغلقت المنشأة بالكامل ووقفت الإنتاج وتمّ إجلاء العاملين إلى جنوب السودان.

وقال مصدر مطّلع إن الدعم السريع يسعى للحصول على حصة أكبر من عائدات النفط، بينما يتطلع رجال أعمال مرتبطون به لنقل النفط عبر شاحنات إلى خارج السودان لتكريره.

وتسيطر قوات الدعم السريع أيضًا على حقول نفط في دارفور كانت تديرها شركات صينية حتى اضطرها ذلك للانسحاب مع بداية الحرب.

السودان… على طريق الانقسام؟

مع سيطرة الدعم السريع على دارفور وغرب كردفان، بات السودان فعليًا مقسّمًا إلى شطرين: الجيش يسيطر على الشمال والشرق والوسط بينما يسيطر الدعم السريع على الغرب وجزء كبير من الجنوب.

ويرى مشامون أن سيناريو الانقسام على غرار ليبيا غير مرجح حتى الآن، لأن الجيش السوداني يحتفظ بساحل البحر الأحمر ويحافظ على ببيروقراطية دولة قائمة، بينما يفتقر الدعم السريع إلى هيكل إداري مماثل.

لكن البادي يرى تشابهًا واضحًا بين ما تفعله قوات الدعم السريع اليوم وبين ما فعله اللواء الليبي خليفة حفتر ويوضح: “كما استخدم حفتر سيطرته على الهلال النفطي كورقة ابتزاز سياسي، يمكن لقوات الدعم السريع أن تفعل الأمر نفسه الآن، البنية النفطية أصبحت أداة تمويل للحرب ومصدر قوة تفاوضية”.

للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة