تحديات خطيرة أمام القوة العربية في غزة: حماية المدنيين أم خدمة الأجندة الأمريكية؟

بين تعقيدات السياسة ومخاطر الميدان، تلوح في الأفق مهمة محفوفة بالمخاطر لقوات حفظ السلام العربية والإسلامية المزمع نشرها في قطاع غزة.

وتكمن هذه التعقيدات في تساؤلات حادة حول كيفية رد هذه القوات على جيش الاحتلال في حال تعرّضت لنيرانه، والمخاوف في الطرف الآخر من أن يُنظر إليها كامتداد لسلطة الاحتلال بدل أن تكون قوة لحماية الفلسطينيين.

وفي هذا الشأن، يقول مسؤول أممي متمرّس في مهام حفظ السلام في المنطقة لموقع ميدل إيست آي: “هذا ليس افتراضًا نظريًا، فحتى قوات اليونيفيل في جنوب لبنان تعرضت لهجمات من دولة الاحتلال خلال العامين الماضيين، حيث تصرّف هناك الجنود الأيرلنديون والإيطاليون بضبط النفس، لكن ماذا لو كان الجنود مصريين أوأردنيين وتعرّضوا لنيران الاحتلال؟”.

ورغم أن مصر والأردن ترتبطان باتفاقات سلام مع دولة الاحتلال، إلا أن العلاقات تُدار غالبًا على مستوى المخابرات والقيادات العليا، لأن الشعوب والجنود في كلا البلدين يكنّون عداءً شديدًا للاحتلال بسبب استمرار احتلاله للأراضي الفلسطينية.

ففي أيار/مايو 2024، استشهد جنديان مصريان في تبادل لإطلاق النار مع قوات الاحتلال قرب مدينة رفح الحدودية.

مخاطر قوة “الاستقرار الدولية”

وفي اللحظة التي ستنتشر فيها، ستواجه القوة الدولية التي يجري التخطيط لتشكيلها تحت مسمى قوة الاستقرار الدولية مجموعة من التحديات السياسية والأمنية المعقدة.

فقد أجرت الولايات المتحدة محادثات مع مصر للمشاركة في تلك القوة، فيما أعلن الرئيس الإندونيسي برابوو سوبيانتو، خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر الماضي، استعداد بلاده لإرسال 20 ألف جندي إلى غزة، كما ذكرت وكالة رويترز أن واشنطن تبحث إشراك كلٍّ من الإمارات وقطر وأذربيجان.

وعليه، فإن إرسال قوة عربية أو إسلامية إلى غزة سيشكل تطورًا غير مسبوق في تاريخ الصراع الفلسطيني مع الاحتلال، إذ يعني تدويل القضية بطريقة لطالما عارضتها دولة الاحتلال.

واللافت أن المبادرة تأتي هذه المرة من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، المعروفة بانتقاداتها الحادة للأمم المتحدة.

لكن، كما يقول جان ماري غيهينو، نائب الأمين العام الأسبق لعمليات حفظ السلام في الأمم المتحدة، فإن نجاح المهمة يعتمد على نظرة الفلسطينيين إليها.

ويقول: “لكي تُعدّ القوة شرعية في نظر الفلسطينيين، يجب ألّا ينظر لها كقوة متعاقدة مع دولة الاحتلال، وفي المقابل، ستعارض دولة الاحتلال بشدة تسليم جزء من أمنها لقوة لا تملك السيطرة المباشرة عليها”.

القاهرة تسعى لتحقيق توازن دقيق

وتسعى مصر، التي يتوقع أن تلعب الدور المحوري في القوة، إلى معالجة المخاوف من الجانبين، فهي تضغط على واشنطن لنشر عناصر عسكرية أميركية مرافقة للقوة داخل غزة، لردع خروقات الاحتلال المحتملة للهدنة.

وبالفعل، أعلنت الولايات المتحدة نيتها إرسال 200 عسكري إلى دولة الاحتلال لمراقبة وقف إطلاق النار، في حين زاد اهتمام القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم) بالملف خلال الأيام الأخيرة.

إلا أن خبراء الدفاع، مثل مايكل أوهانلون من مؤسسة بروكينغز، يستبعدون إرسال قوات أميركية إلى غزة قائلين أن “الولايات المتحدة لن تكون الضامن الأخير الذي تتمناه بعض هذه الدول”.

تفويض أممي أم احتلال مقنّع؟

ولتجنّب صورة “الوكيل عن الاحتلال”، تضغط القاهرة من أجل أن تحظى القوة بتفويض من مجلس الأمن الدولي، ويعتقد دبلوماسيون عرب وغربيون أن هذا التفويض ممكن، نظرًا لإجماع الدول العربية والإسلامية على أهميته. وقال دبلوماسي غربي في المنطقة: “رغم امتلاك الصين وروسيا حق النقض، فإن رغبة هذا العدد الكبير من الدول الإسلامية والعربية في الحصول على غطاء أممي تجعل من المرجح ألا تعارضا القرار”.

ومن المرجح أن تحاكي القوة المزمع إرسالها إلى غزة نموذج القوة العاملة في هايتي بقيادة كينيا والمدعومة أميركيًا، والتي تملك تفويضًا من مجلس الأمن دون أن تخضع لإشراف مباشر من الأمين العام للأمم المتحدة، كما أن قوات الناتو في أفغانستان عملت أيضًا بتفويض أممي مشابه.

وبالرغم من ذلك، فإنه من المتوقع أن تتحمل دول الخليج تكلفة إعادة إعمار غزة وتمويل القوة الجديدة، إذ تبلغ تكلفة بعثة اليونيفيل وحدها نحو 500 مليون دولار سنويًا، دون احتساب نفقات الدول المشاركة.

ويُحذر الخبير الأممي إيان مارتن، الذي قاد بعثات حقوق الإنسان في تيمور الشرقية وليبيا، من مغبة المقارنة بين غزة وتجارب سابقة، قائلاً: “في تيمور كان لدينا دولة قوية مثل أستراليا قادت العملية، أما هنا، فالوضع أكثر تعقيدًا بعشر مرات”.

وتظهر التجارب السابقة مثلما حدث في ليبيا عام 2011 أنه يمكن لتفويض إنساني أن يتحول إلى تدخل عسكري لتغيير الأنظمة، وهو ما تخشاه العواصم العربية، إذ قد تتحول القوة في غزة إلى أداة لتكريس الاحتلال بدلًا من إنهائه.

ويحذر محللون من أن تصبح القوة العربية في غزة أشبه بالسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، التي يراها الفلسطينيون “مكلّفة بإدارة الاحتلال بدل مقاومته”.

مصير حماس ومستقبل غزة

وتنص خطة ترامب المكونة من 20 بندًا على نزع سلاح حركة حماس واستبعادها من أي حكومة مستقبلية في غزة، لكن الخطة تواجه واقعًا مغايرًا على الأرض.

فخلال الأسبوع الجاري، انتشرت أجهزة حماس الأمنية بزيّ جديد ومركبات حديثة، في إشارة إلى استمرار سيطرتها الأمنية رغم الحرب.

ويرى مايكل أوهانلون أن دولًا مثل تركيا وقطر ومصر يمكن أن تضغط على حماس لقبول وجود قوة عربية في غزة، موضحًا: “قد يكون من الأفضل لحماس أن تتعايش مع القوة بدلًا من طردها، لأن ذلك سيفتح الباب أمام عودة الاحتلال مجددًا”، كما أن “القوة العربية قد تُظهر مرونة في تعريف من هو المقاتل في صفوف حماس”.

ووفق محللين، فإن أقصى ما يمكن أن تُحققه القوة هو “احتواء التوتر” لا إنهاؤه، عبر دعم نشوء قيادة فلسطينية جديدة قادرة على فرض سلطة واقعية تُقنع حماس بالتخلي عن سلاحها.

وفي هذه الحالة، ستكون القوة أشبه ببعثة اليونيفيل في جنوب لبنان، التي تعمل منذ عقود في بيئة حساسة بين مقاتلي حزب الله وجيش الاحتلال.

لكن غيهينو يحذر في ختام حديثه من أنه “إذا حاولت القوة التفاهم مع حماس، فسيُقابلها رد إسرائيلي غاضب، وستجد نفسها بين المطرقة والسندان”.

مقالات ذات صلة