على بعد أربعة أيام من إجراء الانتخابات الرئاسية الأميركية، مازال الانقسام سيد الموقف في أوساط القيادة التركية بشأن المرشح الذي تفضله.
ويعتقد المسؤولون الأتراك، الذين تحدثوا إلى ميدل إيست آي بشرط عدم الكشف عن هويتهم، أن أياً من النتيجتين سيكون له تأثير كبير على السياسة الخارجية التركية، فضلاً عن الديناميكيات الإقليمية والعالمية.
ويرى العديد من المراقبين في أنقرة أن الرئيس رجب طيب أردوغان ينتظر نتائج الانتخابات في الولايات المتحدة قبل اتخاذ قراراته السياسية الخاصة، حتى فيما يتعلق بموظفي حكومته.
وبالرغم من ذلك، فقد أبدى المسؤولون تحفظاً استثنائياً حيال تحديد مرشحهم المفضل في فترة الحملة هذه.
وكان التواصل العام الوحيد الذي أجراه أردوغان مع أي من المرشحين هو اتصاله هاتفياً بالرئيس السابق دونالد ترامب بعد إطلاق النار عليه خلال تجمع في بنسلفانيا في يوليو/تموز.
وزعمت تقارير إعلامية في سبتمبر/أيلول أن أردوغان حاول ترتيب لقاء مع كامالا هاريس على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، لكن العديد من المسؤولين الأتراك نفوا ذلك.
وقال مصدر مطلع لـ ميدل إيست آي: “طرح بعض المسؤولين الفكرة، ولكن في النهاية لم يتم تقديم أي اقتراح رسمي لفريق هاريس، لقد حافظنا على مسافة بيننا وبين المرشحين ولم نسعَ إلى لقاء ترامب أيضاً”.
واختار زعماء دول مجاورة أخرى، مثل رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة محمد بن زايد آل نهيان، لقاء ترامب وهاريس في سبتمبر/أيلول على هامش انعقاد الجمعية العامة.
وتقول مصادر في أنقرة أن عدم احتكاك تركيا المباشر مع المرشحين ينبع من أمرين، أولهما أن أنقرة تشعر بالارتباك الشديد بشأن العواقب المحتملة لرئاسة ترامب أو هاريس على علاقة تركيا بالولايات المتحدة، سواءً من حيث المزايا أو العيوب.
ويعتقد العديد من حاشية أردوغان أن رئاسة ترامب قد تعمل بشكل جيد مع الحكومة التركية لأن لدى الطرفين تاريخ من المشاركة في الارتباطات المتكررة، مثل المكالمات الهاتفية والاجتماعات، مما يوفر مساحة للرئيس التركي لتقديم رؤيته بشأن القضايا التي يهتم بها.
فعلى سبيل المثال، خلال مكالمة واحدة في عام 2019، أعطى ترامب أردوغان الضوء الأخضر لشن هجوم عسكري في شمال سوريا سمح لأنقرة بالاستيلاء على مناطق منه وحرمان المنظمات المسلحة الكردية السورية المتحالفة مع الولايات المتحدة من الوصول إلى الحدود التركية.
وعندما فرضت واشنطن عقوبات على تركيا بسبب شرائها لأنظمة الدفاع الجوي الروسية الصنع S-400، اختار ترامب أيضاً أخف حزمة عقوبات عُرضت عليه.
وعلى الرغم من التقلبات، مثل فرض ترامب عقوبات على الوزراء الأتراك بسبب سجن القس الأمريكي أندرو برونسون في عام 2018، يعتقد المقربون من أردوغان أن كلا الزعيمين لديهما عقلية متشابهة ويمكنهما العمل معاً لتحقيق أهداف أوسع.
ويقولون إن بيرات البيرق، صهر أردوغان ووزير المالية السابق، على سبيل المثال، كان على علاقة جيدة بصهر ترامب، جاريد كوشنر.
ومع ذلك، يقول العديد من الساسة في حزب العدالة والتنمية الحاكم وبعض كبار البيروقراطيين في الوزارات التركية ذات الصلة أن هذه صورة مضللة لعلاقة تركيا بواشنطن في ظل إدارة ترامب.
وقال أحد كبار الساسة في حزب العدالة والتنمية: “يقولون دائماً أن ترامب وأردوغان أجريا حواراً جيداً، ما هي الأشياء الملموسة التي حققناها من خلال ذلك؟”.
ويقول آخرون إن الوزارات والمؤسسات التركية لم تكن قادرة على العمل بشكل سليم مع نظيراتها الأمريكية بسبب التغيير المستمر للمسؤولين على الجانب الأمريكي.
كما يشكون من أن ترامب كان غالباً ما يقدم وعوداً وصفقات لا تسفر عن أي تقدم أو متابعة، وأنه وبصرف النظر عن الوعود الكبيرة والتصريحات الساعية إلى جذب الانتباه، لم يتم تحقيق أي شيء تقريباً خلال فترة ولاية ترامب الأولى.
فعلى سبيل المثال، وعلى الرغم من كراهية الرئيس الأمريكي جو بايدن الواضحة لأردوغان، فقد سمح الزعيمان لوزارتي الخارجية والدفاع، فضلاً عن وكالات الاستخبارات، بالعمل معاً والتوصل إلى حل وسط بشأن قضايا مثل انضمام السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي.
وفي وقت سابق من هذا العام، وافقت واشنطن على توقيع صفقة طائرات مقاتلة من طراز إف-16 بمليارات الدولارات مع أنقرة بعد أن صادق أردوغان على عضوية السويد في حلف شمال الأطلسي.
لقد نمت الثقة بين الجانبين تدريجياً إلى الحد الذي باتا فيه يناقشان احتمال بيع طائرات حربية من طراز إف-35 من الجيل التالي إلى تركيا، وكانت إدارة بايدن تمرر رسائل إلى إيران من خلال محاورين أتراك في أنقرة.
وتسري توقعات في أوساط بعض المسؤولين الأتراك بأنه يمكن الحفاظ على هذه الديناميكيات من خلال إدارة هاريس.
فهاريس نفسها ليس لديها العديد من الخطوط الحمراء للسياسة الخارجية والتوقع هو أنها ستستخدم البيروقراطية وخبراء السياسة الخارجية داخل المؤسسة الديمقراطية لصياغة سياسة مؤسسية.
اتخذت مساعي أنقرة السابقة للتواصل مع مسؤولي ترامب قبل انتخابات 2016 طبيعة تجريبية، فعلى سبيل المثال، يمكن اعتبار مستشار الإدارة الأمريكية الحالي للأمن القومي، فيليب جوردون، خبيراً في تركيا، لأنه يتمتع بخبرة كبيرة في العمل في البلاد ومع حكومتها، وهذا قد يعني علاقة مستقرة قابلة للتفاوض بدلاً من الصعود والهبوط الذي شهدته العلاقات في عهد إدارة ترامب
أما السبب الثاني وراء التزام أنقرة الصمت المدروس فهو أن الانتخابات متقاربة بشكل لا يصدق، فعلى مدار أسابيع، بقيت استطلاعات الرأي متقاربة للغاية دون أن يرشح عنها ما يشير إلى أن مرشحاً محدداً من المرجح أن يخرج منتصراً.
لقد فشلت مساعي تركيا للضغط على مستشار الأمن القومي لترامب آنذاك مايكل فلين بشكل كبير عندما تعاملت التحقيقات في نشاطه مع الجهود التركية على قدم المساواة مع التحقيقات في حملات التأثير الروسي.
وهذه المرة، لا تسعى الحكومة التركية إلى أي مغامرات وتحافظ على نهجها التقليدي في التعامل مع الانتخابات الأمريكية.