ترامب لا يحارب معاداة السامية… بل يستهدف منتقدي إسرائيل

ترامب لا يحارب معاداة السامية… بل يستهدف منتقدي إسرائيل

بقلم أنتوني لونشتاين

ترجمة وتحرير مريم الحمد

لك أن تتخيل أن الكوفية والبطيخ قد أصبحت رموزاُ لمعاداة السامية! وذلك وفقاً للتدريب الذي تلقته إدارة شرطة نيويورك في شهر يناير الماضي على يد جماعات مرتبطة باللوبي الإسرائيلي.

وفقاً لوصف  المدير الأمريكي البارز لتحالف الشتات، وهي مجموعة تحارب معاداة السامية وتحويلها إلى سلاح لتيارات يهودية، دوف كينت، فهم “يخلطون بين أي اهتمام بالإنسانية أو الحقوق الفلسطينية، وفي بعض الحالات، الوجود الفلسطيني نفسه ومعاداة السامية، ولا شيء من هذا يزيد من سلامة اليهود”. 

إن الحرب التي يشنها الرئيس دونالد ترامب على التعليم العالي، تحت ستار حماية اليهود، هي مجرد ستار من الدخان حتى لا يُقبل إلا الخطاب المسموح به حول إسرائيل وفلسطين والدين والسياسة الخارجية الأمريكية والإسلام

لا يكاد يمر أسبوع دون أن تخبر وسائل الإعلام الرئيسية والجماعات الصهيونية الجمهور بأن معاداة السامية قد وصلت إلى مستويات قياسية، حتى ذهب رئيس رابطة مكافحة التشهير، جوناثان جرينبلات، مؤخراً إلى نقل ما وصلت له أرقام منظمته إلى شبكة سي إن إن، مدعياً أن الحوادث المعادية للسامية ارتفعت 10 مرات منذ عام 2015.

من جهة أخرى، تعترف رابطة مكافحة التشهير بأن 58% من 9354 حادثة تم تقييمها في عام 2024، كانت “مرتبطة بإسرائيل أو الصهيونية”، ووفقاً لهذا المنطق، فإذا ما ردد أحد المتظاهرين في إحدى الجامعات الأمريكية بعبارة “من النهر إلى البحر، فلسطين ستتحرر”، فهذا خطاب معادٍ للسامية يهدد اليهود.

 يتم تأطير النشاط السلمي المناهض للإبادة الجماعية على أنه مشبوه بطبيعته، ولهذا السبب تدعو مجموعات مثل رابطة مكافحة التشهير إلى فرض الرقابة على تطبيقات الوسائط الاجتماعية الشهيرة، لأننا “لدينا مشكلة مع تيك توك” على وجه التحديد، لأن جمهوره مكون من جيل أصغر سناً وليس مؤيداً لإسرائيل بما فيه الكفاية.

تأطير خطير

من غير المستغرب إذن هذا الاحتفاء اليومي بصور الضحايا القادمة من غزة، حيث تكشف أحدث استطلاعات الرأي العام في الولايات المتحدة عن انخفاض حاد في الدعم لإسرائيل، فقد أبدت غالبية المشاركين الذين تقل أعمارهم عن 49 عاماً وجهة نظر سلبية تجاه إسرائيل.

الحقيقة أنه كلما مرت إسرائيل ومناصروها بأزمة التفوق اليهودي وتجاوزات إسرائيل، السبب الجذري هو معاداة عادت للاحتماء بدعوى معاداة السامية، وهي الكراهية التاريخية غير المبررة ضد اليهود لمجرد أنهم يهود. 

لا شك من أن هذا التأطير خطير وغير دقيق، فمعاداة السامية الحقيقية، أي استهداف اليهود والمعابد اليهودية، تحدث في بلدان متعددة ويجب أن تقلقنا جميعاً، فلا يمكن تبرير أي هجوم ضد اليهود لمجرد أنهم يهود، وتلك آفة يجب محاربتها بقوة مثلها مثل ضرورة محاربة تصاعد الكراهية ضد جميع الأقليات.  

أما الخلط المتعمد بين إسرائيل واليهودية، وهو ما دفعت إليه كل الجماعات الصهيونية السائدة في الغرب تقريباً، فهو يؤجج تلك السردية المغلوطة ولا علاقة له بحماية اليهود بطبيعة الحال!

هل يتحمل الشتات اليهودي العالمي مسؤولية عنف إسرائيل في غزة والضفة الغربية المحتلة ولبنان وسوريا وخارجها؟ الحقيقة أنه ليست هناك صلة ملموسة للعديد من اليهود بإسرائيل وحكومتها إلا من أصوات يهودية صهيونية تحب إسرائيل ورئيس وزرائها أكثر من أمهاتهم!

باعتباري يهودياً، فأنا أعلم أن غير اليهود غالباً ما يشعرون بالحيرة والغضب إزاء الدعم الكامل الذي يقدمه البعض في المجتمع اليهودي لإسرائيل خاصة في دعم الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، ألا توجد خطوط حمراء لديهم؟!

أنا شخصياً لست مندهشاً من أن البعض لا يستطيع التمييز بين اليهود الإسرائيليين ويهود الشتات، خاصة وأن إسرائيل دولة تفتخر بالتفوق اليهودي وتقوم بالتمييز والقتل والاستهداف لغير اليهود وتزعم ومؤيدوها أنه لا يوجد فرق حقيقي في الأيديولوجية أو المعتقدات، فهذه هي الطريقة التي يزدهر بها أحد أشكال معاداة السامية ويتفاقم. 

لقد أدت تصرفات إسرائيل منذ 7 أكتوبر عام 2023 إلى زيادة المشاعر المعادية لليهود في جميع أنحاء العالم، وكلما أسرعنا في عزل وإنهاء النزعة العسكرية الإسرائيلية وتفوقها، كلما كان ذلك أفضل لسلامة وأمن اليهود في جميع أنحاء العالم

الصهيونية ليست هي اليهودية، وعليه فإن معاداة الصهيونية ليست هي ذاتها معاداة السامية، فالصهيونية هي أيديولوجية تدور حول دولة ينبغي تحديها، فيجب على كل دولة أن تلتزم بالقانون الإنساني الدولي وأن تعامل جميع مواطنيها بطريقة إنسانية وعلى قدم المساواة، ومن الواضح أن إسرائيل ومجموعة من الدول الأخرى، لا تريد حتى تحمل هذه المسؤولية الأساسية!

إن إدارة ترامب ملتزمة علناً بمحاربة معاداة السامية كما تدعي، ولكن في الواقع، هذه حرب على اليهود “الأشرار” وأولئك الذين يرفضون الانخراط في صف اليمين في إسرائيل، حيث وقع أكثر من 500 من الحاخامات مؤخراً على بيان يعارض أجندة معاداة السامية التي يتبناها البيت الأبيض باعتبارها مثيرة للخلاف عن عمد.

إن الحرب التي يشنها الرئيس دونالد ترامب على التعليم العالي، تحت ستار حماية اليهود، هي مجرد ستار من الدخان حتى لا يُقبل إلا الخطاب المسموح به حول إسرائيل وفلسطين والدين والسياسة الخارجية الأمريكية والإسلام، ومن يلتزم من مدراء الجامعات فسوف تتم مكافأته بتمويل فيدرالي. 

على سبيل المثال، فإن سياسة التعليم الجادة يمكنها أن تعالج الأسباب التي تجعل الكثير من الشباب على مستوى العالم لا يعرفون سوى القليل عن المحرقة وشرور النظام النازي، أو تكوين فكرة عن تاريخ طويل ونبيل من المعارضة اليهودية للقومية والعنصرية الإسرائيلية. 

لسوء الحظ، فإن الكثير من اليهود الآخرين قد أبدوا إعجابهم بأجندة ترامب والتي تضمنت الإبعاد القسري للناشطين السلميين المؤيدين للفلسطينيين الذين لم ينتهكوا أي قوانين أمريكية. 

ما يستهدف اليوم المسلمين والأقليات الأخرى سوف يعود حتماً لاستهداف اليهود، فأولئك الذين لا يفهمون هذا يجهلون التاريخ وأجندة ترامب اليمينية المتطرفة، فترامب ورفاقه لا يهتمون بمعاداة السامية الحقيقية، بل يريدون مراقبة وإسكات الخطاب المناهض لإسرائيل.

إن استخدام معاداة السامية كسلاح في خدمة التطرف الإسرائيلي ليس علامة على الصداقة تجاه المجتمع اليهودي، فقد أوضح مقال حديث في صحيفة هآرتس تحت عنوان: “انتظروا حتى يتم إلقاء اللوم على اليهود في إسقاط جامعة هارفارد”، بأن بعض الأكاديميين الإسرائيليين قد بدؤوا يدركون المخاطر، ولذلك نشروا رسالة مفادها أن الإدارة الأمريكية “تعزز المشاعر المعادية لليهود وتفسح المجال بسهولة للاستعارات الشوفينية والحصرية والعنصرية”.

من الجدير بالذكر أيضاً أن مبعوث ترامب لمعاداة السامية هو الحاخام يهودا كابلون، وهو عضو متطرف في حركة تشاباد-لوبافيتش وصديق قديم لميريام أديلسون ومؤيد قوي لحملات قمع حرية التعبير.

إن مكافحة معاداة السامية أمر مهم، ويستحق حملة من العمل والتعليم والصرامة الفكرية، فإدارة ترامب غير قادرة ولا ترغب في محاربة هذه الآفة، بل تهدف بدلاً من ذلك إلى إنشاء تجمع إعلامي يكون صدى للأصوات المؤيدة لإسرائيل بهدف تهدئة مؤيديها الأكثر عدوانية، اليهود والمسيحيون والإنجيليون. 

لقد أدت تصرفات إسرائيل منذ 7 أكتوبر عام 2023 إلى زيادة المشاعر المعادية لليهود في جميع أنحاء العالم، وكلما أسرعنا في عزل وإنهاء النزعة العسكرية الإسرائيلية وتفوقها، كلما كان ذلك أفضل لسلامة وأمن اليهود في جميع أنحاء العالم.

مقالات ذات صلة