سمح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لوكالة المخابرات المركزية الامريكية، سي آي إيه، بإجراء عمليات سرية في فنزويلا، مما أدى إلى تعميق تورط الولايات المتحدة داخل الدولة الواقعة في أمريكا الجنوبية والغنية بالنفط، في خطوة تذكرنا بحروب الظل الأمريكية في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي.
وفقاً لتقارير انتشرت إعلامياً، فقد سمح ترامب لوكالة المخابرات المركزية بالقيام بمجموعة من الأنشطة السرية التي تتراوح من العمليات شبه العسكرية إلى الحرب الاقتصادية والإعلامية التي يمكن استخدامها لإثارة البلبلة وعدم الاستقرار والإطاحة في نهاية المطاف بحكومة الرئيس اليساري نيكولاس مادورو.
عندما سئل عن التقارير، قال ترامب: “لقد سمحت لسببين، أولهما أن مادورو وجه السجناء الفنزويليين إلى الولايات المتحدة، ولدينا الكثير من المخدرات القادمة من فنزويلا”.
وفي الوقت الذي انشغل فيه العالم بالغزو الروسي لأوكرانيا والإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل في غزة، فقد عملت الولايات المتحدة ببطء على حشد أسطول عسكري في منطقة البحر الكاريبي.
نشرت الولايات المتحدة مدمرات صواريخ موجهة ومقاتلات من طراز F-35 وطائرات بدون طيار من طراز MQ-9 Reaper وسفن عمليات خاصة في البحر الكاريبي، فيما ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال بأنه أكبر حشد عسكري أمريكي في المنطقة منذ غزو بنما عام 1989.
يذكر أن بعض السفن قادرة على إطلاق صواريخ توماهوك كروز بمدى يصل إلى 2500 كيلومتر، كما يوجد ما لا يقل عن 10 آلاف جندي أمريكي في المنطقة.
“سنوقفهم في البر”
منذ زمن، تشن الولايات المتحدة ضربات جوية قبالة سواحل فنزويلا ضد ما تدعي أنها سفن لتهريب المخدرات، فيما نفت حكومة مادورو هذه المزاعم، مشيرة إلى أن الضربات الامريكية ما هي إلا جزء من محاولة لتغيير النظام.
وقد ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال بأن واحدة على الأقل من السفن الخمس التي قصفتها الولايات المتحدة في المياه الدولية تعرضت للهجوم أثناء إبحارها عائدة إلى الساحل الفنزويلي، فيما أكد ترامب بأنه يدرس مهاجمة فنزويلا بشكل مباشر، فقال: “نحن بالتأكيد نتطلع إلى الأرض الآن لأننا نسيطر على البحر بشكل جيد للغاية، وقد أوقفناهم بالكامل تقريباً عن طريق البحر والآن سنوقفهم عن طريق البر”.
ورداً على سؤال عما إذا كان قد أعطى وكالة المخابرات المركزية أمراً بـ”القضاء” على مادورو، أجاب ترامب: “هذا سؤال سخيف بالنسبة لي، هو ليس سخيفاً، ولكن ألن يكون من السخافة أن أجاوب عليه؟”.
لم يُظهر ترامب أي تردد في نشر القوة العسكرية رغم وعوده بإنهاء الحروب إلى الأبد، ورغم إعراب بعض أعضاء الكونغرس الجمهوريين والديمقراطيين عن قلقهم إزاء استخدام ترامب للقوة، فإنهم لم يضعوا أي عوائق حقيقية في طريقه.
بموجب الدستور الأمريكي، فإن الرئيس هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، لكن الكونغرس لديه سلطة إعلان الحرب، فبعد الحرب العالمية الثانية، قام رؤساء الولايات المتحدة من مختلف المسارات السياسية بتوسيع قدرتهم على شن عمليات عسكرية دون موافقة صريحة من الكونغرس.
أمريكا الجنوبية وانقلابات السي آي إيه
ويعد تبرير ترامب للعمل العسكري في فنزويلا غامضاً، ففي وقت سابق من أكتوبر الحالي، أرسلت إدارة ترامب إشعاراً إلى الكونغرس تطالب فيه بسلطات استثنائية في زمن الحرب على أساس أن عصابات المخدرات في فنزويلا كانت متورطة في “أعمال عدائية” ضد الولايات المتحدة، حيث وصف ترامب عصابات المخدرات بأنها “منظمات إرهابية”، مبرراً الضربات بأنها “دفاع عن النفس”.
لطالما كانت أمريكا الجنوبية مرتعاً للعمليات السرية والانقلابات والحروب بالوكالة الأمريكية خلال الحرب الباردة، ففي عام 1954، دبرت وكالة المخابرات المركزية انقلاباً في غواتيمالا وفي عام 1973، دعمت انقلاباً أوصل أوغستو بينوشيه إلى السلطة في تشيلي.
وفي الثمانينيات، قامت السي آي إيه بتدريب وتسليح وتمويل مقاتلي الكونترا ضد حكومة الساندينستا في نيكاراغوا، وامتدت تلك الحرب السرية إلى الشرق الأوسط، حيث قامت إدارة ريغان ببيع الأسلحة سراً إلى الجمهورية الإسلامية في محاولة لتأمين إطلاق سراح المواطنين الأمريكيين خلال أزمة الرهائن في إيران، كما تم استخدام أرباح المبيعات لتمويل مقاتلي الكونترا.
ويحكم مادورو فنزويلا منذ وفاة هوغو تشافيز في عام 2013، فهو لا يتسامح مع أي معارضة تذكر، وقد قضى على أحزاب المعارضة بما فيها تلك المدعومة من قبل الولايات المتحدة، وأمر بإجراء تدريبات عسكرية بين المدنيين استعداداً لغزو محتمل.
وقد قال مادورو في خطاب ألقاه مؤخراً: “لا للحرب في منطقة البحر الكاريبي، لا لتغيير النظام، لا للانقلابات التي تنظمها وكالة المخابرات المركزية”.