بقلم رغيب صويلو
ترجمة وتحرير مريم الحمد
لقد أثار انهيار نظام بشار الأسد في سوريا قلقاً لدى العديد من دول المنطقة، بما فيها الإمارات ومصر، لكن قلق إسرائيل يظل خاصاً إزاء هذا التطور بعض الشيء.
لقد أشارت لجنة حكومية إسرائيلية مؤخراً إلى أن سوريا، التي يحكمها إسلاميون سنة لا يعترفون بحق إسرائيل في الوجود، يمكن أن تشكل تهديداً أكبر حتى من إيران، وقد أبدت اللجنة الإسرائيلية انزعاجها بشكل خاص من نفوذ تركيا في سوريا، زاعمة أن أنقرة يمكن أن تستخدم الحكومة السورية الجديدة كقوة بالوكالة “لإعادة التاج العثماني إلى مجده السابق”.
تريد أنقرة اليوم لسوريا أن تكون قادرة على الازدهار اقتصادياً واجتماعياً، والصراع مع إسرائيل، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، لا يتوافق مع هذا الهدف
أشار تقرير اللجنة الحكومية الإسرائيلية أيضاً إلى أن أنقرة يمكن أن تعيد تسليح الحكومة السورية الجديدة بسرعة، مما قد يؤدي إلى صراع مباشر بين إسرائيل وتركيا، ولكن هل هذا سيناريو واقعي؟ الجواب هو لا.
رغم قيام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإضعاف العلاقات الثنائية التركية الإسرائيلية بشكل تدريجي، وذلك بقطع العلاقات التجارية ومنع كبار المسؤولين الإسرائيليين من السفر جواً واتهام تل أبيب بارتكاب إبادة جماعية في محكمة العدل الدولية وإلقاء خطابات نارية، إلا أنه ليس هناك ما يشير إلى أن أنقرة تسعى إلى مواجهة عسكرية مع إسرائيل.
يمكن أن يضاف إلى كون تركيا وإسرائيل حليفتان للولايات المتحدة، ولم ينخرطا مطلقاً في صراع عسكري، أن أنقرة ليس لديها الرغبة في مثل هذه المغامرات، خاصة في ظل الصراع المستمر بين إيران وإسرائيل واستمرار حرب الإبادة في غزة.
أهداف تركيا في سوريا
إن أهداف تركيا في سوريا واضحة للغاية، وقد تم إبلاغها علناً لجميع الجهات المعنية، حيث أشار وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، بأن أنقرة تريد سوريا مستقرة لا تشكل أي تهديد للدول الأخرى، كما أن تركيا تتصور إقامة دولة ديمقراطية وحدوية ومدنية في سوريا تحتضن الأقليات وكل المجموعات العرقية، وتمنع في الوقت نفسه تشكيل دويلة يحكمها حزب العمال الكردستاني.
بعد استضافة ملايين اللاجئين السوريين لأكثر من عقد من الزمن وتنفيذ عمليات عسكرية متعددة، كلفت حياة الأتراك ومئات الملايين من الدولارات، تريد أنقرة اليوم لسوريا أن تكون قادرة على الازدهار اقتصادياً واجتماعياً، والصراع مع إسرائيل، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، لا يتوافق مع هذا الهدف.
تحدث تقرير آخر لصحيفة “يسرائيل هيوم” عن خطة إسرائيلية لعقد مؤتمر دولي لتقسيم سوريا، فسوريا المجزأة سوف تكون أرضاً خصبة للجماعات المسلحة، مما يزيد من زعزعة استقرار المنطقة!
لقد أكدت تصرفات تركيا حتى اللحظة على هذه الأهداف بالفعل، حيث غضت أنقرة الطرف عن الحملة الجوية الإسرائيلية والتي دمرت بقايا المنشآت العسكرية لنظام الأسد، ولكن بعد توسيع إسرائيل لعملياتها داخل الأراضي السورية، أرسل هاكان فيدان لإسرائيل برسالة مفادها أن مثل هذه الهجمات يجب أن تتوقف، وهنا تجدر الإشارة إلى أن إسرائيل تجنبت بالفعل ضرب أي أهداف تابعة لهيئة تحرير الشام.
من جانب آخر، فقد أفادت تقارير بأن تركيا اتخذت الخطوات الأولى لإنشاء آلية لمنع الاشتباك مع الجيش الإسرائيلي في سوريا، كما أشارت تقارير أخرى إلى وقوع اشتباكات روتينية بين وكالات الاستخبارات التركية والإسرائيلية.
وأضيف إلى ذلك كله، ووفقاً لمصادري الخاصة، فقد شجعت أنقرة قادة هيئة تحرير الشام على إصدار بيانات تدعو إلى التهدئة مع إسرائيل، وعليه فقد صرح العديد من الشخصيات في هيئة تحرير الشام علناً بأنهم لا يسعون إلى الصدام مع إسرائيل.
مخاطر من التقسيم
وفقاً لجهات الاتصال التركية، فهناك دلائل تشير إلى أن دمشق قد تسعى إلى إشراك أنقرة عسكرياً، وربما نقل المستشارين الأتراك إلى الأكاديميات العسكرية والقواعد الجوية السورية، للمساعدة في إعادة إنشاء جيش سوري موحد تحت إشراف وزارة الدفاع السورية.
لا شك أن تركيا تدرك وجود قلق إسرائيلي من خطوة كهذه، ولذلك ما تحاول تركيا أن تؤكده هو أن عمليات الانتشار التركية في سوريا سوف تكون محدودة، فلن يذهبوا إلى ما هو أبعد من حماة ودمشق، وذلك في محاولة لطمأنة إسرائيل بأن تصرفات أنقرة ليست عدائية.
أما إسرائيل، فعليها أن تدرك أن أنقرة لن تتسامح مع وجود دويلة يسيطر عليها حزب العمال الكردستاني في شمال سوريا، فتركيا تؤكد باستمرار على ضرورة دمج الجماعات الكردية في دولة سورية موحدة.
وعلى الجانب الآخر، فقد أشار تقرير إسرائيلي مؤخراً إلى أن تل أبيب تفضل سوريا مقسمة لحماية مصالحها الأمنية، فيما تحدث تقرير آخر لصحيفة “يسرائيل هيوم” عن خطة إسرائيلية لعقد مؤتمر دولي لتقسيم سوريا، فسوريا المجزأة سوف تكون أرضاً خصبة للجماعات المسلحة، مما يزيد من زعزعة استقرار المنطقة!
من الواضح أن القيادة الإسرائيلية تفضل التعامل مع الأنظمة الاستبدادية، التي تعتبر أكثر اعتماداً على المعاملات وأكثر جدارة بالثقة في سياساتها القمعية، مما يجعل تبرير وتقبل حرب إسرائيل على غزة والضفة الغربية المحتلة أسهل بالنسبة لإسرائيل.
لقد أصبح لتركيا صديق في دمشق اليوم، ومن المتوقع أن يستفيد أردوغان من هذه العلاقة على جبهات متعددة، محلياً واقتصادياً وإقليمياً، لكن هذا لا يعني أن الحكومة السورية الجديدة ستصبح وكيلة لتركيا، بل سوف تحظى سوريا لأول مرة بإدارة شرعية تركز على أمر واحد فقط، وهو إعادة بناء البلاد لتصبح مكاناً للسلام والرخاء.