بقلم لبنى مصاروة
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
منذ توليه منصبه، حث الرئيس الأميركي دونالد ترمب مصر والأردن وغيرهما من الدول ذات الأغلبية المسلمة على إعادة توطين الفلسطينيين بعد تهجيرهم من غزة، ورغم رفض الفلسطينيين بشدة لمقترحه، إلا أنه ظل يهيمن على الصفحات الأولى في كل صحيفة إسرائيلية تقريبا.
وكان وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، الذي زعم العام الماضي أن تجويع الفلسطينيين في غزة “مبرر وأخلاقي”، صريحاً في دعمه للفكرة، حيث صرح قائلاً: “بعد 76 عاما من احتجاز معظم سكان غزة قسرا في ظروف قاسية للحفاظ على الطموح بتدمير دولة إسرائيل، فإن فكرة مساعدتهم في العثور على أماكن أخرى لبدء حياة جديدة وأفضل هي فكرة عظيمة”.
وبدا المراسل العسكري البارز في صحيفة يديعوت أحرونوت، يوسي يهوشوا، مؤيداً بحزم لهذه الفكرة، حيث قال: “ربما حان الوقت لتبني اقتراح ترمب ومناقشة النفي الطوعي من غزة”.
وفي مؤتمر صحفي مشترك عقده مع رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو يوم الثلاثاء، ذهب ترمب إلى أبعد من ذلك وأعلن أن الولايات المتحدة ستتولى السيطرة على غزة وإدارتها، ربما في المستقبل المنظور.
وبعد وقت قصير من شن دولة الاحتلال لحربها على غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، ظهرت مخاوف بسرعة من أن تنفذ خطتها غير المعلنة لتطهير القطاع من الفلسطينيين عرقياً.
ونظراً للمستوى العالي من الدعم الذي كانت دولة الاحتلال تتلقاه من داعميها الغربيين، خشي الكثير منا أن ينتظر الفلسطينيين في القدس والضفة الغربية، وفي نهاية المطاف، حتى أولئك الذين يعيشون في أراضي فلسطين التاريخية التي استولت عليها إسرائيل في عام 1948، مصير مماثل.
هناك اعتقاد حقيقي بأنه مهما ساءت الأوضاع، فإن الشعب الفلسطيني لن يختفي، فقد نشأ هذا القلق من وثيقة من 10 صفحات أصدرتها وزارة الاستخبارات الإسرائيلية بقيادة الوزيرة جيلا جمليئيل في أكتوبر/تشرين الأول 2023، واقترحت فيها نقل الفلسطينيين قسرا من غزة إلى شبه جزيرة سيناء في مصر
لقد حددت وثيقة جمليئيل ثلاثة بدائل لغزة بعد الحرب، مع الخيار “الذي من شأنه أن يسفر عن نتائج استراتيجية إيجابية طويلة الأجل” تتضمن طرد الفلسطينيين إلى سيناء.
ويوم السبت، رفض وزراء الخارجية والمسؤولون من مصر والأردن والمملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة والسلطة الفلسطينية وجامعة الدول العربية اقتراح ترمب، قائلين إنه من شأنه أن يهدد الاستقرار الإقليمي، وينشر الصراع، ويقوض آفاق السلام.
وقالوا في بيان مشترك: “نؤكد رفضنا لأي محاولات للتنازل عن حقوق الفلسطينيين غير القابلة للتصرف، سواء من خلال الأنشطة الاستيطانية، أو عمليات الإخلاء أو ضم الأراضي أو من خلال إخلاء الأرض من أصحابها”.
وحتى “الدكتاتور المفضل” لترمب، الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أعرب عن معارضته، محذرًا من أن المصريين سينزلون إلى الشوارع للتعبير عن استيائهم.
التحدي الفلسطيني
وسط كل الحديث عن التطهير العرقي، ظل الفلسطينيون صامدين، مع ظهور مشاهد غير عادية في شمال غزة.
وعلى الرغم من تدمير جيش الاحتلال لأحياء بأكملها وتسويتها بالأرض، وتدمير المباني السكنية والمرافق الصحية والتعليمية والبنية الأساسية الحيوية، فقد استمر مئات الآلاف من الفلسطينيين في التدفق شمالاً.
إن صورة رجل يبلغ من العمر 80 عامًا وهو يسير عائداً إلى منزله في شمال غزة بعد نزوحه في الجنوب تستحضر ذكريات النكبة، عندما أُجبر مئات الآلاف على النزوح من منازلهم بسبب الميليشيات الصهيونية والعصابات المسلحة.
ولكن هذه المرة، لم يكن المشهد والمزاج يائسين، فهناك الآن اعتقاد حقيقي بأنه مهما ساء الوضع، فإن الشعب الفلسطيني لن يختفي، ونتيجة لهذا، دخلت وسائل الإعلام الإسرائيلية في حالة من الانهيار التام، حيث رثى الكثيرون مشاهد التحدي الفلسطيني.
فقد عبرت مراسلة القناة 13 السياسية موريا أسرف مؤخرا عن ذلك قائلة: “هذه الصور تجعل كل جسدي يرتجف، هناك شيء ما في عودة سكان غزة إلى منازلهم، وإن كانت مدمرة، ولكن إلى منازلهم، إنه يدفعني إلى الجنون”.
وكتب ماتان زوري، مراسل الأمن في موقع واي نت: “عاد آلاف الفلسطينيين إلى شمال قطاع غزة المدمر، لقد تلاشى حلم الاستيطان اليهودي المتجدد في الوقت الحالي، هذا هو ثمن إنهاء الحرب وإعادة الرهائن، كنا نعلم أن هذا سيحدث، ورأيناه قادمًا، ولم يكن هناك خيار سوى قبوله باستسلام والتمسك بإتمام الصفقة”.
وأيا كان ما سيحدث بعد ذلك فهو تخمين أي شخص، لكن صورة الفلسطينيين العائدين إلى ما تبقى من منازلهم التي تم قصفها كانت أقوى رد حتى الآن على خطة ترامب العنصرية واللاإنسانية.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)