بقلم تقادم الخطيب
ترجمة وتحرير موقع بالعربية
يمثل اختطاف المعارض المصري عبد الرحمن يوسف القرضاوي من قبل دولة الإمارات العربية المتحدة هذا الأسبوع حادثة مهمة سيتردد صداها لأمد طويل في المشهد السياسي في مختلف أنحاء العالم العربي وخاصة في لبنان، فما حدث يشبه تصرفات عصابة إجرامية لا تقيم مراعاة للاعتبارات القانونية أو الإنسانية.
لقد احتجزت السلطات اللبنانية القرضاوي، وهو مواطن مصري تركي مزدوج الجنسية، قبل ترحيله بشكل غير قانوني إلى الإمارات العربية المتحدة على الرغم من عدم وجود روابط مواطنة له بأي من لبنان أو الإمارات، وهو حدث غير مسبوق على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي.
ويمكن تحليل هذه الحادثة على مستويات متعددة، فعلى الصعيد اللبناني المحلي، تثير القضية تساؤلات حول الالتزام بسيادة القانون والمعاهدات الدولية وسلامة مؤسسات الدولة اللبنانية والجهات السياسية الفاعلة التي تسيطر عليها.
وعلى الصعيد الإقليمي، تعكس هذه الحادثة صراعاً أوسع نطاقاً على السلطة داخل الشرق الأوسط المعاد تشكيله، حيث تسعى دولة الاحتلال إلى الهيمنة، إذ لا يمكن فصل قضية القرضاوي عن التغيرات الجذرية التي تشهدها المنطقة منذ بدء حرب غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ومن الناحية القانونية، يثير قرار لبنان بتسليم القرضاوي إلى الإمارات العربية المتحدة العديد من التساؤلات، حيث يتطلب التسليم عادة اتفاقيات ثنائية بين الدول المعنية فضلاً عن ضمانات بأن لا يواجه الفرد الذي يجري تسليمه التعذيب أو محاكمة غير عادلة.
وبينما وصفت مذكرة من الحكومة اللبنانية قضية القرضاوي بأنها “مسألة سيادية”، فمن العدل أن نفترض أن الأساس كان سياسياً وليس قانونياً، فلا توجد معاهدة ذات قوة قانونية تحكم تسليم المجرمين بين لبنان والإمارات العربية المتحدة، وقد أشارت المذكرة إلى أن مبرر الترحيل كان يستند إلى وعد من الإمارات العربية المتحدة بالعمل بالمثل في حالات مماثلة.
مخالفة للمعايير القانونية
وعلاوة على ذلك، فإن التهم الموجهة إلى القرضاوي مرتبطة بآراء شاركها على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أعرب مؤخراً عن أمله في ألا تعوق الدول العربية بما فيها مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة مستقبل سوريا بعد الأسد.
يتعارض الترحيل السريع للقرضاوي وحرمانه من فرصة الاستئناف مع القواعد القانونية ويؤكد على الدوافع السياسية وراء القرار، وتسلط هذه الخطوة الضوء على التعاون بين بعض الدول العربية في قمع المعارضين السياسيين، الأمر الذي يثير المخاوف بشأن التزام هذه الدول بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان.
إن ترحيل مواطن مصري إلى بلد لا يحمل جنسيته يؤكد على هشاشة القضاء اللبناني وافتقاره إلى الاستقلال، كما يكشف عن دور ثروات الخليج في التلاعب بالطبقة السياسية في لبنان.
وفي هذا الصدد، يشير قرار مجلس الوزراء اللبناني إلى أن وزير خارجية الإمارات العربية المتحدة عبد الله بن زايد آل نهيان وعد رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي بأن القرضاوي سوف يتلقى محاكمة عادلة، وهو الوعد الذي يتناقض بشكل حاد مع سجل الإمارات العربية المتحدة السيئ في مجال حقوق الإنسان، كما أن الإجراءات التي اتخذتها لبنان بعد ذلك تكشف عن افتقارها إلى الاستقلال، حيث تعطي الدولة الأولوية للمصالح الاقتصادية على سمعتها وسيادتها.
وعلى الصعيد السياسي، يسلط اختطاف القرضاوي الضوء على الديناميكيات الناشئة وتحولات القوة داخل الشرق الأوسط، ويتماشى مع الجهود الرامية إلى إنشاء نظام إقليمي جديد تهيمن عليه إسرائيل، التي يتم تنصيبها كقائد لتحالف يضم عدداً من الأنظمة العربية ضد محور المقاومة بقيادة إيران.
في هذا الشرق الأوسط المعاد تشكيله، يتم تهميش حقوق الإنسان والقانون الدولي، والقرضاوي ليس الضحية الوحيدة، فقد عانت غزة لفترة طويلة في ظل معادلة مماثلة، حيث يركز الفاعلون الإقليميون فقط على إدارة الصراع بدلاً من حله
لقد اقتصرت الجهود الرامية إلى إنهاء حرب غزة على مفاوضات الأسرى ومحادثات وقف إطلاق النار وتوفير المساعدات الإنسانية، في حين تحافظ الدول على التنسيق القوي مع دولة الاحتلال، وهذا يؤكد على اتجاه إقليمي أوسع للتضحية بحقوق الإنسان من أجل المصلحة السياسية.
الهدف الرئيسي
في الوقت نفسه، يعكس اختطاف القرضاوي استمرار الجهود المضادة للثورة الرامية إلى قمع المعارضة والحركات الثورية في المنطقة، حيث لعب القرضاوي، وهو شخصية بارزة في انتفاضة مصر عام 2011، دوراً رئيسياً في الحركة التي أدت إلى الإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك وكان منتقداً صريحاً للأنظمة الاستبدادية، بما في ذلك من خلال شعره.
لقد جعلت هذه الخصائص من القرضاوي هدفاً رئيسياً للقوى المضادة للثورة في مصر والإمارات العربية المتحدة، فبعد دعم الانقلاب العسكري في مصر عام 2013، سعت الإمارات العربية المتحدة ودول الخليج الأخرى إلى تعزيز سيطرتها على المنطقة باستخدام ثرواتها ونفوذها لقمع الحركات المطالبة بالتغيير السياسي.
وتتشابك ديناميكيات المنطقة بشكل عميق مع الصراع السوري، حيث كان لسقوط الرئيس بشار الأسد آثار كبيرة، وبالنسبة للقوى المضادة للثورة، فقد قوضت الرواية القائلة بأن الانتفاضات الثورية تجلب الدمار الدائم والانقسام، وكانت سوريا بمثابة المثال الأساسي لها.
وعلاوة على ذلك، يُنظر إلى صعود القوى الإسلامية في سوريا، بغض النظر عن انتماءاتها، على أنه تهديد يترافق مع النفوذ التركي المتزايد في المنطقة وتراجع الوجود الإيراني، كما أدى إضعاف حزب الله، بما في ذلك اغتيال زعيمه، إلى تقليص نفوذ إيران، وخاصة في لبنان.
وبالتالي فقد عادت المنطقة إلى التوترات القديمة، التي اتسمت بخوف المحور الخليجي المصري من عودة ظهور الإسلام السياسي وتحالفه مع تركيا التي تسعى من جانبها إلى إحياء مشروعها التاريخي المتمثل في توسيع نفوذها الإقليمي، والاستفادة من دورها في الصراعات مثل تلك في سوريا وليبيا.
إن الإدارة الاستراتيجية التركية لهذه الأزمات، بما في ذلك توسعها المدروس في سوريا، تثبت نيتها طمأنة دول الخليج بينما تعمل في الوقت نفسه على تعزيز مصالحها.
وعليه فإن اختطاف القرضاوي هو نتيجة ثانوية لهذه الديناميكيات الإقليمية المتغيرة، أي إنه يعكس سعي تركيا إلى التوسع الإقليمي، وتحول توازن القوى الداخلي في لبنان في أعقاب تراجع حزب الله، ومحاولات سوريا الإبحار في مواجهة الضغوط المضادة للثورة.
وفي الوقت نفسه، فإن تسليم القرضاوي يسلط الضوء على الاستبداد المتنامي للدول الإقليمية، المستوحى من عبد الفتاح السيسي في مصر، الذي أصبح النموذج المضاد للثورة في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)