تصريحات وزير الصحة البريطاني تربط التضامن مع فلسطين بالإرهاب وتثير انتقادات حقوقية

وجه نشطاء مؤيدين لفلسطين ومنظمات حقوقية انتقادات حادة لوزير الصحة البريطاني ويس ستريتنغ عقب تصريحاته التي ربط فيها شعار الاحتجاج “عولمة الانتفاضة” بما وصفه بـ “التحريض على عمل إرهابي ضد اليهود”.

جاءت تصريحات ستريتنغ في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) يوم الاثنين، بعد يوم واحد من الهجوم الذي أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 15 شخصاً وإصابة 40 آخرين في منطقة بونداي بيتش في أستراليا.

وقال ستريتنغ في المقابلة: “هناك عدد من السذج في هذا البلد ممن استخدموا هذه الكلمات على الإنترنت أو في الشوارع، وهم الآن يشاهدون التلفاز ويقولون أن هذا لا يعني الإرهاب ضد اليهود”.

وأضاف: “أقول لهؤلاء بوضوح وحزم: ماذا تعني عبارة عولمة الانتفاضة برأيكم؟”، قبل أن يضيف متسائلاً: “ألا يرى الناس الرابط بين هذا النوع من الخطاب والهجمات التي تستهدف اليهود بوصفهم يهوداً؟”. 

واعتبر ستريتنغ أن ما حدث هو “ضرب في صميم شعور اليهود في هذا البلد، إذ كان هجوماً على أشخاص تجمعوا للاحتفال بعيد الحانوكا كيهود، وعلى إيمانهم وثقافتهم وعائلاتهم ومجتمعهم”.

وأضاف وزير الصحة البريطاني: “عبارة عولمة الانتفاضة تُستقبل وتُفهم على أنها دعم لأعمال إرهابية ضد اليهود”، مشدداً على أن “من واجب غير اليهود الوقوف إلى جانب المجتمع اليهودي في مواجهة هذا النوع من معاداة السامية”.

وكان أفراد من الجالية اليهودية المحلية في بونداي قد تجمعوا في أول أيام عيد الحانوكا لإحياء مناسبات دينية، عندما أقدم مسلحان على إطلاق النار على الحشد.

من ناحيتهم، رفض نشطاء مؤيدون لفلسطين بشدة هذا الربط، مؤكدين أن شعار “عولمة الانتفاضة” لا يحمل دلالات معادية للسامية ولا يشكل دعوة للعنف.

وأشار النشطاء إلى أن يهوداً بريطانيين شاركوا بانتظام في المسيرات المؤيدة لفلسطين في المملكة المتحدة.

ويُشتق مصطلح “الانتفاضة” من الجذر العربي “نفض”، والذي يعني “التحرك” أو “النهوض”.

وقد أُطلقت تسمية “انتفاضة” في التاريخ العربي على حركات احتجاجية متعددة، كان بعضها سلمياً، فيما شملت الانتفاضات في فلسطين المحتلة أشكالاً من العصيان المدني إلى جانب المقاومة المسلحة ضد دولة الاحتلال.

تقويض لمكافحة معاداة السامية

وعندما سُئل ستريتنغ عمّا إذا كان ينبغي ملاحقة المتظاهرين الذين يستخدمون هذا الشعار قضائياً، رفض الخوض في الأمر، قائلاً إنه لا يريد “تجاوز صلاحياته أو اتخاذ قرارات تعود لوزير الداخلية ورئيس الوزراء”.

لكنه عاد وشدد في الوقت ذاته على أن العبارة “ليست مجرد تعبير عن التضامن مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة”.

وقال بن جمال، مدير حملة التضامن مع فلسطين، إحدى الجهات المنظمة للمسيرات الوطنية الداعمة لفلسطين في لندن، في تصريح لـ ميدل إيست آي: “المحاولات المكثفة داخل المؤسسة السياسية لاستخدام مذبحة معادية للسامية، بشعة وغير قابلة للتبرير، كسلاح لقمع المتظاهرين المطالبين بحقوق الشعب الفلسطيني، هي أمر مشين ويقوض النضال الحقيقي ضد معاداة السامية وضد العنصرية عموماً”.

من جهته، قال إسماعيل باتيل، رئيس منظمة “أصدقاء الأقصى”، إن ستريتنغ “يستغل المأساة بشكل انتهازي لإسكات الأصوات المدافعة عن الحقوق الفلسطينية، ولصرف الأنظار عن الإبادة الجماعية المستمرة في غزة”.

وأضاف باتيل: “تشويه معنى هذا الشعار بهدف تشويه التضامن السلمي هو ما يغذي العنف، وليس العكس”.

وأوضح باتيل أن “الانتفاضة تعني التحرر من الاحتلال، وأن عولمة الانتفاضة تعبير عن تضامن عالمي لإنهاء احتلال غير قانوني والسعي إلى سلام عادل”، مؤكداً على أنه “لا يمكن تحقيق سلام حقيقي للإسرائيليين إذا كان ذلك على حساب حقوق الفلسطينيين”.

دعوات لتشديد القيود

بدوره، قال كبير حاخامات بريطانيا، إفرايم ميرفيس، يوم الإثنين، إن “السماح لفترة طويلة بشعارات مثل عولمة الانتفاضة” أسهم في “التحريض على الكراهية وإلهام الناس لارتكاب أعمال عنف”.

وتساءل الحاخام: “لماذا ما زال يُسمح بذلك؟”، ومضيفاً أن “ما حدث في بونداي بيتش هو المعنى الحقيقي لهذا الشعار”.

وكان رئيس الوزراء كير ستارمر قد قال في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وبعد هجوم دموي على كنيس يهودي في مانشستر أودى بحياة اثنين من المصلين إن الدعوة إلى “تدويل الانتفاضة تمثل دعوة لمهاجمة المجتمعات اليهودية حول العالم”.

وبالعودة إلى بن جمال، فقد أكد أنه يجب إدانة  جميع أشكال العنف العنصري، سواء استهدفت اليهود أو الفلسطينيين.

لكنه أضاف: “يفقد الوزراء أي أساس أخلاقي لإدانة مذبحة بونداي بيتش، طالما يواصلون التواطؤ في الإبادة الجماعية عبر الدعم السياسي والمادي لها، وطالما يكرسون جهودهم لتجريم المتضامنين مع فلسطين بدلاً من محاسبة دولة الاحتلال على جرائمها”.

وتزامناً مع ذلك، تدفع حكومة حزب العمال حالياً نحو تمرير تشريعات جديدة لتقييد الاحتجاجات، تسمح للشرطة بالنظر في “الأثر التراكمي” للتظاهرات المتكررة على المناطق المحلية، وإجبار المنظمين على تغيير مواقع الاحتجاجات المخطط لها.

وقد وُوجهت هذه الإجراءات بانتقادات واسعة، ووصفت بأنها نزعة سلطوية تندرج ضمن مسار متصاعد لتقويض حرية التعبير في بريطانيا، لا سيما فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وسياسات دولة الاحتلال.

مقالات ذات صلة