تعثر صفقة تبادل الأسرى يؤجج الاحتجاجات الإسرائيلية في وجه نتنياهو

أمام مجموعات كبيرة من الإسرائيليين الذين تدفقوا إلى الشوارع الموصلة للكنيست وقف يوآف بنياميني حاملاً صورةً لصديقة ابنه المفقودة كارمل جات.

انقضت ستة أشهر منذ أن أُسرت جات، 39 عاماً، مع 240 آخرين في الهجوم الذي شنته حماس على البلدات الإسرائيلية المحيطة بقطاع غزة يوم السابع من أكتوبر.

بعد ذلك الهجوم، حوّل جيش الاحتلال غزة إلى أرض قاحلة، وقتل أكثر من 33 ألف فلسطيني، لكن 133 إسرائيلياً بينهم جنود ومدنيون إسرائيليون، فضلاً عن 11 أجنبياً ما زالوا أسرى ومن بينهم جات التي تم أسرها من كيبوتس بئيري.

ورغم الاعتقاد بأن 50 من الإسرائيليين المفقودين ربما لقوا حتفهم، إلا أن الأمل بأن جات ماتزال حيةً لا يزال قائماً حيث قال بنياميني، الإحصائي والأستاذ الجامعي “نحن نعرف أن كارمل على قيد الحياة لأن بعض الرهائن الذين تم إطلاق سراحهم قالوا إنهم رأوها وهي تقوم بتدريس اليوغا في غزة”.

وبنياميني واحد من عشرات الآلاف من الإسرائيليين الذين احتجوا خلال الأسبوع الماضي خارج مبنى الكنيست في القدس وأمام مقر إقامة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

وبدأ صبر عائلات الأسرى ينفد بعد نصف عام من الحرب، وارتفعت أعداد المشاركين في المظاهرات المطالبة بعودة الأسرى بشكل حاد خلال الأيام الأخيرة.

كما تلاقت مطالب المتظاهرين دعماً للأسرى الإسرائيليين مع مطالب المتظاهرين المناهضين للحكومة الذين يحتلون نفس الشوارع للمطالبة باستقالة نتنياهو وإجراء انتخابات جديدة.

وقد تواصلت هذه المظاهرات على الرغم من الاشتباكات التي وقعت ليلة الثلاثاء بين شرطة مكافحة الشغب والمتظاهرين الذين تتهمهم الشرطة بمحاولة اختراق الحواجز الأمنية التي أقيمت بالقرب من منزل نتنياهو.

ولا تزال استطلاعات الرأي في إسرائيل حول ما يجب فعله بشأن الأسرى تبعث برسائل متضاربة، فوفقاً لواحد منها أجري يوم الأحد يقول حوالي نصف الجمهور أن إطلاق سراح الأسرى هو أولويتهم الكبرى، ولكن ما يقرب من ثلاثة أرباعهم رفضوا الموافقة على جميع شروط حماس من أجل تحقيق ذلك.

غير أن هذه الاستطلاعات تظهر أيضاً دعماً قوياً ومستمراً للحرب، حيث تشير إلى أن معظم الإسرائيليين اليمينيين والمتدينين يمنحون الأولوية لتدمير حماس على إطلاق سراح الأسرى.

ومنذ بداية الحرب، ظل نتنياهو يصر على أن مهاجمة قطاع غزة بشكل متواصل هو أفضل وسيلة لتحرير الأسرى، متذرعاً بأن الحرب تشكل ضغطاً على حماس.

كما وصف نتنياهو تأمين إطلاق سراح الأسرى بأنه “مهمة مقدسة”، على الرغم من أن هدفه الرئيسي على مازيبدو هو تدمير حماس، وهو الهدف الذي يبدو أقل واقعية يوماً بعد يوم.

ورغم ذلك، فإن الاعتقاد السائد في إسرائيل هو أن الهدف الرئيسي لنتنياهو من الحرب شخصي أكثر من أي شيء آخر ويتمثل في البقاء في منصبه.

وأظهر استطلاع للرأي أجري في يناير كانون الثاني/ يناير أن 15% فقط من الإسرائيليين يريدون بقاء نتنياهو رئيساً للوزراء عندما تنتهي الحرب.

وبالنسبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي فإن إنهاء الحرب على غزة قد يعني إجراء انتخابات جديدة، ونهاية حياة نتنياهو السياسية وبقائه حراً كذلك بالنظر إلى محاكمته الجارية بتهمة الفساد.

ويعتقد عيران عتصيون، النائب السابق لرئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، أن “اللانهاية السياسية” لنتنياهو تمثل عقبة رئيسية في المفاوضات مع حماس.

وقال عتصيون: “كل سلوكه طوال الوقت يشير إلى أنه يعتبر موضوع الرهائن نوعاً من الأضرار الجانبية وهو على استعداد لاستيعابه”.

ومن المزمع أن تتواصل المفاوضات بين حماس وإسرائيل، بوساطة كل من قطر والولايات المتحدة، في العاصمة المصرية القاهرة، وسط توقعات بأن تكون الطريق للتوصل إلى أي اتفاق شديدة التعقيد.

واليوم، تسعى حماس إلى وقف كامل لإطلاق النار، وعودة الفلسطينيين إلى شمال غزة، والانسحاب الكامل لقوات الاحتلال من القطاع، بالإضافة إلى تبادل مجموعة من الأسرى الفلسطينيين والإسرائيليين.

وفي الوقت نفسه، يبدو أن نتنياهو ليس في مزاج يسمح له بإنهاء الحرب، ناهيك عن مغادرة غزة تماماً، فقد قال يوم الأحد إنه “لن يكون هناك وقف لإطلاق النار دون عودة الرهائن”، وتعهد في ذات الوقت بغزو مدينة رفح بجنوب غزة، حيث نزح مئات الآلاف من الفلسطينيين.

وقال غيرشون باسكن هو مفاوض إسرائيلي سابق بشأن الرهائن حماس أن الحركة ترجح أن نتنياهو ليس جاداً، مضيفاً “إنه لا يريد أي اتفاق، وإسرائيل تضيع الوقت فحسب”.

لكنه أضاف أن “الأميركيين أكثر جدية، وقد مارسوا ضغوطاً على كافة الأصعدة” لجلب المفاوضين إلى القاهرة لحضور الجولة الجديدة من المحادثات.

وقال عتصيون أيضاً أن هناك انقساماً بين القيادة السياسية في إسرائيل ومن يسميهم “المختصين” من رؤساء الأجهزة الأمنية المختلفة، مثل الموساد، الذين يديرون المفاوضات.

وتابع: “هناك الكثير من المعلومات مجهولة المصدر والعديد من الرسائل الواردة من المختصين، الذين يقولون أن الاتفاق يمكن تحقيقه، وكان من الممكن التوصل إليه بالفعل من خلال المواقف الأكثر مرونة التي يفضلونها”.

وأردف أن تعنت نتنياهو يظل العقبة الرئيسية أمام أي انفراج، مضيفاً: “نتنياهو لا يزال هو صاحب القرار ولذلك نحن عالقون، ثم هناك الانقسامات بين عائلات الأسرى أنفسهم”.

وفيما تصعد رابطة عائلات الأسرى لدى حماس ضغوطها من أجل التوصل إلى اتفاق فوري، فإن منتدى تكفاه، وهو عبارة عن مجموعة من الأقارب الذين ينتمون إلى القطاع الصهيوني الديني في المجتمع، يظهرون دعماً أكبر لفكرة أن أمن إسرائيل على المدى الطويل والذي يمكن تحقيقه من خلال الحرب يفوق في أهميته سلامة الأسرى.

وجراء هذا التباين، اتُهمت الحكومة بإذكاء الانقسامات في المجتمع، على أمل تخفيف الضغط على نفسها.

وقال باسكن: “ما سمعته هو أن الحكومة تعمل على تسييس قضايا الرهائن وخلق صراعات داخل تجمعات أسرهم ما أدى لإضعاف قضية الرهائن برمتها”. 

وتشكو عائلات الأسرى من تصويرهم على أنهم “يعملون لصالح العدو” في وسائل الإعلام الإسرائيلية اليمينية، ومن تعرضهم لاعتداءات جسدية في الشارع.

وقال يوتام كوهين، شقيق نمرود كوهين، الجندي البالغ من العمر 19 عاماً الذي تحتجزه حماس: “يريد نتنياهو أن يصورنا كسياسيين، وأن عائلات الرهائن تنجذب إلى اليسار”.

وأضاف: “إنه يرسم هذه المعادلة التي تقول إما حماية أمن إسرائيل أو تحرير الرهائن، وهو أمر خاطئ بشكل واضح”.

وعلى الرغم من أن رابطة أسر الرهائن قد حاولت إلى حد كبير البقاء بعيداً عن السياسة، إلا أن العديد من العائلات وجدت نفسها تنحاز الآن إلى المتظاهرين المناهضين للحكومة الذين كانوا يحتشدون أسبوعياً قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر.

لكن باسكن يقول أنه غير متأكد مما إذا كانت المظاهرات التي قادها أصدقاء وعائلات الأسرى في أنحاء إسرائيل خلال الأيام الأخيرة كافية للضغط على نتنياهو للتوصل إلى اتفاق.

وبالنسبة لعتصيون، فإن مصير الأسرى المتبقين يتشابك الآن مع أسئلة حول شرعية حكومة نتنياهو والقلق العام بشأن نهاية الحرب نفسها.

ويعتقد عتصيون أن أغلبية كبيرة من الجمهور الإسرائيلي تفضل التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الأسرى مقابل وقف إطلاق النار ومواصلة المفاوضات بشأن قضايا أخرى. 

ولكنه أشار إلى أن كثيرين أيضاً ما زالوا يشعرون بالقلق والخوف من أن مثل هذه النتيجة يمكن تقديمها باعتبارها انتصاراً لحماس.

ورأى أن التغيير الفوري للحكومة هو “خطوة أولى نحو استعادة ثقة الجمهور ومعالجة التحديات الصعبة التي تنتظرنا”.

وأضاف: “الناس قلقون وخائفون وهم يدركون أن الحرب لا تسير في الاتجاه الصحيح، وأن هذه الحكومة لا تستطيع إنهاء هذه الحرب بطريقة معقولة”.

مقالات ذات صلة