بقلم عزام التميمي
ترجمة وتحرير مريم الحمد
يحمل مصطلح التطرف عمومًا معانٍ سلبية ويطلق على الأشخاص الذين يحملون آراء دينية أو سياسية متعصبة خاصة إذا رافق ذلك أعمال متطرفة، ولكن هل يمكن حقاً استخدام التعريف هذا على إطلاقه؟ أم هناك مساحة وسط وما هو المعيار الذي يمكن الاستناد إليه؟
وفقاً للمعايير التي وضعتها الحكومة البريطانية، فإن الجواب هو القيم البريطانية، ولكن ما هي القيم البريطانية؟ هل هي مبنية على المسيحية أو اليهودية أو أي أيديولوجية أخرى مثل الليبرالية أو العلمانية؟
لو كانت القيم هي الديمقراطية كنظام للحكم وحقوق الإنسان باعتبارها مجموعة من الحقوق الأساسية غير القابلة للتصرف والتي يكرّسها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، هي المعايير التي يتم من خلالها تعريف هذه القيم البريطانية، فإننا لن نواجه مشكلة كبيرة.
يأتي تعريف “التطرف” الجديد في محاولة لإسكات المنتقدين البريطانيين لإسرائيل، التي ترتكب جريمة الإبادة الجماعية في غزة منذ أكثر من 5 أشهر، ولا يسع المرء إلا أن يشتم رائحة النفوذ السعودي والإماراتي
قد نواجه خلافات سياسية بكل بساطة، وخاصة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، فخلال السنوات الخمس والعشرين الماضية من نشاطي داخل رابطة مسلمي بريطانيا (MAB)، لا أذكر أننا كنا على وفاق مع الحكومة البريطانية إلا لفترات وجيزة شملت التعاون لحل الأزمة في مسجد فينسبري بارك في لندن، والجهود المبذولة لتأمين إطلاق سراح صحفي بي بي سي المختطف في قطاع غزة.
وفي الغالب لم تتفق الحركة، مثل العديد من مجموعات المجتمع المدني الأخرى في المملكة المتحدة، مع الحكومة البريطانية بشأن قضايا أخرى، مثل غزو العراق أو الصراع في فلسطين.
في البداية، كانت هذه القضايا كفيلة بنبذ الحكومة للحركة الإسلامية وقادتها، ثم جاء الانقلاب على الديمقراطية والحملة العنيفة على جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وما رافقها من ضغط رعاة الثورة المضادة، السعودية والإمارات، الأمر الذي أدى إلى وضع قائمة سوداء طويلة تضم كل من يُعتقد أن له روابط أو انتماءات وثيقة مع جماعة الإخوان المسلمين!
إسكات المنتقدين
خضعت حكومة رئيس الوزراء البريطاني السابق، ديفيد كاميرون للضغوط وأجرت مراجعة لوضع جماعة الإخوان المسلمين، إلا أن تلك المراجعة لم تسفر عن شيء ذي معنى، فقد كان الهدف على ما يبدو هو إظهار الطبيعة “الإرهابية” للإخوان المسلمين، وبالتالي استرضاء السعوديين والإماراتيين.
والآن، يأتي تعريف “التطرف” الجديد في محاولة لإسكات المنتقدين البريطانيين لإسرائيل، التي ترتكب جريمة الإبادة الجماعية في غزة منذ أكثر من 5 أشهر، ولا يسع المرء إلا أن يشتم رائحة النفوذ السعودي والإماراتي.
الحقيقة أن رئيس الوزراء، ريشي سوناك، ووزير المجتمعات المحلية، مايكل جوف، يقومان بتضليل المجتمع البريطاني حول مفهوم “التطرف”، فهم فعلياً يتهمون الآخرين بما فيهم!
علاوة على ذلك، فبدلاً من العمل على تحسين الظروف المعيشية للشعب البريطاني أو معالجة الفقر والتشرد وعدم المساواة، اختاروا العمل نيابة عن النظام الصهيوني الذي يحتل فلسطين بشكل غير قانوني ويرتكب مجازر ضد شعبها!
أعتقد أن على سوناك وجوف الاهتمام أكثر بشؤونهما الخاصة والابتعاد عن وعظ المسلمين حول دينهم، وهم السياسيون الذين يدعمون المذبحة المستمرة في غزة وانتهاكات حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم العربي!
في حملتهما الجديدة “لمكافحة التطرف”، يبدو أن سوناك وجوف وكأنهما يتصرفان نيابة عن الأنظمة العربية الاستبدادية التي أجهضت الربيع العربي وقتلت الديمقراطية وسجنت آلاف العلماء والمثقفين والمدافعين عن حقوق الإنسان.
تقليص الحريات
إن اتهام MAB، أو حتى جماعة الإخوان المسلمين، بمخالفة القيم البريطانية هو كذب محض، فجماعة الإخوان حركة معتدلة بين كافة الاتجاهات الإسلامية المعاصرة، وقد تم انتخاب ممثليها حسب الأصول في مصر وتونس، وربما كان من المرجح أن يتم انتخاب المزيد في أماكن أخرى من العالم العربي لولا الانقلابات العسكرية والتدخلات الأجنبية ضد الديمقراطية.
المفارقة هي أن سوناك وجوف هما اللذان ينتهكان القيم البريطانية ويقوضان مكانة بريطانيا كدولة ديمقراطية، وذلك من خلال شن حرب على المنتقدين والسعي إلى تقييد حرية التعبير والتجمع وانتهاك حق المواطنين في التشكيك في السياسة الخارجية التي تنتهجها حكومتهم.
إن هذه الحرب، التي يتم شنها ضد التيار الإسلامي الأكثر اعتدالاً في المملكة المتحدة باسم “مكافحة التطرف”، ليست في جوهرها سوى محاولة لمساعدة إسرائيل والأنظمة الفاسدة غير الديمقراطية في جميع أنحاء العالم العربي.
أعتقد أن على سوناك وجوف الاهتمام أكثر بشؤونهما الخاصة والابتعاد عن وعظ المسلمين حول دينهم، وهم السياسيون الذين يدعمون المذبحة المستمرة في غزة وانتهاكات حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم العربي!
إذا كانت الحكومة البريطانية مهتمة حقاً بالوصول للإجماع حول معنى التطرف، فيتعين عليها أن تستشير علماء حقيقيين بدلاً من “الباحثين” أو المستشارين أو مؤسسات الفكر والرأي العنصرية اليمينية، ولكنها حكومة غير حكيمة، ومن حق الشعب البريطاني أن يعرف أن بعض ساسته لا يخدمون الصالح العام، بل يخدمون مصالحهم الشخصية ومصالح أصدقائهم الأجانب في تل أبيب وبعض العواصم العربية.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)