تفيد التقارير الواردة من العاصمة القطرية الدوحة أن المفاوضين هناك باتوا قاب قوسين أو أدنى من التوقيع على اتفاق لوقف إطلاق النار بغية إنهاء 15 شهراً من العدوان الدموي على قطاع غزة.
أما في غزة، فيبدي الفلسطينيون تفاؤلاً حذراً بانتهاء الحرب، لكنهم يعربون عن مخاوفهم بشأن كيفية إعادة بناء قطاعهم المحاصر.
عانى سكان القطاع من هجمات الاحتلال الجوية والبرية والبحرية والتي أسفرت حتى الآن عن استشهاد ما لا يقل عن 46645 منهم وإصابة أكثر من 110 آلاف آخرين، فضلاً عن آلاف المفقودين والمرجح أن يكونوا قد استشهدوا تحت الأنقاض.
وأفادت وزارة الصحة الفلسطينية بأن قوات الاحتلال ارتكبت أربع مجازر في قطاع غزة خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية فقط، أسفرت عن استشهاد 61 فلسطينياً على الأقل وإصابة 281 آخرين.
وبالنسبة لياسمين الفرا، وهي من سكان غزة، فإن فشل المحاولات السابقة للتوصل إلى اتفاق قد أضعفت الشعور بالتفاؤل.
“بصراحة، لا أعرف ماذا بقي، كل دقيقة مليئة بالدماء وفقدان الأرواح، لم يعد لدينا ما نبكي عليه، لكن ينبغي على الإنسان أن يحمد الله، وأن يكون شاكراً له على ما منحنا من الصبر والمرونة التي تمتعنا بها طوال هذا الوقت” – ياسمين الفرا، غزة
وقالت الفرا: “سنبكي على الأنقاض، وسنبدأ من الصفر، سنحاول الاستمرار في الحياة، ونأمل أن يمنحنا الله أياماً سعيدة في المستقبل”.
ووفقاً للمعطيات، فإن حماس ودولة الاحتلال تضعان الآن عبر وساطة قطر ومصر والولايات المتحدة، اللمسات الأخيرة على النقاط الدقيقة لاتفاق لإنهاء القتال.
ويأتي ذلك بعدما ظلت نقاط الخلاف الرئيسية بين الطرفين تتعلق بمصير الأسرى المحتجزين لدى الجانبين والوجود المستقبلي لجنود الاحتلال في غزة، فضلاً عن العودة المحتملة للفلسطينيين النازحين إلى ديارهم في شمال غزة.
ولطالما وجه المراقبون انتقادات لرئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو واعتبروه عقبة رئيسية أمام التوصل إلى تسوية، قائلين إن الاستمرار في الحرب كانت مصلحة له لتجنب تفتيت ائتلافه الحاكم الهش في الداخل.
الشعور بالامتنان
أما بالنسبة لسكان غزة، فإن هذا السياق ثانوي مقارنة بالقلق الأكثر مثولاً أمام ناظريهم والمتمثل في إنهاء عمليات القتل الجماعي التي لم تسلم منها سوى أجزاء قليلة من المنطقة.
فقد قال الطبيب محمد المصري أن أهالي القطاع يراقبون التطورات في الدوحة باهتمام كبير، مضيفاً “نرجو من الله أن تثمر هذه المحاولات للتوصل إلى اتفاق في الساعات القليلة القادمة”.
“نسأل الله أن يكون الإعلان عن الاتفاق إيذاناً بنهاية هذه المجازر الدموية وتجفيف برك الدماء التي سالت، ونأمل أن نلتقي بأحبائنا، وأن تنتهي هذه المجازر، وأن تجتمع الأسر، حيث نتمكن من أن نبوح بحزننا على فقدان شهدائنا ونعتني بجرحانا” – محمد المصري، طبيب في غزة
وأضاف المصري أنه إذا تم الإعلان عن ذلك، فسوف يعود إلى منزله الذي نزح منه في بيت حانون شمال غزة.
ومثل العديد من الذين نجوا من الحرب دون أن يصابوا بأذى جسدي، أعرب المصري عن امتنانه لأنه مازال على قيد الحياة، قائلاً “سنلبس تاج البقاء لكل من عانوا من هذه الحرب، وسنركع امتناناً لله الذي وهبنا الحياة بعد هذه المصاعب”.
وبالنسبة للعديد من الناجين من عدوان الاحتلال الذي وصفته منظمات حقوق الإنسان مثل منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش بأنه “إبادة جماعية”، فإن هناك شعور بأن الحياة الطبيعية لا يمكن أن تعود إلا عندما يعود الناس آمنين مع أحبائهم.
فقد قال أبو عبد الله لـ “ميدل إيست آي” إن الوضع الإنساني في غزة “كارثي” وأن الشتاء أدى إلى تفاقم الظروف الرهيبة، لذلك “يريد الجميع العودة إلى منازلهم وأحبائهم”.
وتفاقمت آثار الظروف الجوية القاسية على الفلسطينيين في غزة بسبب نقص المساعدات الإنسانية والنزوح القسري وتفاقم انعدام الأمن الغذائي.
فمنذ بدء الحرب قبل أكثر من عام، فرضت دولة الاحتلال حصاراً على غزة، وقيدت دخول الإمدادات الأساسية مثل الغذاء والمياه والكهرباء والأدوية والخيام.
وتظهر الأرقام الصادرة عن التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي أن إجمالي سكان غزة، الذي انخفض إلى 2.1 مليون شخص، يعاني من مستويات شديدة من انعدام الأمن الغذائي الحاد.
وبدا أبو عبد الله متفائلاً بحذر تجاه إمكانية أن تلعب إدارة ترامب القادمة دوراً في إنهاء الحرب، وقال “هناك ضغوط على نتنياهو من الدول العربية والحكومة الأمريكية الجديدة لإبرام صفقة”.
على حافة الهاوية
وكانت عدة مصادر قريبة من المحادثات في الدوحة قد أعربت عن تفاؤلها تجاه قرب التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، حيث صرح مسؤول غربي كبير لموقع ميدل إيست آي أن المسودة النهائية لاقتراح وقف إطلاق النار أصبحت الآن في أيدي دولة الاحتلال وحماس.
وفي خطاب وداعه في وزارة الخارجية قال الرئيس الأمريكي جو بايدن يوم الاثنين إن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة “على وشك التمام”، مضيفاً “في الحرب بين إسرائيل وحماس، نحن على وشك التوصل إلى اقتراح طرحته بالتفصيل قبل أشهر، وقد أصبح أخيراً مثمراً”.
وفي إشارة إلى جدية المحادثات، التقى أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بممثلي حماس ومبعوثي الإدارتين الأمريكيتين القادمتين والمنتهية ولايتهما يوم الاثنين كجزء من الجهود الرامية إلى تأمين الاتفاق.
وترأس وفد حماس خليل الحية، في حين يضم الوفد الأمريكي مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، وبريت ماكجورك، مبعوث بايدن إلى المنطقة.
وزار رئيس جهاز المخابرات العامة المصري حسن محمود رشاد الدوحة، وترك خلفه وفداً مصرياً لمتابعة المباحثات.
وقالت الولايات المتحدة وعدة دول أخرى إن وقف إطلاق النار كان وشيكًا من قبل، لكن تقارير عديدة أشارت إلى المحادثات انهارت ولم تكن الثقة بإتمامها عالية.
وقدم المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية ماجد بن محمد الأنصاري تحديثًا مفصلاً عن المفاوضات يوم الثلاثاء، مسلطًا الضوء على التقدم دون أن يغفل الحث على التوصل إلى حل لإنهاء الأزمة الإنسانية المستمرة.
غير أن مسؤولاً غربياً مطلعاً على المحادثات أبلغ “ميدل إيست آي” أن استمرار وقف إطلاق النار وإدارة أي انتهاكات لا تزال قضايا رئيسية قيد البحث.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)