كشف تقرير جديد عن وجود مقبرة جماعية في شمال سيناء يُعتقد أن الجيش المصري استخدمها لدفن جثث أشخاص قُتلوا خارج نطاق القانون خلال حملاته العسكرية بالمنطقة.
التقرير الصادر الاثنين عن مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان، بالتعاون مع وكالة Forensic Architecture البريطانية للأبحاث الجنائية، وثّق أدلة على وجود 36 جمجمة بشرية في مقبرة قرب مدينة العريش، مرجحاً أن العدد الحقيقي للجثث أكبر بكثير، مع بقاء كثير من المفقودين دون أثر.
شهادات وأدلة ميدانية
استند التقرير جزئياً إلى شهادات اثنين من أفراد ميليشيات مرتبطة بالجيش، قالا إنهما نقلا معتقلين إلى المقبرة لتنفيذ الإعدام، مع نفي مشاركتهما المباشرة في القتل. كما تضمن التقرير صوراً ومقاطع فيديو ومشاهدات ميدانية من باحثي المؤسسة الذين زاروا الموقع.
الأدلة أظهرت أن المقبرة تضم أكثر من 300 جثة دُفنت بطرق غير لائقة، حيث وُجدت جثث بملابس مدنية كاملة وأحذية، في انتهاك للأعراف الجنائزية المتبعة. كما عُثر على جماجم بعصابات عيون، ما يشير إلى عمليات إعدام خارج القضاء.
واستخدم فريق Forensic Architecture صور الأقمار الصناعية لبناء تصور ثلاثي الأبعاد للموقع، ورصد آثار نشاط عسكري وإقامة نقاط تمركز قريبة من المقبرة.
“انتهاك صارخ”
إلى جانب المقبرة، وثّق التقرير أربع حوادث غير منشورة سابقاً لعمليات قتل خارج القانون راح ضحيتها 25 رجلاً وثلاثة أطفال.
وقال أحمد سالم، المدير التنفيذي لمؤسسة سيناء لحقوق الإنسان: “الأدلة على وجود مقبرة جماعية وعشرات الإعدامات خارج نطاق القضاء ستبقى جرحاً مفتوحاً لا يُشفى إلا بالعدالة. خلف كل ضحية إنسان وعائلة حُرمت من حقها في العدالة”.
وأضاف أن هذه الانتهاكات الجسيمة، التي ترقى إلى جرائم حرب، ارتكبها الجيش والشرطة لسنوات في ظل غياب كامل للمساءلة.
شاهد من الميليشيات أوضح أنه قرر الإدلاء بشهادته بسبب “المعاناة المستمرة لمئات العائلات التي تنتظر منذ سبع أو عشر سنوات لمعرفة مصير أحبائها المختفين”، مؤكداً اعتقاده بأنهم “أُعدموا ودُفنوا في مقابر جماعية”.
آلاف الضحايا بلا محاكمة
منذ 2013، ينفذ الجيش المصري حملة عسكرية ضد مجموعات مرتبطة بتنظيم الدولة في شمال سيناء. وخلال هذه الفترة، وُجهت له اتهامات واسعة بارتكاب انتهاكات جسيمة ضد المدنيين.
وبحسب بيانات المؤسسة، أعلن الجيش بين 2013 و2022 عن مقتل 5,053 شخصاً واعتقال 14,837 آخرين بدعوى أنهم “إرهابيون”. لكن التقديرات أشارت إلى أن عدد مقاتلي تنظيم الدولة في ذروة نشاطهم عام 2018 تراوح بين ألف و1,500 فقط.
ويرى التقرير أن هذه الأرقام تكشف نمطاً من الإعدامات دون محاكمة و”الاشتباكات المفبركة” التي أعلن عنها الجيش، ما يمثل خرقاً خطيراً للقانون الدولي لحقوق الإنسان وقد يرقى إلى جرائم ضد الإنسانية إذا تم بشكل ممنهج.
تهجير واسع النطاق
إلى جانب القتل، تعرّض سكان سيناء لعمليات تهجير قسري واسعة. ففي أكتوبر/تشرين الأول 2014، وبعد هجمات كبرى نفذها مسلحون في سيناء، أمر الرئيس عبد الفتاح السيسي بهدم كامل مدينة رفح لإقامة منطقة عازلة مع قطاع غزة.
ووثّقت تقارير حقوقية قيام السلطات المصرية بـ تجريف 685 هكتاراً من الأراضي الزراعية وتدمير 800 منزل ضمن هذه العملية.
دعوات للتحقيق الدولي
مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان طالبت مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بإنشاء لجنة مستقلة للتحقيق في الانتهاكات التي ارتُكبت في سيناء خلال الحملة العسكرية، مؤكدة أن “الجرائم ضد سكان سيناء لا يمكن أن تشكل أساساً للعدالة أو السلام الاجتماعي المستدام”.
للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)