قبل أيام، تلقى حازم الفاخوري اتصالاً مقلقاً من المحامي حسن عبادي، أبلغه فيه بزيارة زوجته الكاتبة لمى خاطر في أحد السجون الإسرائيلية.
الأخبار التي قدمها المحامي لم تكن جيدة، فقد كشفت زيارة العبادي للأسيرة خاطر (46 عاماً) والتي اعتقلت مؤخراً، عن المعاملة الفظيعة التي تعرضت لها هي وغيرها من الأسيرات في السجن منذ لحظة اعتقالها وحتى الآن.
اعتقلت خاطر من منزلها في مدينة الخليل بالضفة الغربية المحتلة في 26 تشرين الأول/ أكتوبر ، كجزء من حملة اعتقالات واسعة النطاق استهدفت عددًا كبيرًا من الفلسطينيين، من بينهم أربع نساء، في ذلك اليوم.
ومنذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر، شنت إسرائيل حملة اعتقالات واسعة النطاق في الضفة الغربية، استهدفت أكثر من 2000 فلسطيني، بمن فيهم أسيرات سابقات، وطالبات جامعيات، وزوجات أسرى كرد انتقامي على معركة طوفان الأقصى التي شنتها المقاومة الفلسطينية.
ومنذ ذلك التاريخ، ارتقى أكثر من 10,500 شهيد فلسطيني في العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة.
وكان المحامي العبادي قد زار مجموعة من الأسيرات ونقل شهادة لمى خاطر، التي أخبرته بتعرض الأسيرات للتهديد بالاغتصاب وإخضاعهن “لسياسة التجويع” في المعتقل.
وبعد اعتقالها من منزلها، نُقلت خاطر مكبلة اليدين ومعصوبة العينين إلى مركز شرطة كريات أربع بالقرب من الخليل.
وقال المحامي بحسب ما أخبرته الأسيرة: “هناك، تم تهديدها بالاغتصاب من قبل الجنود الذين قالوا لها: نحن 20 جندياً ويمكننا أن نفعل بك ما نريد. فأنت أسيرة حرب لدينا”.
لكن التهديد كان مجرد البداية، حيث تعرضت خاطر للإساءة اللفظية والمعاملة القاسية، واضطرت كغيرها من الأسيرات، للخضوع إلى عمليات التفتيش العاري.
وأضاف العبادي: “لأول مرة يخبرنني الأسيرات، عندما أزورهن، أنهن يتعرضن لسياسة التجويع، أي أن الوجبات المقدمة لهن قليلة جداً ولا تكاد تكفي لسد الجوع”
وتابع: “كما أخبرتني خاطر أنهن ينمن على الأرض دون مراتب دون توفر ملابس أو بطانيات إضافية”.
حقوق مرفوضة
وفي 27 تشرين الأول/أكتوبر، اقتحمت قوة إسرائيلية سجن الدامون، حيث تُحتجز الأسيرات الفلسطينيات، واعتدت عليهن، دون سبب، وأطلقت قنابل الغاز على غرفهن، كما اعتدت بالضرب المبرح على ثلاثة منهن وعزلت أخريات في الحبس الانفرادي، بحسب المحامي.
إضافة إلى ذلك، تمنع إدارة السجون الأسيرات من الخروج من غرفهن والتنقل بين الأقسام، كما تقصر فترة استخدام الحمام على 15 دقيقة فقط يوميا لكل زنزانة تضم أكثر من سبع أسيرات.
وأردف: “منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر، قمت بزيارة العديد من الأسيرات، وبعضهن جريحات أو مريضات، لكنهن للأسف، يُحرمن من حقهن في العلاج ويُمنعن من نقلهن إلى العيادات الطبية أو زيارة الطبيب”.
وأضاف أن من بين هؤلاء الأسيرات سهير البرغوثي المعروفة باسم أم عاصف البالغة من العمر 65 عاماً، والتي اعتقلت في نفس يوم اعتقال خاطر.
وتعاني أم عاصف من ارتفاع ضغط الدم والسكري، وكانت قد خضعت لعملية جراحية في القلب منذ ثلاث سنوات، لكن إدارة السجون لم تسمح لها بالحصول على أدويتها.
“تخريب كامل”
وقال حازم، زوج الكاتبة والأسيرة لمى خاطر، إنه لم يتفاجأ كثيراً بما قاله له المحامي، لأن سوء معاملة زوجته بدأ منذ لحظة اقتحام المنزل.
وأوضح حازم أن “الجنود بدأوا بإهانتها والتهديد بقتل أطفالنا الخمسة وقطع رؤوسهم”.
وبعد إخبارها بأنها رهن الاعتقال، رفضوا السماح لها بدخول الحمام أو أخذ ملابس إضافية معها.
وحتى الآن، لم يُسمح لخاطر بالتحدث مع عائلتها عبر الهاتف، ولا تزال تنتظر جلسة محاكمة جديدة قد تحولها إلى الاعتقال الإداري دون تهمة، والتي سيتم تجديدها فور انتهاء مدتها.
وقال زوجها: “كان الجنود متعجرفين للغاية ويتحدثون إلينا بطريقة همجية. وقد قيدوا يديها بإحكام داخل المنزل وسحبوها معهم بلا رحمة”.
وأضاف إن أبناءهما يبكون باستمرار منذ ساعة اعتقالها، خاصة ابنهما الأصغر يحيى البالغ من العمر سبع سنوات والمتعلق بها بشدة، لكنه لم يخبرهم بظروف اعتقال والدتهم، بل طمأنهم فقط بأنها بخير وتفتقدهم.
وبعد مرور أسبوع على اعتقالها، اقتحم جنود الاحتلال منزل خاطر مرة أخرى بحجة البحث عن هاتفها، رغم أنهم صادروه عند اعتقالها.
وقاموا بتقييد زوجها وطرحه أرضاً، وحبسوا أطفالهما في الحمام وأغلقوه، ثم بدأوا في تخريب المنزل.
وقال الفاخوري: “لم يكن تفتيشاً، بل كان تخريباً كاملاً. لقد حطموا النوافذ والأبواب، وأزالوا النباتات من أحواض حديقة المنزل والشرفات. ودمروا الأثاث وسرقوا 5000 شيكل (1300 دولار)”.
وأضاف: “لم تكن مصادرة، بل سرقة، لأنني اكتشفت ذلك بعد مغادرتهم. حتى أنهم فتحوا محفظة ابنتي وسرقوا منها الأموال، وصادروا هواتف أبنائي وجهاز كمبيوتر محمول”.
وتابع: “لقد هدد الجنود أيضًا بإحراق منزلنا. قال لي الضابط الإسرائيلي أننا تحت الحكم العسكري الآن وسيفعلون بنا ما يريدون. وقال لي: سأهدم منزلك وأبني مكانه فيلتي”.
وتلقت العائلة اتصالات من ممثل الأمم المتحدة في فلسطين ومن سفارتي النرويج والسويد لفتح تحقيق حول التهديدات التي تعرضت لها خاطر، ويأمل فاخوري أن يؤدي ذلك إلى تخفيف المعاناة التي تعيشها الأسيرات.
وهذا هو الاعتقال الثاني لخاطر، ففي عام 2018، اعتقلت لمدة عام كامل بتهمة التحريض والكتابة “التحريضية” ضد الاحتلال، وقبل أيام من إطلاق سراحها، اعتقل ابنها الأكبر أسامة من داخل حرم جامعة بيرزيت عام 2019، وقضى 22 شهراً في سجون الاحتلال.
لا خطوط حمراء
وتم اعتقال أكثر من 2,280 فلسطينيًا، من بينهم أكثر من 75 امرأة، منذ أن بدأت إسرائيل عدوانها ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر، وقد تم إطلاق سراح عدد منهم بشروط أو بعد أن قام أقاربهم بتسليم أنفسهم.
وهناك 65 أسيرة، بينهن مسنات وقاصرات، معتقلات في سجون الاحتلال الإسرائيلي، يخضعن للمعاملة القاسية داخل السجون الإسرائيلية، وهو ما وثقته المؤسسات المعنية بشؤون الأسرى الفلسطينيين.
وذكرت أماني السراحنة، المتحدثة باسم نادي الأسير الفلسطيني،إن هناك نقطة تحول كبيرة في معاملة الأسيرات، والتي تتميز بسوء المعاملة والضرب والتجويع والحرمان من الضروريات الأساسية وتعريضهن للتهديدات المستمرة.
وأكدت أن إسرائيل تمارس ضغوطاً كبيرة على الأسيرات بحيث يبدو أنه “لم تعد هناك خطوط حمراء”.
وقالت السراحنة: “من بين الشهادات التي وثقناها كانت قصة المسنة عائشة أبو جحيشة (68 عاما) من إذنا غرب الخليل، والتي تم اعتقالها كرهينة للضغط على أبنائها الخمسة لتسليم أنفسهم”.
وأضافت: “تعرضت عائشة لمعاملة مروعة، إذ ظلت مقيدة لساعات طويلة، وحُرمت حتى من شرب الماء”.
فبعد أن قام الجيش الإسرائيلي باعتقالها في 31 تشرين الأول/ أكتوبر من منزلها عند الساعة الثالثة فجراً، وأثناء احتجازها، تم التحقيق معها بشأن أبنائها وتهديدهم بقتلها إذا لم يسلموا أنفسهم.
وخلال اعتقالها الذي استمر حتى الساعة 10:30 مساءً، سمح لها الجنود بشرب الماء مرة واحدة فقط، رغم أنها تعاني من مرض السكري وارتفاع ضغط الدم.
وقالت السراحنة: “هذه القضية تكشف لنا المزيد من الفظائع التي يرتكبها الجنود بحق الأسيرات، فهناك جرائم ترتكب بحقهن دون أي سبب، فقط من أجل الانتقام والتنكيل”.