خلال يوم الاقتراع في 12 كانون الأول/ديسمبر 2019، ظلت الناشطة والكاتبة سونالي باتاتشاريا تتجول تحت المطر حتى المساء وهي تطرق الأبواب لحث الناخبين على التصويت.
وتتذكر باتاتشاريا ذلك اليوم قائلة: “كنت هناك منذ الصباح، أتذكر عودتي إلى المكتب المحلي لحزب العمال في الوقت الذي كنا فيه جميعاً نبكي مع تواصل انخفاض شعبية الحزب في استطلاعات الرأي”.
وتضيف: “لقد بذلت وقتها الكثير من الوقت، لكن في الواقع، لا يبدو الأمر وارداً على الإطلاق حالياً”.
انضمت باتاتشاريا إلى حزب العمال بعد هزيمته في الانتخابات العامة عام 2015، حيث بدا الوضع “يائسًا”.
وقالت: “لم أكن سياسية حزبية أبداً، ولم أكن أعتقد مطلقاً أنني سأكون ناشطة في حزب العمال، ولم أكن مهتمة حقاً بالسياسة الانتخابية، ولم أكن أعتقد فعلاً أن الأمر يستحق قضاء الوقت فيه”.
ولكن سرعان ما أدركت باتاتشاريا أن الحزب “غير قابل للاختراق” بالنسبة للناشطين من أمثالها، فقد لموقع ميدل إيست آي: “كان من الصعب للغاية المشاركة بأي شكل من الأشكال”.
لقد تغير كل ذلك مع انتخاب جيريمي كوربين رئيساً لحزب العمال في عام 2015 وإنشاء حركة مومنتوم، وهي حملة شعبية تأسست لتعبئة أنصاره.
وقالت: “للمرة الأولى، اتصل بي الناس بالفعل، ليس من حزب العمال في دائرتنا الانتخابية، ولكن من مجموعة مومنتوم المحلية، فقلت لنفسي، حسناً، يمكنني المشاركة إذاً”.
شرعت باتاتشاريا في العمل على بناء مجموعة مومنتوم المحلية في والتهام فورست، شمال شرق لندن.
وبعد الانتخابات العامة المفاجئة في عام 2017، عندما شهد حزب العمال أكبر زيادة في حصته من الأصوات منذ عام 1945، تم انتخابها مسؤولة عن الأقليات العرقية في فرعها المحلي.
وتصف باتاتشاريا الآن ما اعتراها من شعور في ذلك الوقت قائلةً: “كان هناك شعور بالتفاؤل، أعتقد أننا جميعاً كنا قد آمننا بأننا قريبون من الوصول إلى الحكم”.
الانخراط في الحزب
وكمثل حال باتاتشاريا، تذكرت منى باني، وهي منسقة أنشطة مجتمعية، أنها أحيطت بالمتطوعين حين ذهبت للترويج للحزب في عدد من المناطق في ذات الانتخابات.
وتقول باني: “كان الناس يتدفقون وكنت اتنقل في مترو الأنفاق من منطقة إلى أخرى فيقال لي إننا غارقون، لقد صدمتني هذه الحقيقة، وكنت أعتقد أن العديد منهم كانوا يفعلون ذلك بصفتهم الشخصية”.
في الأسابيع التي سبقت الثاني عشر من كانون الأول/ديسمبر، قامت باني بجولة على الكليات والجامعات كجزء من حملة شعبية في لندن لتسجيل الطلاب للتصويت.
كانت الشبكة عبارة عن تحالف فضفاض من المنظمين من مختلف الحركات، الذين قاموا بالتنسيق من خلال مجموعات واتس أب وفيس بوك.
تشرح باني ذلك بقولها: “كنت ضمن مجموعة كبيرة على تطبيق واتس أب، أتذكر أنني شعرت أن فيها مئات الأشخاص”.
وتتذكر باني المزيد من التفاصيل قائلًةً: “كنت أجد بعض هؤلاء الأشخاص على مجموعات الواتس أب التي اشترك فيها بد ذلك فأقول واو، لقد عملت مع هذا الشخص في مشروع قبل خمس سنوات، أو رأيت هؤلاء الأشخاص في مظاهرات لأجل فلسطين، أو في تجمعات مناهضة للوحشية البوليسية، والآن هم هنا”.
وقالت باتاتشاريا: “تم توجيه جميع هؤلاء الذين من المرجح أن يشاركوا في الحملات الشعبية إلى حزب العمال”.
أما سام صوان، فقد انضم أيضاً إلى حزب العمال بعد فترة وجيزة من انتخاب كوربين زعيماً له.
وفي انتخابات عام 2017، نشط صوان في أكتون نورث وإيلينج حيث أعيد انتخاب روبا حق كعضو في البرلمان بنسبة تصويت متزايدة بلغت 59.7%.
ويقول صوان: “في ذلك الوقت، كان الأمر مذهلاً، أما الآن، وبالنظر إلى الوراء، فإن الأمر يبدو وكأن فرع الحزب كان يخدعنا، لم تكن أصواتنا لتؤثر في قرارات الحزب”.
وبحسب صوان، فإن مقر الحزب، الذي كان يعمل به معارضو كوربين، لم يكن يُصدر بيانات استطلاع دقيقة للناشطين الذين ينسقون حملات الدعاية، مما أدى إلى تركيز كبير من المتطوعين على المقاعد المضمونة في الاقتراع.
وتابع: “لهذا السبب لا أحب الحزب على الإطلاق، اعتقد أنهم خدعونا بخبث وبطرق مختلفة من خلال تخفيض توقعاتهم المتعمد بشكل مروع”.
وكانت مجموعة مسربة من رسائل واتس أب بين كبار مسؤولي حزب العمال الذين عملوا في مقر الحزب قد كشفت النقاب في عام 2020 عن بذلهم جهوداً لخسارة انتخابات عام 2017 من خلال تحويل التمويل بعيداً عن المرشحين الداعمين لكوربين.
وفي تحقيق أجرته الجزيرة، استناداً إلى مئات الآلاف من الوثائق الداخلية المسربة من حزب العمال تبين أن الناشطين المؤيدين لكوربين والمؤيدين لفلسطين في الحزب قد استهدفوا من قبل مسؤولين غير منتخبين، وواجهوا الترهيب والمضايقة والطرد كجزء من حملة للإطاحة بقيادة الحزب.
وقالت باتاتشاريا: “كنا على دراية بوجود الكثير من التكتيكات الخفية، لكن كان من المذهل حقاً قراءة مستوى ذلك في تقرير فورد، ورؤية المدى الذي وصلت إليه في ملفات حزب العمال، لقد كان ذلك بمثابة جرس إنذار حقيقي لكثير منا سيما الذين لم يقتنعوا تماماً بفكرة السياسة الانتخابية”.
غزة القشة التي كسرت ظهر البعير
عانى حزب العمال من نزيف العضوية والاستقالات بعد هزيمته في عام 2019، وانتخاب كير ستارمر زعيماً له.
فتحت قيادة ستارمر، انخفضت أعداد الأعضاء بمقدار الثلث على الأقل، وانخفضت بنحو 23000 بين كانون الثاني/ يناير وآذار/مارس من هذا العام، بسبب موقف الحزب من غزة.
وألغى ديفيد إيفانز، الأمين العام الذي عينه ستارمر، وحدة تنظيم المجتمع التي تم إنشاؤها في عهد كوربين وأشرف على زيادة في القضايا التأديبية ضد الأعضاء والفروع المحلية.
بقي صوان في صفوف الحزب حتى أكتوبر 2023، عندما تركه بسبب موقفه من غزة، وقال: “كانت غزة آخر شيء، إنها القشة التي قصمت ظهر البعير”.
وأضاف: “شعرت بأنه لم يعد هناك طريق للعودة، نحن نذهب بكل قوتنا لدعم اليمينيين في حزب العمال فقط من أجل فرصة اختصار الطريق إلى نسخة من الديمقراطية الاجتماعية المعتدلة للغاية، أعتقد أنه لا أمل من خلال هذه الوسيلة”.
ويلاحظ في حملة حزب العمال الحالية غياب الزخم الشعبي الذي كان لافتاً في عامي 2017 و2019، وإن كانت لم تختف، بل بان يتم توجيهها إلى أشكال أخرى من التنظيم، مع انضمام العديد من الناشطين السابقين إلى حركة التضامن مع فلسطين الناشئة أو التجمع حول المرشحين المستقلين المؤيدين لفلسطين في الانتخابات المقبلة.
“من الواضح جداً أن العمل من أجل فلسطين هو في المقدمة الآن لتعبئة القوى التقدمية في بريطانيا” – جيمس شنايدر، مدير الاتصالات في Progressive International
وقال جيمس شنايدر، مدير الاتصالات في Progressive International والمؤسس المشارك لـ Momentum، أنه يمكن رؤية التعبئة من أجل فلسطين كل أسبوع تقريباً حيث تتنوع الأنشطة ضد آلة حرب الاحتلال”.
ويشارك صوان حالياً في حملات التضامن مع فلسطين عبر الفنون، ويدافع عن مسرح الحرية في جنين.
وقال: “لم أر قط هذا المستوى من التضامن والتعليم السياسي الواعي يحدث في مجتمعنا من قبل، إذا كنت منسجماً مع ما كنت تؤمن به في عام 2017، فلماذا لا تنظم أنشطةً حول هذه القضية؟”