بقلم تيانا ريد
ترجمة وتحرير مريم الحمد
لقد تم طرد رئيس اتحاد عمال السيارات في كولومبيا-يونايتد، جرانت مينر، من جامعة كولومبيا، وعقوبته هذه هي جزء من حملة قمع ممنهجة ضد نشطاء التضامن مع فلسطين والتي تشمل الاعتقالات والطرد والاحتجاز والترحيل وإلغاء الشهادات.
جاء طرد مينر بعد أيام من اختطاف محمود خليل، وهو خريج حديث من جامعة كولومبيا وناشط فلسطيني، على يد عملاء الهجرة الأمريكيين في شقته المملوكة للجامعة في مدينة نيويورك في 8 مارس الجاري.
خليل مقيم دائم، ولكنه يواجه الآن الترحيل من قبل وزارة الأمن الداخلي رغم منع قاضي المقاطعة في محكمة مانهاتن الفيدرالية مؤقتاً ترحيله القسري، وفي كلتا الحالتين، تتجاهل إدارة ترامب الأوامر القضائية، كما رأينا في قضية الدكتورة رشا علوية، أخصائية زراعة الكلى والأستاذة في جامعة براون.
منذ اعتقاله غير القانوني، نقل خليل رسالته الأولى عبر محاميه، حيث لفت الانتباه إلى المذبحة المستمرة في غزة و”الظلم” الذي يواجهه العديد من السجناء السياسيين اليوم.
جاء في رسالته: “باعتباري طالب دراسات عليا وأكاديمياً سابقاً في جامعة كولومبيا، أشعر بالاشمئزاز ولكن ليس بالصدمة من رفض إدارة الجامعة حماية طلابها بينما تحتضن رجال الشرطة في الحرم الجامعي، فحتى قبل إدارة ترامب، أثبتت جامعة كولومبيا، وهي جامعة نخبوية، فشلها في دعم حقوق الطلاب والعمال والاستثمارات الأخلاقية والنزاهة الأكاديمية، وذلك يشمل الفشل في التحسين المناهض للسود والاعتذار عن العنف الجنسي وإخلاء الطلاب وخرق النقابات والاستثمارات المالية في الإبادة الجماعية والوقود الأحفوري والسجون والتقليل من شأن العلوم الإنسانية وتجريم النشاط السياسي، حيث يحدث كل هذا وسط احتفال بإرث احتجاجات مثل ثورة 1968 والتي بلغت ذروتها في معاداة الفكر الذي يتصور نفسه مثقفاً”.
فشل جامعة كولومبيا
في الوقت الذي يبدو فيه الصهاينة مصرين على جعل خليل عبرة، فهو جزء من حركة تاريخية وحالة معاصرة وهو اليوم واحد من العديد من السجناء السياسيين المحتجزين في الولايات المتحدة.
في الولايات المتحدة، تحظى كل من الجامعة والدولة بدعم المجتمع المدني والصهاينة، وقد تجلى ذلك عندما نشرت الجماعات اليمينية المؤيدة لإسرائيل “قوائم ترحيل” لما يسمى بالمواطنين الأجانب الناشطين في حركة التضامن مع فلسطين.
وفر تعليم “التفكير النقدي” في كثير من الأحيان غطاءً لمصالح الشركات والإمبراطورية، وإن مطالبة الجامعة بالالتزام بقيمها الإنسانية المفترضة هي قضية خاسرة
وتكشف دراسة هذا التعاون عن الروابط بين القمع في قلب الإمبراطورية الأمريكية إن صح التعبير والإبادة الإسرائيلية المستمرة للفلسطينيين، ويشمل ذلك القتل الجماعي المتجدد بعد انتهاك وقف إطلاق النار والحصار الذي تفرضه على الضروريات مثل الغذاء والماء في غزة والغارات الجوية المستمرة والهدم الجماعي للمنازل في الضفة الغربية المحتلة.
وفي الجامعات الأمريكية، واجه الناشطون الطلابيون قمعاً لا مثيل له وتشهيراً فقط لأنهم احتشدوا ضد هذه الإبادة الجماعية والهياكل التي تدعمها، وفي مواجهة سحق الدولة للمعارضة، يتعين علينا أن نعزز دفاعاتنا، لا أن نستسلم للقمع المتواصل للمعارضة الطلابية المتخفية في صورة “مخاوف”.
في الأيام التي سبقت اختطاف خليل، أرسلت إدارة كلية بارنارد، وهي كلية جامعية تابعة لكولومبيا، رجال شرطة للعامل بقمع مع طلاب الكلية، مما أدى إلى اعتقال 9 متظاهرين.
وفي 5 مارس، نظم المتظاهرون اعتصاماً في مكتبة بارنارد ميلستين، وأعادوا تسميتها باسم منطقة الدكتور حسام أبو صفية المحررة تكريماً لطبيب الأطفال الأسير لدى الاحتلال الإسرائيلي والمدير السابق لمستشفى كمال عدوان في غزة.
بعد فترة وجيزة، ألغت إدارة ترامب منحاً وعقوداً فيدرالية بقيمة 400 مليون دولار لجامعة كولومبيا، مشيرة إلى ما وصفته بـ “تقاعس إدارة الجامعة المستمر عن مواجهة المضايقات المستمرة ضد الطلاب اليهود”.
ليست هذه هي المرة الأولى التي تطالب فيها الجامعة، التي سارعت إلى طرد الطلاب وإيقافهم عن العمل وتأديبهم بسبب مشاركتهم في الاحتجاج، شرطة نيويورك باعتقال طلابها، فقبل عام، دعت رئيسة كولومبيا السابقة مينوش شفيق مجموعة الاستجابة الاستراتيجية التابعة لشرطة نيويورك، بكامل معدات مكافحة الشغب، إلى الحرم الجامعي في اليوم التالي لمثولها أمام الكونغرس واستجوابها من قبل سياسيين وصفوا الجامعة بأنها “مرتع لمعاداة السامية والكراهية”.
استهداف الطلاب
تعد جامعة كولومبيا مثالا بارزاً للقمع ضد الطلاب، خاصة وأنها جامعة تابعة لرابطة آيفي وتقع في عاصمة إعلامية ليبرالية، فقد تم القبض على الآلاف من الطلاب في جميع أنحاء الولايات المتحدة وتعرضوا لعنف الشرطة.
ولم تقتصر الأحداث على الولايات المتحدة، فهنا حيث أعمل في جامعة يورك، تم تطهير المخيم من قبل شرطة تورنتو بعد أقل من 24 ساعة من تشييده، كما دعت الجامعة أكبر دائرة شرطة بلدية في كندا إلى حرمها الجامعي، حيث يعاني جزء كبير من الطلاب من العنصرية.
ليس من المبالغة اليوم القول بأننا بتنا في حالة حرب، ويتعين علينا أن نؤكد على أن إنتاج المعرفة كان لفترة طويلة جزءاً أساسياً من الهيمنة الأمريكية، حيث وفر تعليم “التفكير النقدي” في كثير من الأحيان غطاءً لمصالح الشركات والإمبراطورية، وإن مطالبة الجامعة بالالتزام بقيمها الإنسانية المفترضة هي قضية خاسرة وليس بسبب الافتقار إلى المحاولة.
يعتمد الكثيرون أيضاً على شروط الدولة لمحاربة الدولة، وهنا لا أقصد فقط رئيسة جامعة كولومبيا المؤقتة، كاترينا أرمسترونج، التي أعلنت في بيان صدر في العاشر من مارس بأن إدارة الجامعة “سوف تتبع القانون”، ولكنها في نفس الرسالة استحضرت “قيم التعليم العالي” من حرية التعبير وتبادل الأفكار والديمقراطية والمجتمع، كعلاج لكل المشاكل التي تعاني منها الجامعة، والتي تمثل في المقام الأول أزمة تتعلق بالمال والعلاقات العامة.
القمع والمقاومة
لقد أثار اعتقال خليل استياءً كبيراً خاصة بين الأكاديميين، ففي حين أن العديد من الإجراءات التي اتخذتها الدولة وخارجها والتي تنطوي على اعتقال خليل، فيما يتعلق بأوامر الاعتقال والإقامة الدائمة القانونية والمواطنة والإجراءات القانونية الواجبة وغيرها من التدابير الديمقراطية، هي إجراءات شريرة، ناهيك عن كونها مشكوك فيها في ظل السياسات المقننة، إلا أنني أشعر بالقلق أيضاً حول متى وأين ندافع عن قدسية القانون، فقد بات مشبعاً بالكثير من العنف الذي نسعى إلى مكافحته.
يجب علينا أن نكون أكثر جرأة في مطالبنا، فنحن نريد فلسطين حرة ومحمود خليل حراً، ولا نريد رجال شرطة في الحرم الجامعي، ونطالب بدروس مجانية وإعادة الطلاب وإلغاء الديون وتنصل من الدولة الإسرائيلية وإنهاء النكبة وإلغاء الحدود
إن النظام القانوني ليس موقعاً للعدالة الحقيقية، وبالتأكيد ليس المكان المناسب لتحديد الأساليب المناسبة للاحتجاج والمعارضة، فالمناشدة من خلال سردية الطالب المثالي أو المواطن المستقيم الملتزم بالقانون ما هي إلا خرافات مثالية لا تؤدي إلا إلى تعزيز منطق العقاب والتجريم والعنصرية وعنف الدولة والقمع ضد الفئات الأكثر ضعفاً.
في مؤسستي مثلاً، علقت الإدارة مؤخراً عمليات التسجيل في 18 برنامجاً، بما في ذلك دراسات السكان الأصليين ودراسات النوع الاجتماعي والمرأة والدراسات الجنسية، وهذا ينذر بتشويه السردية لإعادة الهيكلة الاقتصادية والتقشف.
قد يكون من السهل القول بأن جامعة يورك لا تفي بالتزاماتها المعلنة فيما تسميه استراتيجية إنهاء الاستعمار والإنصاف والتنوع والشمول و”عقد خيبة الأمل” في كندا، حيث تعتمد هذه الأنماط في مناشدة النظام المفقود للأشياء على خرافة النقاء.
في مقدمة كتابه الصادر عام 1980 تحت عنوان “شروط النظام: العلوم السياسية وأسطورة القيادة”، ينتقد الباحث الراحل سيدريك روبنسون المثقفين لتشبثهم بالوهم القائل بأنه “تحت الفوضى، تسود أنظمة منظمة تديرها مؤسسات سياسية وتكاملات ثقافية واقتصادية مرنة بشكل أساسي”، فلا يوجد مجتمع مستقر، ولا يوجد إطار قانوني عادل، ولا يوجد نظام اجتماعي سياسي متماسك، ولا يوجد زعيم كفؤ لإعادة الأمور إلى ما كان من المفترض أن تكون عليه، ففكرة العودة إلى النظام في حد ذاتها وهم.
على سبيل المثال، لا ينبغي للمشهد السياسي السائد لإدارة ترامب أن يجعلنا نغفل عن كيف قام الليبراليون أنفسهم بتطبيع الإمبريالية الحدودية والعسكرة والاحتجاز الجماعي والتفوق الأبيض، كما يوضح هارشا واليا في كتابه “الحدود والقاعدة: الهجرة العالمية، والرأسمالية، وصعود القومية العنصرية” الصادر عام 2021.
مطالب راديكالية
يجب علينا أن نكون أكثر جرأة في مطالبنا، فنحن نريد فلسطين حرة ومحمود خليل حراً، ولا نريد رجال شرطة في الحرم الجامعي، ونطالب بدروس مجانية وإعادة الطلاب وإلغاء الديون وتنصل من الدولة الإسرائيلية وإنهاء النكبة وإلغاء الحدود، وتطول القائمة التي تصر على الربط بين القمع في الجامعات ونضالات التحرير في فلسطين، وترغب في أن تتحول إلى شعارات متمردة تطالب بمستقبل راديكالي.
من بين المطالب، يبدو أن “دعم الطلاب” هو الأكثر اعتدالاً وقبولاً ومباشرة، وهي مهمة بسيطة ينبغي أن يقوم بها المعلم وضرورة تربوية، ولكن ثبت من الناحية العملية أنها الأكثر غموضاً ايضاً، فهي أكثر من مجرد وظيفة، حيث يتطلب هذا التضامن تجاوز مواقفنا والانحياز إلى النضال.
هذا المعنى أكد عليه الأكاديمي ناصر أبو رحمة في شهر مايو الماضي، الذي كتب بأن الدعم الحقيقي يعني الوقوف مع الطلاب “ليس كمعلمين أو كاتبين، بل كتفاً إلى كتف في شراكة حقيقية، فيا له من شرف أن أشهد هذه الشجاعة وهذا الوضوح، وأن أكون مجرد جزء صغير من هذا الشباك الذي فتحتموه ضد قيد الإبادة الجماعية الخانق”.
تضامن مع فلسطين
تمتلك الجامعة قوة وموارد هائلة بلاشك، ولكننا أيضاً نملك القوة الجماعية للتأثير على كل ذلك، فالطلاب يظهرون الطريق ويعيدون تشكيله، ولذلك ما الذي يعنيه الوقوف معهم حقاً؟
هؤلاء الطلاب بنشاطهم يمارسون أنماطاً من الحرية ويحذروننا جميعاً من أننا إذا واصلنا تقديم التنازلات، فإن المستقبل، ليس فقط للتعليم ولكن لكل شيء، سوف يتأرجح أكثر فأكثر نحو اليمين الفاشي.
الحقيقة أن المحاولات لخنق الإبداع والاحتجاج لا تؤدي إلا إلى حماية الوضع الراهن، ولا يقتصر هذا القمع على سحق المعارضة فحسب، بل يتعلق بجعل فعل التضامن بذاته بعيد المنال.
حتى اليوم، فإن حركة التضامن تثبت عكس ذلك، فالتضامن هو وعد وعد والتزام عاجل بتقاسم المصالح والمسؤوليات والمخاطر، ومن هنا أعبر عن تضامني ليس فقط مع الإيمان بالقوة الراديكالية للخطاب، ولكن أيضاً مع الاعتراف بأن التصريحات وحدها غير كافية لوقف القنابل، فلابد أن يكون التضامن مصحوباً بعمل متواصل ومقاطعة ورفض، وهي الجهود التي لا يمكن تأليفها إلا بالمشاركة.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)