بقلم هشام صفي الدين
ترجمة وتحرير مريم الحمد
قبل أسبوع، وجهت إسرائيل ضربة قوية لحزب الله عبر سلسلة الهجمات التي شنتها على لبنان، بما فيها تفجير أجهزة الاتصالات والغارات الجوية على ضاحية بيروت، التي أدت إلى مقتل العشرات من مقاتلي حزب الله، بما في ذلك كبار قادة وحدة الرضوان الخاصة، بالإضافة إلى ارتفاع معدلات الضحايا بين المدنيين.
علاوة على ذلك، فقد صعدت إسرائيل من هجماتها عبر شن قصف عنيف على جنوب لبنان وسهل البقاع مما أدى إلى مقتل وإصابة أكثر من 1000 مدني خلال ساعات قليلة.
التصعيد المضاد لعمليات المقاومة أدى حتى الآن إلى إحباط أهداف إسرائيل المعلنة، فالهدفان الاستراتيجيان الرئيسيان للدولة الصهيونية هما فصل الجبهة الشمالية عن غزة وإعادة عشرات الآلاف من المستوطنين النازحين إلى مستوطناتهم في شمال فلسطين المحتلة، ولا يبدو أن الإسرائيليين يقتربون من تحقيق أحد الهدفين حتى!
لقد سلطت قدرة إسرائيل على اختراق شبكة اتصالات حزب الله والقضاء على كبار القادة العسكريين الضوء على التشكيك بمدى قدرة المقاومة المسلحة على العمل بكفاءة في ساحة المعركة، فالفشل الاستخباراتي قد يكون أكثر فتكاً من الخسائر الميدانية في الحرب!
تضامن شعبي
رغم خطورة الانتكاسات التي تعرض لها حزب الله، إلا أن رد الفعل الشعبي والرد العسكري السريع للحزب كانا علامة قوية على صمود الناس العاديين وقوى المقاومة على حد سواء، فعلى الصعيد الداخلي، أثارت الهجمات الدموية التي شنتها إسرائيل موجة من التعاطف الشعبي والتضامن مع آلاف الضحايا عبر حملات نقل الدم والأطباء المتطوعين.
إضافة إلى ذلك، فقد اصطفت شخصيات حكومية لبنانية رسمية وفصائل سياسية على علاقة متوترة مع حزب الله، مثل التيار الوطني الحر والحزب التقدمي الاشتراكي الذي يتزعمه الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، إلى جانب الحزب، حيث خفف موقفهم، ولو كان رمزياً، من موجة الشك والخوف التي أطلقها خصوم حزب الله من الجماعات اليمينية مثل حزبي الكتائب والكتائب إلى المعلقين الممولين من الغرب والخليج.
أما على الجبهة العسكرية، فقد أطلق حزب الله عشرات الصواريخ القصيرة والطويلة المدى والتي أصابت عدة مراكز حضرية حتى جنوب حيفا، حيث شملت الأهداف منشآت عسكرية مثل مجمع التصنيع الإلكتروني ورمات ديفيد، وهي قاعدة جوية إسرائيلية رئيسية.
الأهم من ذلك كله هو أن التصعيد المضاد لعمليات المقاومة أدى حتى الآن إلى إحباط أهداف إسرائيل المعلنة، فالهدفان الاستراتيجيان الرئيسيان للدولة الصهيونية هما فصل الجبهة الشمالية عن غزة وإعادة عشرات الآلاف من المستوطنين النازحين إلى مستوطناتهم في شمال فلسطين المحتلة، ولا يبدو أن الإسرائيليين يقتربون من تحقيق أحد الهدفين حتى!
مرحلة جديدة
أعلن نائب الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، أن الحرب دخلت مرحلة “الحسابات المفتوحة” وقد تؤدي إلى المزيد من النزوح، حيث دفع وابل صواريخ حزب الله الحالي عشرات الآلاف من السكان في العديد من المدن والبلدات لدى الإسرائيليين إلى البحث عن مأوى، كما تم إغلاق المدارس، كما صدرت تعليمات للمستشفيات بإرسال المصابين إلى مخابئ تحت الأرض.
ليس من الواضح بعد حجم الأضرار التي لحقت بالمواقع العسكرية الإسرائيلية، وذلك بسبب الحظر الصارم الذي فرضته تل أبيب على التغطية الإعلامية لخسائرها، لكن الحقيقة هي أن هذه المواقع تقع في نطاق نيران حزب الله والقبة الحديدية الإسرائيلية المشهورة لم تعد مقاومة للصواريخ ما أثر على قوة الردع الإسرائيلية.
ويظل السؤال الأكثر إلحاحاً هو إلى متى سيجلس العالم متفرجاً، خاصة القوى التي تشعر بالقلق إزاء إعادة ترسيخ الإمبريالية الأمريكية في المنطقة؟!
علاوة على ذلك، فإن صواريخ حزب الله بعيدة المدى المتمركزة في مخابئ تحت الأرض بعيداً عن الحدود تشكل تهديداً لإسرائيل في حال فكرت في غزو بري للأراضي اللبنانية جنوب نهر الليطاني، فقد يؤدي غزو متهور كهذا إلى وضع القوات الإسرائيلية في مرمى قوات حزب الله ولن يحمي المستوطنات الشمالية من الصواريخ التي يتم إطلاقها في سماء المنطقة.
على المستوى الإقليمي، أدت بيانات التضامن والعمل العسكري الداعم لحلفاء حزب الله في فلسطين واليمن والعراق إلى ترسيخ عقيدة “وحدة الجبهات”، الأمر الذي يعد بمثابة تذكير بأن الحرب الحالية لا يمكن أن ينظر إليها على أنها مجزأة، فجميع الجبهات مترابطة وخسارة أحدها هي خسارة للجبهات الأخرى والعكس صحيح.
لقد كررها حزب الله مراراً وتكراراً، بأن أفضل طريقة لإعادة المستوطنين الإسرائيليين إلى المستوطنات الشمالية هي إنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة، كما أن حماس وافقت على مقترح الرئيس الأميركي جو بايدن في مايو الماضي لوقف دائم لإطلاق النار وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني والحصار المفروض على الأراضي الفلسطينية وتبادل الأسرى.
الغطاء الغربي
من جانب آخر، يكشف التصعيد الإسرائيلي الخطير على الجبهة الشمالية أن تل أبيب حريصة على تخريب الحلول، ففي الوقت الذي تهاجم فيه لبنان بوقاحة، تواصل قواتها قصفها الوحشي وحصارها للفلسطينيين في غزة.
من جهة ثانية، تشن القوات المسلحة الإسرائيلية غارات عنيفة على مخيمات اللاجئين والبلدات والقرى في الضفة الغربية المحتلة في وقت تعيث فيه حشود المستوطنين الخراب في الأراضي والمجتمعات الفلسطينية.
ولا يجب أن ننسى أن كل هذا التعنت الإسرائيلي لم يكن ليكون ممكناً دون الدعم العسكري والمالي والدبلوماسي المستمر من قبل الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين.
يشجع إسرائيل أيضاً إدانات الأمم المتحدة العاجزة والاحتجاجات الخجولة وغير الفعالة من قبل منافسي الولايات المتحدة مثل الصين وروسيا، بالإضافة إلى التواطؤ الصريح من قبل الدول والحكومات العربية خاصة تلك المجاورة لفلسطين مثل الأردن ومصر.
في ظل هذا الواقع، فإن صمود قوى المقاومة غير الحكومية والفقيرة بالموارد في فلسطين ولبنان واليمن في حرب استنزاف لمدة عام ضد الترسانة الإسرائيلية المتقدمة والمدعومة من القوى العظمى هو إنجاز تاريخي في سجلات حروب التحرير المناهضة للاستعمار.
ويظل السؤال الأكثر إلحاحاً هو إلى متى سيجلس العالم متفرجاً، خاصة القوى التي تشعر بالقلق إزاء إعادة ترسيخ الإمبريالية الأمريكية في المنطقة؟!
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)