جولة لامي في تشاد: كيف تعبر مصالح لندن والرياض وأبو ظبي وتل أبيب فوق جثث السودانيين؟

تتربع رسالة يقول متنها “يجب أن لا ننسى السودان” على رأس الصفحة الشخصية لديفيد لامي على منصة X، مع مقطع فيديو يظهر فيه وزير الخارجية البريطاني، مرتديًا قميصاً أبيض اللون وبنطالاً قطنيًا فاتح اللون.

كان لامي في تلك الصورة يتجول في المواقع الطبيعية بصحراء تشاد، وتحديداً في أدري، وهي بلدة حدودية تشادية تستضيف الآن أكثر من 230 ألف لاجئ سوداني.

وكتب لامي: “خلفي مباشرةً، على حدود السودان، يعاني الناس من أكبر كارثة إنسانية على هذا الكوكب”، ويروي القصة التي روتها له امرأة تعرضت للحرق والضرب والاغتصاب.

ثم يتجه وزير الخارجية البريطاني إلى الكاميرا ليطرح سؤالاً: “أين الغضب الليبرالي؟ لا يمكن أن يكون هذا الصراع في قاع هرم اهتمامنا بالصراعات”.

وتتواصل الحرب بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع شبه العسكرية منذ أبريل/نيسان 2023، مما أدى إلى نزوح أكثر من 11 مليون شخص وخلف عددًا غير مؤكد ربما يصل إلى 200 ألف قتيل.

وخلال هذا الوقت، اتسم التدخل الغربي في الجهود الدبلوماسية لإنهاء الحرب بكونه إما غير ناجح أو ضئيل، حيث قال كاميرون هدسون، المسؤول السابق بوزارة الخارجية الأمريكية، لموقع ميدل إيست آي، أن بريطانيا التي كانت ذات يوم قوة استعمارية قد “غابت تمامًا عن السودان”.

وتعد رحلة لامي إلى تشاد الأولى على الإطلاق التي يقوم بها وزير خارجية بريطاني إلى البلد الإفريقي، وقد تخللها اجتماع مع رئيس تشاد، محمد ديبي، في العاصمة نجامينا وتزامنت مع إعلان عن تمويل إضافي بقيمة 20 مليون جنيه إسترليني للسودان، بالإضافة إلى مضاعفة المساعدات البريطانية في نوفمبر/تشرين الثاني إلى 226.5 مليون جنيه إسترليني.

المملكة المتحدة والإمارات العربية المتحدة والسودان

غير أن مساعي لامي لتركيز الانتباه على السودان وضعته في مواجهة أسئلة محرجة حول تورط الإمارات العربية المتحدة، الحليف الرئيسي لبريطانيا، ووضعته أيضاً أمام اتهامات بأن المملكة المتحدة تسعى إلى صرف الانتباه بعيدًا عن دعمها العسكري والدبلوماسي لإسرائيل.

ويوم الثلاثاء، بعد عودته إلى الأراضي البريطانية، استجوبت النائبة اليسارية زارا سلطانة وزير الخارجية تحت قبة البرلمان.

كانت سلطانة عضوة في حزب العمال الذي ينتمي إليه لامي، لكن عضويتها في الحزب علقت في يوليو/تموز بعد أن صوتت ضد الحفاظ على سقف حكومي على إعانات الأطفال.

وفي تفصيل “الأسلحة والدعم” الذي تناول ما قدمته الإمارات العربية المتحدة لقوات الدعم السريع، تمت ملاحظة أن الإمارات العربية المتحدة “هي واحدة من أكبر مشتري الأسلحة من المملكة المتحدة، مع ترخيص صادرات دفاعية بقيمة مليارات الدولارات في السنوات الأخيرة”.

وقد سألت سلطانة لامي ما إذا كانت الحكومة البريطانية ستلتزم بإنهاء مبيعات الأسلحة إلى الإمارات العربية المتحدة حتى يتم التحقق من أنها لم تعد تسلح قوات الدعم السريع.

وردًا على ذلك، بدأ لامي بالإشارة إلى سلطانة باعتباره “رجلاً نبيلاً”، وضحك قائلاً إنه لا يزال يعاني من إرهاق السفر، ثم تابع قائلاً إن بريطانيا عقدت مناقشات منتظمة مع الشركاء الإقليميين بما في ذلك مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وأن السلام في السودان يتطلب دعم “كل من في المنطقة وخارجها”.

ولا يعد هذا الفشل في معالجة دور الإمارات العربية المتحدة في السودان بشكل مباشر بالأمر الجديد، سواء في بريطانيا أو الولايات المتحدة. 

فقد نشر موقع ميدل إيست آي الكثير عن الشبكات التي تستخدمها الإمارات العربية المتحدة لدعم قوات الدعم السريع، والتي قالت جماعات حقوق الإنسان والحكومة الأمريكية أنها ترتكب إبادة جماعية.

وفي ديسمبر/كانون الأول، قبل أن يغادر جو بايدن منصبه، قال بريت ماكجورك من البيت الأبيض إن الإمارات العربية المتحدة وعدت بأنها لن تزود قوات الدعم السريع بعد الآن بالسلاح، وقد كان ذلك اعترافاً ضمنياً بأن الإمارات كانت تفعل ذلك، وهي أيضاً لم تتوقف عن ممارسة هذا العمل.

وعندما قام لامي بأول زيارة رسمية له إلى الإمارات العربية المتحدة في سبتمبر/أيلول الماضي، ذكر في إحاطة المملكة المتحدة “التعاون في مجال الطاقة النظيفة والذكاء الاصطناعي، والتنسيق الوثيق بشأن الأمن الإقليمي والقضايا الإنسانية”، ولكنه لم يتطرق إلى السودان.

ويعد صندوق الثروة السيادية الإماراتي الأكبر في العالم حالياً، ومنه تتدفق الأموال الإماراتية عبر لندن، وقد قال مسؤول حكومي بريطاني، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، لميدل إيست آي إن “سياسة الحكومة إلى حد كبير” هي السعي للحصول على استثمار من الصندوق.

ففي نوفمبر/تشرين الثاني، زار رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في محاولة لتأمين استثمارات جديدة من كلتا الدولتين.

وقال المسؤول: “أعتقد أن المملكة المتحدة ليست وحدها التي تتخذ مثل هذا الموقف تجاه الإمارات العربية المتحدة”.

من جهتها، ذكرت خلود خير، المحللة السودانية ومديرة مركز الأبحاث كونفلوانس أدفايزوري، أن “الحقائق الجيوستراتيجية لاتزال تلعب دوراً، ولا يزال الساسة الغربيون خائفين للغاية أو غير مستعدين أو غير راغبين أو يفتقرون إلى الرؤية والشجاعة للتعامل مع هذا بطريقة مفيدة، مع الحفاظ على بعض هذه العلاقات المهمة”.

وأوضحت خير لميدل إيست آي أنه “لا ينبغي التضحية بأرواح السودانيين على مذبح العلاقات الجيوستراتيجية بين واشنطن وأبو ظبي أو لندن وأبو ظبي”.

ماذا عن السودان؟

يستدعي سؤال لامي حول “الغضب الليبرالي” في السودان تصريحات وزير الخارجية الأمريكي الجديد ماركو روبيو التي قال فيها إن مجازر قوات الدعم السريع في السودان كانت “إبادة جماعية حقيقية” في “عصر تم فيه إساءة استخدام مصطلح الإبادة الجماعية”.

وقد تم تفسير كل من الأمرين على أنهما جزء من تكتيك خطابي نشأ عن مؤثرين يمينيين إسرائيليين عبر الإشارة إلى الافتقار المفترض للاهتمام بالسودان كوسيلة للإشارة إلى أن القلق بشأن حرب إسرائيل على غزة أمر غير واقعي.

وأشارت خير إلى أن هذه السردية كانت قد عرضت أيضًا في جلسات تأكيد روبيو وإليز ستيفانيك، مرشحة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لمنصب سفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة التي قالت “أعتقد أن هناك انحرافًا عن غزة”، حيث تعتقد ستيفانيك أن لإسرائيل حقًا توراتيًا في الضفة الغربية بأكملها.

وقالت خير أيضًا إنها شهدت ما أسمته “التضليل الإنساني” من الدول الغربية في الأمم المتحدة، حيث تم ترتيب اجتماعات بشأن السودان “كوسيلة مريحة للغاية لمناقشة السودان على حساب غزة، ولكن دون تقديم أي التزامات”.

ويعتبر لامي من أنصار مجموعة أصدقاء إسرائيل في حزب العمال، وقد قبل تبرعات من جماعات الضغط المؤيدة للاحتلال “في مناسبات عديدة”، وقال أثناء الحرب على غزة إن قصف مخيمات اللاجئين “قد يكون مبرراً قانونياً”.

وكان ديفيد منسر، المتحدث الحالي باسم الحكومة الإسرائيلية، مديراً لحملة لامي عندما ترشح لمنصب عمدة لندن عن حزب العمال.

السياسة البريطانية تجاه السودان

قال هدسون، وهو محلل سابق في وكالة المخابرات المركزية ووزارة الخارجية الأمريكية لشؤون السودان، لميدل إيست آي إنه يعتقد أن نهج لامي كان “أدائياً”، وأن وزير الخارجية البريطاني كان “يتفاخر بأجندة حقوق الإنسان التي لا تحتوي على أي مضمون”.

“نحن نرى الكثير من الحركة بلا مضمون، فالأداء على غرار هوليوود عبر صحراء تشاد قد يكون مفيداً لرفع مكانة لامي، لكنني لست متأكدةً من مدى فائدته لرفع مكانة السودان لأن ذلك الأمر يتطلب مشاركة أكثر جوهرية في كل ما يجري، بما في ذلك بالطبع انتقاد الإمارات العربية المتحدة وغيرها”- خلود خير، كونفلوانس أدفايزوري

وتابعت: “من المضحك، أن يحاكي البريطانيون السياسة الأمريكية بعد فترة تمتد من ستة أشهر إلى عام من إثبات عدم نجاحها، لذا فإن لامي يتبنى نهجًا أخلاقيًا شبيهاً بنهج بايدن، لكن هذا النهج وإن كان رفيع المستوى لا يقربنا من الحل”.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، قاد لامي في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قرارًا يدعو إلى وقف إطلاق النار في السودان، لكن روسيا استخدمت حق النقض ضده، وقال وزير الخارجية في القاعة وقتها: “هذا الفيتو الروسي عار، إنه عار على بوتن”.

ووفقًا لمسؤولين سودانيين متحالفين مع الجيش، فإن الروس الذين دعموا سابقًا قوات الدعم السريع من خلال مجموعة فاغنر لكنهم الآن يدعمون الجيش بشكل أكبر، كانوا ببساطة يتصرفون بناءً على رغبات الحكام السودانيين، حيث لم يتم إبلاغ المسؤولين المتحالفين مع الجيش من قبل لامي مسبقًا بأنه سيطرح القرار.

وينعكس هذا الضعف في التواصل مع المسؤولين المتحالفين مع الجيش في حقيقة أن لامي اختار زيارة تشاد، التي سهلت حكومتها توريد الأسلحة الإماراتية إلى قوات الدعم السريع، بدلاً من السودان، حيث يتوجه مسؤولون من العديد من الدول الأوروبية الآن وحيث يسيطر الجيش على جزء كبير من البلاد خارج دارفور، المنطقة الغربية الشاسعة التي تعمل كقاعدة إسناد لقوات الدعم السريع.

لقد اتخذت كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة نهج “كلا الجانبين” تجاه الحرب في السودان، حيث اعتبرتا قوات الدعم السريع والجيش مذنبين على قدم المساواة، وسواءً بسواء.

لكن محللين مثل هدسون يرون أن قوات الدعم السريع كانت أكثر سوءاً، وأن الجيش ومسؤوليه، الذين عمل بعضهم مع المستبد عمر البشير ومرتبطون بالحركة الإسلامية التي دعمته، بحاجة إلى التعامل معه بشكل صحيح من قبل القوى الغربية.

وقد لاقى التمويل المتزايد من المملكة المتحدة ترحيبا كبيرا، وخاصة عندما تبدو إدارة ترامب عازمة على خفض المساعدات الإنسانية.

وعلى عكس الولايات المتحدة أو النرويج، لم تتعاون بريطانيا بعد مع غرف الاستجابة للطوارئ، وهي مجموعات المساعدة السودانية التي تم ترشيحها للتو لجائزة نوبل للسلام والتي تنظم الجزء الأكبر من المساعدات على الأرض.

وفي أعقاب رحلة لامي إلى تشاد، قالت المملكة المتحدة إنها تريد عقد اجتماع في لندن لجيران السودان “وشركاء دوليين آخرين للتوسط في السلام”.

وقالت خير: “هذه خطوة عظيمة، نحن نحتاج فقط إلى رؤيتها تتحقق بطريقة مفيدة، وهذا يعني أن المملكة المتحدة يجب أن تحشد المزيد من القوة الدولية والزخم أكثر مما كانت تفعله، ولست متأكدةً من أن لدينا وزارة خارجية ووزير خارجية على استعداد أو قادر على القيام بذلك”.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة