جيرمي كوربن: ستارمر يكرر خطايا أسلافه… والتاريخ لن يرحم المتواطئين

بقلم جيرمي كوربن

ترجمة وتحرير نجاح خاطر

سيُسجَّل في التاريخ إرث حكومة كير ستارمر باعتباره شريكًا متواطئًا في واحدة من أبشع الجرائم ضد الإنسانية في عصرنا.

فمع انطلاق أعمال المؤتمر السنوي لحزب العمال في ليفربول شمال غرب إنجلترا، يعلو اسم ستارمر على الملصقات الدعائية بوصفه زعيمًا صاعدًا، لكن الحقيقة أن صورته ستبقى مرادفة للتواطؤ مع جريمة إبادة جماعية لم يشهد لها العالم مثيلاً منذ عقود.

في هذا الوقت، اخترت أن أكون بعيدًا عن أروقة المؤتمر، فقد قدّمت اعتذاري عن الحضور، لأنني متواجد في جنوب إفريقيا ضمن “جولة التضامن مع فلسطين” برفقة الدكتور مصطفى البرغوثي، مؤسس ورئيس المبادرة الوطنية الفلسطينية.

جنوب إفريقيا والمحكمة الدولية

جنوب إفريقيا هي الدولة التي بادرت برفع قضية أمام محكمة العدل الدولية ضد دولة الاحتلال متهمة إياها بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية في غزة.

وقد كنتُ حاضرًا أثناء تلك المرافعات، وكان المشهد مؤثرًا بعمق، فهناك شعب خبر نظام الفصل العنصري ونجح في تفكيكه، وها هو يقف اليوم مع الفلسطينيين في مواجهة أبشع صور الظلم.

وبينما سيلقي ستارمر خطابه في ليفربول، سأكون في جوهانسبرغ داخل مؤسسة نيلسون مانديلا، وعندما أُعلن عن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة مطلع هذا العام، نشرت المؤسسة بيانًا أكدت فيه أنه “لا بد من الاعتراف بما تحمّله الفلسطينيون منذ أواخر عام 2023، ومحاسبة المسؤولين عن ذلك”.

“محكمة غزة” وشهادات دامية

وخلال رحلتي إلى جنوب إفريقيا، واصلت العمل على التقرير الذي أعددناه عقب انعقاد “محكمة غزة” هذا الشهر، وهو تحقيق شعبي استمر يومين حول الدور البريطاني في جرائم الحرب التي ارتكبها جيش الاحتلال في غزة.

استمعنا إلى شهادات ناجين وشهود عيان، إضافة إلى خبراء قانون دولي وأطباء وعاملين في المجال الإنساني من بينهم الدكتور نيك ماينارد والدكتورة فيكتوريا روز، اللذان قدّما روايات مروّعة عن تجربتهما في مستشفيات غزة.

فقد قالا إنهما شاهدا أطفالاً تُبتر أطرافهم من دون تخدير بسبب نقص الدواء، بينما كانت صرخاتهم تهز جدران المكان.

لكن الشهادة الأشد إدانة ربما كانت تلك التي وردت من مارك سميث، الموظف السابق في وزارة الخارجية البريطانية، الذي قدّم استقالته احتجاجًا على استمرار بيع الأسلحة لدولة الاحتلال. 

لقد كشف سميث أنه كان يُطلب منه بانتظام تعديل تقاريره القانونية بشأن صفقات السلاح لتبدو “أقل سوءًا”.

محاولة لطمس الحقيقة

وفي وقت سابق من هذا العام، سعيت لطرح مشروع قانون أمام البرلمان يطالب بإنشاء لجنة تحقيق مستقلة على غرار لجنة “تشيلكوت” للتحقيق في حرب العراق، وذلك لتقصي الدعم البريطاني لعمليات جيش الاحتلال في غزة، لكن الحكومة رفضت، تمامًا كما فعلت من قبل في ملف العراق.

الرد الرسمي كان أن “لا حاجة لإجراء تحقيق”، وأنه “لا يوجد أي لبس بشأن العمليات العسكرية البريطانية في غزة”.

غير أنه لا يمكن طمس الحقائق، وعندما يكتمل تقرير محكمتنا الشعبية، سنسلمه إلى الحكومة وسنجدد مطالبتنا بإجراء تحقيق علني ورسمي في التواطؤ البريطاني.

لقد عقدنا جلسات “محكمة غزة” في قاعة “تشيرش هاوس” نفسها التي شهدت قبل سنوات اعتذاري باسم حزب العمال عن قرار غزو العراق. 

يومها قلت إن رئيس وزراء بريطاني نصب نفسه “مخلّصًا للعالم الحر”، واليوم، يُعاد المشهد نفسه مع ستارمر، الذي يكرر خطايا أسلافه، ويسعى إلى الإفلات من المحاسبة، لكن التاريخ لا يرحم، والحقيقة ستظهر مهما طال الزمن.

تقرير الأمم المتحدة وإدانة واضحة

وفي وقت سابق من هذا الشهر، أكدت لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة أن دولة الاحتلال ارتكبت جريمة إبادة جماعية في غزة.

هذا التقرير الأممي لا يكتفي بوصف ما حدث، بل يحمل تداعيات قانونية مباشرة على وزراء ومسؤولين بريطانيين. 

فمنذ اللحظة الأولى، ظللنا نذكّر الحكومة بواجبها القانوني والأخلاقي في منع وقوع الإبادة، لكن الردود الرسمية تكررت بنفس النغمة ومفادها مراوغة وإنكار وتجنب للمسؤولية.

وحتى اليوم، لا نعرف ما إذا كانت الحكومة قد طلبت تقييمًا قانونيًا لجريمة الإبادة، ولا إن كانت ستكشف عن مضمون هذا التقييم للرأي العام.

ولا يستطيع أحد الادعاء بأنه لم يكن يعلم بما يجري، فالصور القادمة من غزة، وصرخات الأطفال، وصرامة تقارير المنظمات الحقوقية العالمية كلها وثائق دامغة. 

صحيح أن بعض السياسيين بدأوا يغيرون خطابهم الآن، لكننا لن نغفر لهم تردّدهم وجبنهم الأخلاقي في اللحظة التي كان الشعب الفلسطيني فيها بأمس الحاجة إلى مواقفهم.

الدروس من التاريخ

اليوم، يتعلم طلاب المدارس حول العالم عن أبشع الجرائم ضد الإنسانية في القرن الماضي، وغدًا، سيتعلم أبناؤنا أن حكومة ستارمر لم تكن أقل تواطؤًا، وأنها انحازت إلى من ارتكبوا جريمة إبادة جماعية عيانًا بيانًا.

ولن يكون إرث هذه الحكومة تحسين حياة الفقراء أو رعاية ذوي الإعاقة، بل سيكون سجلًا مخزيًا من المشاركة في واحدة من أشد الجرائم ضد الإنسانية عنفاً في هذا القرن.

“الأمن” ذريعة لزيادة التسلح

لا أحتاج إلى مشاهدة خطاب ستارمر لأعرف ما سيقوله: دفاع، دفاع، دفاع.

الحكومة التي لم تُظهر سخاءً تجاه الأطفال الجائعين أو ذوي الاحتياجات الخاصة، أبدت كرمًا بلا حدود في مجال التسلح، أبرمت صفقات أسلحة جديدة، غواصات نووية إضافية، وطائرات حربية من طراز F35 مستوردة من الولايات المتحدة.

لكن الحقيقة أن الشعب البريطاني كان يتوقع سياسة خارجية مختلفة، سياسة تضع حقوق الإنسان والسلام في صدارة أولوياتها. 

وبينما تغص الشاشات بصور الأطفال الجائعين يختار ستارمر أن يسجَّل اسمه إلى جانب الذين رفضوا التخفيف عن معاناتهم.

خيار سياسي حقيقي

وسط هذا الإحباط، أؤكد أن هناك بديلاً حقيقيًا، لقد أطلقنا حزبًا جديدًا، حزبًا يؤمن بالمساواة بين البشر جميعًا، وبالسلام العادل، وبأن حياة الفلسطيني لا تقل قيمة عن أي حياة أخرى.

مؤتمرنا التأسيسي سيكون مختلفًا كليًا عن مؤتمر حزب العمال، وسيعطي الكلمة للأعضاء، وسيفتح الباب أمام حركة جماهيرية ديمقراطية، تضع أسسًا لعالم أكثر عدلاً واستدامة وسلامًا.

إذا كنت تؤمن أن السياسة يجب أن تعيد الأمل بدل أن تنشر اليأس، فإن الباب مفتوح أمامك عبر موقع yourparty.uk يمكنك أن تنضم إلينا، وتساهم في بناء بديل سياسي حقيقي، يعيد إلى السياسة ما حُرم الناس منه طويلًا: الأمل.

لقد حُرم البريطانيون لعقود من خيار سياسي صادق، لكننا اليوم نقول: لن يستمر هذا الحرمان بعد الآن.

للاطلاع على المقال الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة