منذ أن شنت إسرائيل عمليتها البرية في غزة أواخر تشرين الأول/ أكتوبر، ظهرت مقاطع فيديو لجنود يقومون بأعمال عنف استفزازية لا يبدو أن لها علاقة بتحقيق هدف إسرائيل المعلن المتمثل في تدمير حماس.
شملت تلك المشاهد أعمال سرقة وتخريب وتدمير الشركات والممتلكات وإقامة الرموز الإسرائيلية واليهودية في أحياء غزة.
وفي حين عزا البعض ذلك السلوك إلى عدم الانضباط، إلا أن المحللين يعتقدون أنه يعكس أيضًا شكلاً من أشكال “الحرب النفسية”.
وفي أحد الأمثلة على عمليات السرقة، تفاخر جندي بسرقة قلادة فضية من غزة ليهديها إلى صديقته في إسرائيل، فيما سرق جندي آخر سجادة من أحد منازل الفلسطينيين.
وفي منشور تم نشره على مجموعة شهيرة على فيسبوك، أبدى ضابط إسرائيلي شماتته بشأن الاستيلاء على مجموعة من مستحضرات التجميل المختومة لنقلها إلى إسرائيل “كهدايا من غزة”.
وجاء في التعليق أسفل المنشور: “من الأفضل أن تحذف المنشور، إنه يكسبنا سمعة سيئة، ليس لأنني أهتم بتلك المرأة الغزية، ولن أهتم إذا لم تر النور أبدًا، بل لأني أهتم بالجندي الذي قد يتم تقديمه للمحاكمة، وبسمعة الجيش الإسرائيلي”.
وأعرب موسيقار فلسطيني عن صدمته عندما اكتشف أن جنديًا إسرائيليًا سرق الجيتار الخاص به وعزف عليه على أنقاض منزله المدمر في شمال غزة.
وفي حادثة اخرى، أظهرت مشاهد فيديو جندياً إسرائيلياً يقوم بتدمير متجر هدايا فلسطيني بالكامل، فيما كان جندي إسرائيلي آخر يستعرض قطعاً من الملابس الداخلية النسائية مستخدماً عبارات مهينة عنها، في حين أظهر مقطع آخر جندياً يشعل النار في إمدادات الغذاء والمياه الشحيحة أساساً والتي بات المحاصرون في غزة في أمس الحاجة اليها.
وقالت لالي خليلي، الأكاديمية والباحثة في جامعة إكستر، أن هناك تاريخاً طويلاً من تعمد الجنود الإسرائيليين تخريب منازل الفلسطينيين.
وأضافت: ” لقد اشتهر مثل هذا السلوك خلال النكبة وإبان الحروب المتعاقبة في أراضي فلسطين التاريخية، وفي لبنان في مطلع الثمانينات، وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة خلال الحروب المتعاقبة”.
وأضافت: ” اعتاد الجنود الإسرائيليون استخدام الجداريات لتوجيه رسائل عنيفة للغاية، بل وحتى استخدام لغة تتضمن فكرة الإبادة الجماعية، كما أنهم قاموا بالتبرز في المطابخ، ونهب المقتنيات الشخصية القيمة، ودمروا الممتلكات والمقتنيات اليومية، والتقطوا صوراً تذكارية لأنفسهم”.
وبالإضافة إلى أعمال النهب والتخريب، شوهد عناصر القوات الإسرائيلية أيضًا وهم يقومون بتثبيت رموز إسرائيلية ويهودية في أنحاء القطاع.
ففي حي الشجاعية، قام الجنود الإسرائيليون بتركيب شمعدان حانوكا بارتفاع 13 متراً، في إحدى أكثر المناطق اكتظاظا بالسكان في منطقة وسط غزة، كما تم رفع الأعلام الإسرائيلية في أنحاء القطاع المحاصر.
وكتب الصحفي ديمي رايدر على منصة X، تعليقاً على صورة العلم وسط حي مدمر، ” أتساءل كم من الإسرائيليين يدركون أن المشروع الصهيوني برمته يبدو مثل هذه الصورة للفلسطينيين”.
وتظهر صورة أخرى التقطت في خان يونس عدداً من الجنود الإسرائيليين في منزل فلسطيني يرفعون ملصقاً كتب عليه: ” وحدها المستوطنات في غزة هي الانتصار”.
وفي عام 2005، انسحبت إسرائيل من قطاع غزة، ونقلت حوالي 8000 مستوطن يهودي وجندي إسرائيلي كانوا يقيمون في 21 مستوطنة حول غزة إلى الضفة الغربية المحتلة.
ودعت العديد من الشخصيات اليمينية المتطرفة، بمن فيهم وزراء في الحكومة، في الأسابيع الأخيرة إلى إعادة بناء المستوطنات الإسرائيلية في القطاع.
حرب نفسية
وقالت الخليلي إن فكرة وجود جيش إسرائيلي منضبط هي مجرد أسطورة غير واقعية، مضيفة: ” الجيش يتكون من مجندين، معظمهم من الصهاينة المتدينين الذين يؤمنون بحقهم في الاستقرار في أي مكان بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط”.
وتابعت: ” إن صفوف ضباط الجيش الإسرائيلي مليئة بالمستوطنين الأكثر تعصباً والذين ينجذبون دائمًا، مثل اليمينيين في أماكن أخرى، إلى الجيوش والمؤسسات العسكرية الأخرى”.
وعبر العديد من المعلقين عن اعتقادهم بأن عرض هذه المشاهد هو محاولة متعمدة لـممارسة “الحرب النفسية”.
وكتب الصحفي مرتضى حسين: ” يبدو أن مقاطع الفيديو التي يظهر فيها الجنود الإسرائيليون وهم يجردون الفلسطينيين وينهبون المتاجر قد تم تسريبها عمدًا لإحباط معنويات سكان غزة ورفع الروح المعنوية محليًا”.
وأضاف: ” لكنهم يرسلون إشارة سلبية على المستوى الدولي حيث يتم الترويج للجيش الإسرائيلي باعتباره جيشًا محترفًا للغاية على النمط الغربي”.
وقالت الخليلي: ” أعمال التخريب والنهب التي نراها هي على الأرجح نتيجة لعدم الانضباط وعنصر من عناصر الحرب النفسية”.
وتابعت متسائلةً: ” إذا لم تكن كذلك، فإن المواقع العسكرية الرسمية ومجموعات التواصل الاجتماعي لن تنشر بعضًا من هذا السلوك الفظيع”.