بقلم مها الحسيني
ترجمة وتحرير مريم الحمد
لا يزال مصير تلك المرأة الفلسطينية التي تبلغ من العمر 94 عامًا في غزة مجهولاً، بعد أن داهم الجيش الإسرائيلي منزلها وأجبر العائلة على الإخلاء وتركها وراءها!
لقد كانت نايفة رزق السوادة، التي تعاني من مرض الزهايمر ولا تستطيع المشي أو الكلام، في منزلها بالقرب من مجمع الشفاء الطبي غرب مدينة غزة في 21 مارس، عندما اجتاح الجيش الإسرائيلي المنطقة بعد منتصف الليل، وأخلى سكانها قسراً تحت تهديد السلاح.
نقل عن شهود عيان أن الدبابات والمركبات العسكرية الإسرائيلية قامت بتطويق المنطقة ومحاصرة السكان، بحيث لا يُسمح لهم بمغادرة منازلهم دون إذن الجيش، بينما فتحت المروحيات الرباعية النار على “أي شخص ينظر من نوافذهم”
وتخشى عائلة نايفة من احتمال استخدامها كدرع بشري من قبل الجيش الإسرائيلي داخل مستشفى الشفاء، حيث تقول ابنتها مها النواتي: “نحن نعيش جميعًا في مبنى واحد يتكون من شقق مختلفة، وكان لدى والدتي شقتها الخاصة، لكن خلال الحرب، انتقل أخي وزوجته وأطفاله للعيش معها في شقتها، وقد اعتادوا أن يأخذوها معهم في كل مرة يضطرون فيها إلى الإخلاء، ففي المرات التي اجتاحت فيها القوات الإسرائيلية منطقة الشفاء، كان أخي وعائلته أخذوها وانتقلوا إلى منزل أختي في حي التفاح، وعندما اجتاحوا حي التفاح، انتقلوا جميعاً مع أختي إلى منطقة الشفاء”.
وفي إشارة إلى الاجتياح الأخير للمنطقة، تقول مها: “لكن هذا الاقتحام حدث حوالي الساعة 2 صباحًا، ولذلك لم يتمكنوا من الإخلاء أو التحرك إلى أي مكان”.
تقول مها، التي غادرت غزة خلال الحرب الإسرائيلية المستمرة على القطاع وتقيم حاليًا في مصر، أن شقيقها وزوجته قالا أنهما اضطرا لترك والدتها أثناء إجلائهما إلى الأجزاء الجنوبية والشرقية من قطاع غزة، فقد
كان المبنى مليئاً بالنازحين وعندما اقتحم الجيش المكان قام بفصل الرجال عن النساء، فأخذوا الرجال وأبقوهم خارج المبنى، ثم أمروا النساء بالإخلاء نحو الجنوب”.
بعد تفتيش أفراد العائلة، أمرهم الجيش بالتوجه إلى شرق مدينة غزة، وهنا تقول مها: “قالت زوجة أخي لضابط إسرائيلي: هذه أمي، سوف آخذها معي، فقال: لا، غادري الآن وسنعتني بها، فغادروا جميعاً وبقيت والدتي هناك، ولا نعرف ماذا حدث بعد ذلك”.
بعد منتصف الليل وبشكل مفاجئ، قام الجيش الإسرائيلي بمداهمة مجمع الشفاء الطبي والأحياء والمباني السكنية المحيطة بمنطقة المستشفى، وأجبر سكانها على الإخلاء إلى الأجزاء الجنوبية من القطاع، قبل قصفها أو إضرام النار فيها.
وفقاً لتقرير نشرته صحيفة هآرتس، فإن الضباط الإسرائيليين العاملين في قطاع غزة أصدروا تعليمات لقواتهم بإشعال النار في منازل الفلسطينيين دون الحصول على موافقة قانونية.
علاوة على ذلك، فقد نقل عن شهود عيان أن الدبابات والمركبات العسكرية الإسرائيلية قامت بتطويق المنطقة ومحاصرة السكان، بحيث لا يُسمح لهم بمغادرة منازلهم دون إذن الجيش، بينما فتحت المروحيات الرباعية النار على “أي شخص ينظر من نوافذهم”.
ويعد هذا الاجتياح الثاني للمجمع الطبي منذ بداية الهجوم العسكري الإسرائيلي على غزة، سبق ذلك هجوم في 14 نوفمبر استمر حوالي 10 أيام.
وفي داخل المستشفى، قتل الجيش الإسرائيلي وأصاب واحتجز مئات الفلسطينيين، بما في ذلك العاملين في مجال الرعاية الصحية والمرضى والنازحين الذين لجأوا إلى مباني المستشفى، فقد أفاد شهود عيان أن قوات الاحتلال الإسرائيلي استخدمت بعض المدنيين الفلسطينيين كدروع بشرية أثناء مداهمة وتفتيش مباني المستشفى.
تجدر الإشارة إلى أن 7% من الفلسطينيين الذين قتلوا في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر هم من كبار السن
في شهادتها لموقع ميدل إيست آي، أشارت حفيدة الجدة نايفة إلى أن الجيش أبلغ عائلتها بأنهم سوف يأخذون جدتها إلى مستشفى الشفاء، لكن “لا يوجد دليل على نقلها إلى هناك، حيث كانت لا تزال في المنزل عندما غادرت الأسرة”، وأضافت “أخبرنا بعض الأشخاص أنهم رأوا الجيش يخرجها من المبنى باتجاه مستشفى الشفاء، لكننا لسنا متأكدين من صحة ذلك، كما أخبرنا الناس أن الجيش قصف المبنى بعد تهجير الأسرة قسراً”.
أضافت الحفيدة قائلة: “نحن عاجزون، لا نستطيع أن نفعل أي شيء لها، وهذا الألم ثقيل على قلوبنا، نريد فقط أن نعرف ما إذا كان الجيش قد أخذها بالفعل أم أنها تُركت وحدها في المنزل، نريد أن نعرف أي شيء عنها”.
“هي لا تستطيع أن تفعل أي شيء”
نظرًا لسنها وأمراضها المتعددة، فـ ” هي لا تستطيع أن تفعل أي شيء بمفردها”، تقول ابنتها مها: “أمي لا تستطيع التحرك أو الأكل أو الشرب بمفردها، كانت إذا ما نامت نقلبها على يمينها ويسارها حتى لا يصاب جسدها بالتقرحات، ولا يمكنها الذهاب إلى الحمام بمفردها، فقد اعتدنا على مساعدتها، حتى أنها لا تستطيع التحدث الآن فإذا سألوها عن اسمها فلن تتمكن من الإجابة”.
“لا أعرف ماذا يريد الجيش أن يفعل بها؟ إنها امرأة مسنة لا تستطيع فعل أي شيء في الحياة، لماذا يأخذونها؟ لماذا لم يسمحوا لها بالخروج مع ابنها وزوجته للتوجه إلى الجنوب؟” – مها النواتي- ابنة المسنة المفقودة
وتضيف مها: “خلال هذه الحرب وبسبب شح الطعام، كان أخي وعائلته يؤمنون لها الطعام قبل أي شخص آخر، فقد كان أخي يتأكد من حصولها على ما يكفي من الطعام حتى قبل أولاده، لأنها لا تعلم بالوضع وبالتالي لن تفهم أنه لا يوجد ما يكفي من الطعام”.
يذكر أن الجيش الإسرائيلي قام بفرض حصار مشدد على المنطقة شمال غزة منذ 13 أكتوبر، مما أعاق دخول المساعدات الدولية، كما استهدف الجيش السكان الذين حاولوا العودة إلى منازلهم من الأجزاء الجنوبية، ولكبار السن الحظ الأكبر في معاناة النزوح هذه، حتى تعرض عدد منهم للإعدام الميداني!
في أحد الأمثلة في نوفمبر، نشر الجيش الإسرائيلي صورة لأحد جنوده وهو يساعد رجلاً فلسطينياً مسناً يدعى بشير حجي ويبلغ من العمر 79 عاماً، بالعصا وذلك بحجة تسليط الضوء على “الممر الآمن” الذي يوفره الجيش للمدنيين الفارين من شمال غزة، ولكن سرعان ما نشر أحد سكان حي الزيتون أنه قُتل على يد الجنود الإسرائيليين.
تتساءل مها: “لا أعرف ماذا يريد الجيش أن يفعل بها؟ إنها امرأة مسنة لا تستطيع فعل أي شيء في الحياة، لماذا يأخذونها؟ لماذا لم يسمحوا لها بالخروج مع ابنها وزوجته للتوجه إلى الجنوب؟”.
تجدر الإشارة إلى أن 7% من الفلسطينيين الذين قتلوا في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر هم من كبار السن.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)